دور القوة الناعمة فى صياغة السياسة الداخلية والخارجية

بقلم د : رشا يحيي
من الدراسة التى أعددتها حول كيفية توظيف الرئيس لمفهوم القوة الناعمة فى صياغة السياسة الداخلية والخارجية.
كيف أثرت إدارة الرئيس للقوة الناعمة على القدرة العسكرية ؟
اهتم الرئيس السيسى منذ توليه الحكم بتطوير تسليح القوات المسلحة بكل أفرعها، بشكل غير مسبوق، إلى جانب تنويع مصادر التسليح والشراكة مع كبرى الدول فى مجال التصنيع العسكرى، وهو ما جعل الجيش المصرى يتقدم فى ترتيبه بين جيوش العالم.
ورغم تشكيك المغرضين فى مدى أهمية الإنفاق الكبير على النواحى العسكرية، إلا أن المصريين تأكدوا بما لا يدع مجالا للشك من جدوى تلك الخطوات المسبقة التى اتخذتها الدولة لتطوير التسليح، وخاصة بعد أن شاهدنا الأحداث الاقليمية المؤلمة التى تحيط بنا من كل جانب.
ولا شك أن اهتمام الرئيس بعمل شبكة طرق قوية بهذا الحجم، ليس لراحة المواطنين فحسب، بل أن تطوير شبكات الطرق تعد من مظاهر قوة الدولة عسكريا، حيث تمكن قواتنا الباسلة من السيطرة على البلد بكاملها فى أقل وقت ممكن .. وهو ما حاول الرئيس شرحه للناس قبل أن يتولى الحكم، حيث قال فى أحد اللقاءات ما معناه: أعمل شبكة طرق تخلى البلد كده.. وأغلق قبضة يده، ليظهر أن البلد بأكملها ستكون متماسكة وقوية.
وقد أولت الدولة اهتمامها كبيرا بجعل قواتنا المسلحة أداة للجاذبية والابهار، من خلال المناورات العسكرية المشتركة اقليميا ودوليا، سواء مناورات برية أو بحرية أو جوية أو للقوات الخاصة فى مجال عمليات مكافحة الإرهاب، وتحرير الرهائن، واقتحام الطائرات المختطفة.
ولا شك أن تلك المناورات التى تستعرض قوة الجيش وتمثل قوة ردع، تزيد من جاهزية وكفاءة القوات المسلحة وتعمل على تطوير تكتيكاتها واستراتيجياتها، وما إلى ذلك من أهداف عسكرية، إلا أنها من ناحية أخرى تمثل قوة ناعمة، فهى تعطى صورة إيجابية لمصر أمام المجتمع الدولى، وفى نفس الوقت تحقق الشعور بالثقة والأمان لدى الشعب، وتدعم ثقته فى قواته المسلحة، والتى تعد ركيزة أساسية لحماية الأمن القومى، لذلك شهدنا محاولات كثيرة للوقيعة بينهما، كما حدث من وقيعة وفتن بين الشعب والشرطة فى أحداث ٢٠١١.
فلا ننس أن الرئيس السيسى عندما تصدر المشهد كانت أغلب أجهزة الدولة فى حالة انهيار تام، فقد سقطت الشرطة بالتآمر عليها، وتم حل جهاز أمن الدولة، العين الساهرة فى تتبع أنفاس الارهابيين، وسادت حالة نفسية سيئة لرجال قواتنا المسلحة بعد التشكيك فيهم واتهامهم بقتل أفراد من الشعب، وانتهاك الحرمات، وهى صفات لا تليق ولا تقبل على قواتنا الباسلة، والتى تمثل كل أطياف المجتمع، فهم ليسوا مرتزقة ولكنهم جيش وطني من نسيج المجتمع ومن جذور هذا الوطن الراسخ.
إلا أن الرئيس السيسى فطن لما يحاك مبكرا، ومنذ ظهوره الأول عمل على احتضان جهاز الشرطة، وأعاد الثقة لأبنائه، وظهر شعار (الجيش والشرطة إيد واحدة).
