كيف ستتم إعادة الاسلام السياسي الى المشهد؟ عملية تبييض الاخوان من خلال ربيع عربي ثاني؟

كتبت د ليلي الهمامي
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن
تقليديّا نُصنّف الساحة السياسية بين نظام الحكم نَصِفه بكونه استبدادي، دكتاتوري، كلياني، وفق درجات ووفق اختلاف الاليات والميكانيزمات.
في التصنيف الثاني نصنّف معارضة ما، بكونها ديمقراطية.
حدود الفصل بين التيارات الفاشية الشعبوية، قومجية كانت، او اسلاموية او يسارية تدعو الى ديكتاتورية البوريتاريا، وبين التيارات الليبيرالية، حدود الفصل متغيرة متحركة متحولة، وفق الظرفيات والتحالفات وما تقتضيه المرحلة.
هذا التصنيف في تقديري، وفق التجربة، ووفق قراءة مدققة لمنعطفات الساحة السياسية العربية تفتقد الى الدقة والموضوعية.
بالنسبة لانظمة الحكم ومسالة الاستمرار ومسالة الديمومة، ومسألة الحكم بموجب او باستعمال قوانين الطوارئ، كل هذا محسوم، وهذا معلوم، لن ادافع عن الانظمة… على الرغم من ان غياب الديمقراطية وغياب الحرية في العالم العربي له ايضا ما يدعّمه، وما يُجيزه، اذا ما اعتبرنا الاختراقات، اذا ما اعتبرنا حجم العمالة، اذا ما اعتبرنا المؤامرات التي تسعى حقيقةً، الى وضع العالم العربي تحت قدم القوى الامبريالية والاستعمارية الجديدة.
لكن ما يعنيني هنا بصفة خاصة هي المعارضات؛ معارضات أجد انها الأنا الاخر والأبشع لانظمة الحكم {l’alter ego}
هي لا تختلف معها الا في مسألة بسيطة لكنها هامة ومحددة، هي اي المعارضات هي من يمتلك السلطة فقط وفقط هي… اقول فقط وأعني ما اقوله: ليس ثمة فوارق نوعية تباعد بين معارضة تتهم نفسها بالديمقراطية وبين نظام حكم مستبد ينكر عن نفسه الاستبداد ويتهم كذلك نفسه بالديمقراطية …
المشكل في المعارضة أنها بقدر ما تتظاهر بالديمقراطية، بقدر ما تمارس أبشع اشكال الاستبداد والاقصاء والتصفية.
يعني هذه معارضات تتهم كل من خالفها او اختلف عنها، كل من كان له مسارا مغايرا ومختلفا عن مسارات تنظيماتها واجسادها السياسية، الا واتهمته بالعمالة واتهمته بالمشبوهية… العمالة للحكم، العمالة للسلطة والمشبوهية في علاقة بالبولسة، وما شابه ذلك… والكل عاش هذه الماسي في الحركات الطلابية، والكل عاش هذه المآسي داخل التنظيمات السرية في المشرق وفي المغرب، مهما كانت طبيعة هذه التنظيمات.
يبقى ان هنالك ملاحظة هامة يمكن ان نؤكدها، وهي ان هذه هي التنظيمات وهذه الشخصيات غالبا ما نجدها جاثمة على صدور المنتسبين وناصيري التنظيمات التي تأسست او أسسوها او انشقوا من أجل تاسيس تنظيمات بديلة عن تنظيماتها الام… اذكر حزب الوفد وحزب الغد،،، وثم من بعد، غد الثورة وما شابه من تخريجات ومن انشقاقات… فقط هناك أشير فقط الى هذا.
اعتقد ان المسالة أعمق من أن تسطّح بتلك الطريقة التي تسوق لها بعض الاطراف. بعض الاطراف يعتبرون ان هنالك فارقا نوعيا بين تيارات ديمقراطية ناضلت. ليس النضال ليس الايقاف وليس السجن معيارا للديمقراطية … حتى هتلر سجن وقضى فتره