ولم يغفل الرئيس عن الدعم المعنوى للجنود والضباط فى القوات المسلحة والشرطة، واهتم بالرعاية الفائقة لأسر الشهداء، وما يقدم لهم من خدمات علاجية أو زيارات للحج والعمرة، كما يحرص على إشراكهم فى كل المناسبات والاحتفالات، ويقدم لهم كل الحب والتقدير.. يقبل رؤوس الأمهات والآباء، ويصطحبهم بنفسه فى الصعود للمسرح أو النزول منه، ويلبى لهم جميع طلباتهم دون تأخير، أما المبهر فهو احتضانه لأبناء الشهداء، واحتفاله بهم فى الأعياد، وهو ما يذكرنا بما حدث من الرسول ﷺ مع طفل يتيم أستشهد أبوه فى إحدى غزوات الرسول ﷺ، وتزوجت أمه ونهب الزوج حق الولد، ووقف بين أقرانه يوم العيد يبكى، ومر عليهم الرسول ﷺ، ولم يعرفه الولد وسأله الرسول ﷺ عما يبكيه، وعندما عرف قال له: هل يرضيك أن يكون الرسول أبيك، وعائشة أمك، وفاطمة أختك، وعلى عمك، والحسن والحسين إخوة لك، وأخذه النبى ﷺ أطعمه وكساه حتى أرضاه، وفرح الصبى حتى غار أقرانه وتمنوا لو استشهد آبائهم لينالوا ما ناله الصبى.
وهذا ما يفعله الرئيس مع أبناء الشهداء، ويقدم من خلاله أقوى رسالة ترسخ عشق الوطن، وتؤكد أن هذا الوطن لا ينس ابناؤه الذين بذلوا أرواحهم من أجله، فيتحول هؤلاء البراعم، إلى زهور ندية تجمل وطنها وتخدمه، لأنها عرفت طعم الأمان والعوض الجميل الذى يحول الحزن إلى فرح واليأس إلى أمل فى مستقبل مشرق، ولذلك نجد الأطفال يرتدون الملابس العسكرية ويجلسون بجوار الرئيس متمنين أن يأخذوا بثأر آبائهم، ولم يخش أحد منهم الموت، ولم تجبن زوجة شهيد من إلحاق أولادها بالكليات العسكرية، وهو ما يحافظ على وحدة الشعب وارتباطه الدائم بجيشه وشرطته.
كيف أثرت إدارة الرئيس للقوة الناعمة على القدرة الاقتصادية
لا شك أننا نعيش ظروفا اقتصادية صعبة تنعكس على المواطنين، الذين يتحملون ما يفوق طاقتهم حرصا على هذا الوطن وأمنه.. فقد عانت الدولة من مشكلات ضخمة وتدهور فى الاقتصاد بعد (2011) نتيجة للأعمال التخريبية التي استنزفت موارد الدولة، وأضرت بالسياحة والإستثمار، ودفعت الدولة لحربا شرسة مع الارهاب.. وفى ظل تلك الظروف العصيبة، اختار الرئيس أن يسير فى كل المسارات فى آن واحد(حرب على الارهاب، مشروعات كبرى، قضاء على العشوائيات، تنمية..الخ) وهو لا شك ما زاد الأعباء على كاهل المواطنين، ولكن فى نفس الوقت عزز نفوذ مصر وصورتها (داخليًا وخارجيًا)، فقد قام بتحويل المشروعات القومية إلى أداة للقوة الناعمة، توجه رسائل تؤكد على الاستقرار السياسى، وقدرة الدولة على الإنجاز، مما يسهم فى تحسين الصورة الدولية وجذب الاستثمار.
ورغم التحديات الكبيرة التى نعيشها، إلا أن الرئيس يحاول من خلال سياساته أن يبث الثقة للمواطنين وللعالم ككل، من خلال جرأة القرارات الاقتصادية التى تشير إلى قدرة الدولة على امتصاص الصدمات والتعافى، كى نتمكن من الحصول على شراكات أكبر مع المؤسسات الاقتصادية الكبرى، والتى يحرص الرئيس أن يكون لمصر تواجدا فيها، كما يهتم بحضور مصر فى المنتديات الدولية والمؤتمرات الاقتصادية التى يمكن ان تساهم فى زيادة الاستثمارات، وتعيد بناء الثقة في الاقتصاد المصري.
ولأن الرئيس يدرك جيدا حجم الضغط على المواطنين لذلك حرص على اطلاق مبادرات اجتماعية مثل: حياة كريمة، وتكافل وكرامة.. إلى جانب المبادرات الصحية الكبرى والعديد من مشروعات التنمية الريفية.. للتأكيد على اهتمام الدولة بالمواطن البسيط ومحاولة تحسين جودة حياته.
ورغم ما يقال من البعض أن شعبية الرئيس تتراجع، إلا أن الرئيس لا ينشغل بتلك الأقوال، مستمرا فى محاولة تحقيق أهدافه، لأنه قارىء للتاريخ، ويعلم أن ما يتبقى للإنسان هو ما يتحقق على ارض الواقع من انجازات.. كما أن الشعب لا يستجيب للشعارات التى تحاول دفعه للثورة رغم المتاعب الإقتصادية الشديدة، لأن هذا الشعب ذو الجذور الراسخة فى أعماق أرضنا الطيبة، يصبر على الجوع ولا يقبل أن يتهاون فيما يمس الوطن.
ومن أكثر ما ينعكس على القوة الناعمة، هو دعم الصناعات الثقافية كذراع اقتصادي للقوة الناعمة مثل المتاحف الجديدة، كمتحف الحضارات والمتحف المصرى الكبير، ورغم أن تلك المشروعات الثقافية الكبرى كانت قد بدأت فى عصر الرئيس مبارك، إلا أن الرئيس السيسى حرص على تقديم الدعم الكامل كى يتم الانتهاء من تلك المشروعات، بالاضافة للتطوير الذى حدث فيها، والعمل على أن يكون الاحتفال بافتتاح تلك الصروح عالميا، من حيث الإعداد والمدعويين والتغطية الاعلامية، مما كان له أكبر الأثر على تعزيز صورة مصر اقليميا ودوليا، إلى جانب الأثر الايجابى الذى ينعكس على المواطنين واعتزازهم بحضارتهم وتاريخهم، كى يستلهمونهم فى الحاضر والمستقبل.
كيف أثرت إدارة الرئيس للقوة الناعمة على القدرة الدبلوماسية (السياسة الخارجية):
منذ تولي الرئيس السيسي الحكم، شهدت السياسة الخارجية المصرية تقدماً كبيراً بعد فترة من الاضطراب، عقب ثورة 30 يونيو 2013 التى أطاحت بحكم جماعة الإخوان، إلا أننا بعد سعى دؤوب حققنا نجاحات كبيرة فى العلاقات الخارجية واستعدنا الحضور الدولي.
اعتمدت الدولة على عدة أهداف ودوائر حيوية في علاقاتها الخارجية، تجمع بين استمرار ثوابت السياسة المصرية التاريخية، وبين توسيع التعاون مع دول المنطقة والعالم، بما يخدم رؤية الدولة لمصالحها ويعزز ارتباطها الإقليمي والدولي.
وخلال سنوات من العمل المكثف، قام الرئيس بنشاط دبلوماسي واسع أدى إلى تعزيز مكانة مصر دولياً، ودعم مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
كام قام بتعزيز علاقات التعاون في مجالات الطاقة التقليدية والجديدة والمتجددة، وفى تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، بالتوقيع على ميثاقه من قبل دوله الأعضاء، والذي يمثل محفلا إقليمياً هاماً في هذا الإطار.. بالاضافة للعوائد الاقتصادية التى تترتب على تلك الجهود الدبلوماسية.
كذلك ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وقبرص والكيان، وهو ما يتيح تعظيم الاستفادة من مخزون الغاز الطبيعي والثروات الهيدروكربونية بالمناطق الاقتصادية لكل الأطراف بالبحر المتوسط، كما أثبت للعالم أن مصر بلد قوية عادلة، وتسعى لاستقرار المنطقة، وهو ما يرسخ صورة ذهنية عن عراقة هذا الشعب وقدرته على التنمية والازدهار.
أما تناول الرئيس للقضية المتوارثة للعديد من الأجيال، قضية فلسطين التى تسرى فى دماء الأمة، وهى من أهم مواجع المصريين، فقد تعامل الرئيس السيسى مع هذه القضية بمبدأ “شعرة معاوية” يتجاهل التصريحات المثيرة، ولكن لا يسمح لفعل مادى، نراه يفرض إرادته ولا يخل بالثوابت الوطنية، يقدم كل ما يستطيع لأخواتنا، ويقوى عزيمتهم بأنهم لن يفرطوا فى ترابهم ولن يتخلوا عن وطنهم، لم يسع لما يرضى الناس ولكن لما يرضى رب الناس، فرغم الأزمة الإقتصادية ولكن يقدم أكبر دعم لهم، دعم لم تقدمه الدول الغنية، ومع ذلك يتعرض لشائعات دحضتها المظاهرات والهتافات بإسمه من داخل أرض فلسطين.. وقادت مصر مؤخرا جهود الوساطة لوقف إطلاق النار، ولم تتوقف عن ارسال المساعدات ومحاولة تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، كما تستقبل المصابين وتهتم بتقديم أقصى رعاية طبية وانسانية ممكنة.
وكانت أجمل صور استخدام الرئيس للقوة الناعمة، من خلال الرسائل الضمنية التى أرسلها للعالم أجمع، أثناء احتفالية “وطن السلام”، عندما استقبل الطفلة الفلسطينية “ريتاج محمد رياض” بنت العشر سنوات، والتى قضت كل سنين طفولتها في غزة مع أسرتها، حتى اندلعت الحرب التى تسببت فى إنهيار منزل عائلتها بالكامل، وبقيت ريتاچ تحت الأنقاض لمدة يومين، وأصيبت بجروح بالغة أدت إلى بتر ساقها اليسرى، وعندما تم إنقاذها فوجئت بفقدان والدها ووالدتها وإخوتها، وجميع أفراد عائلتها! وجاءت ريتاچ إلى حصن الأمان البلد الآمن ليطببها ويعالج ما تحطم داخلها، ويعيد إليها التوازن النفسى والشعور بالأمان.. تم استقبالها في مصر، ونالت أعلى درجات الرعاية والعناية لعلاجها الجسدي والنفسي، كى تعود لمواصلة تعليمها، وتعيش حالياً في مصر مع عمتها، ودعيت ريتاج لحضور احتفالية “وطن السلام” بحضور الرئيس، فإنتهزت الفرصة وطلبت لقائه، ولبى سيادة الرئيس طلبها، وشاور إليها بمحبة وألفة حتى تأتى إليه، ووقف الرئيس وحمل لها الكرسى بيديه وأجلسها بجواره حتى ختام الحفل، ونالت الكثير من العطف والحنان طوال اللقاء، وقالت الطفلة تعليقاً على ما حدث: “ده أسعد يوم في حياتى واتبسطت جدا بلقاء الرئيس أبويا الرئيس عبد الفتاح السيسي”.
كانت هذه الصورة أبرع وأجمل وأعظم استخدام للقوة الناعمة، فكانت الطفلة الصغيرة اليتيمة المبتورة الرجل وكأنها فلسطين فى ضعفها وجمالها وبراءتها، وكانت إصابة ريتاچ وما أصابها من فقد طرف من أطراف جسدها، رمز لفقد فلسطين أطرافها من العدو المغتصب لأرضها الغالية، وظهر الرئيس السيسى بصورة مصر بأكملها وهى تحتضن فلسطين وتغمرها بالرعاية وتحتضنها، وكان حمله للكرسى لريتاچ فيه رمزية أن مصر ستحمى فلسطين ببقاء شعبها على أرضه دون تهجير، وستمهد له البقاء والاستمرار.. فأكد الرئيس بما فعله أن مصر لن تتخلى عن هذه الأرض الغالية، وأوصل رسائله بكل سلاسة وعمق.
ويلاحظ أن الرئيس يتعامل مع القضايا الهامة بسياسة الانجاز يحقق الإعجاز، فلا يعير الكلمات الرنانة اهتمام، ويحرص على العمل وهو متيقن من النتائج الملموسة على الأرض، والتى تثبت نفسها وإن تجاهلها الحاقدون، وهذا ملاحظ فى العديد من القضايا الحساسة والشائكة، فنراه فى مشكلة سد النهضة، والتى يعلم من المتسبب فى تصدير هذه المشكلة وما الهدف منها، ورغم انزعاجنا جميعاً، إلا أنه تعامل بفكره الخاص، أولا: عمل على توفير مصادر أخرى للمياه، غير ماء النيل، وذلك للتأمين لأنه يحمل فى عنقه مصير أكثر من 110مليون نفس، ولا يهون فى الحفاظ على كل نفس، وفى نفس التوقيت خطط لطرق تصريف المياه الزائدة، حتى لا نهدد لو حدث انهيار للسد، وهو ما يؤكد مدى استيعابه للمشكلة وأسبابها وطرق علاجها، ويدل على قوة الدولة وحكمتها فى آن واحد، فقد حاول البعض دفعنا إلى حرب، وهم لا يعلمون أنها أحد أسباب بناء السد!
وقد استخدم الرئيس اسلوب القوة الناعمة بالدعوة للسلام والتفاهم وزيادة التفاعل مع الدول الأفريقية، وبجانب ذلك أظهر للجميع أن لديه القدرة للدفاع عن وطنه، بقوة جيشه وتدريبه وتسليحه بأحدث التقنيات والأدوات والأسلحة، فالكل يخشاه دون أن ينزلق فى قرار أو تصريح لكسب مزيد من الشعبية.
المصدر : مؤسسة الجمهورية .



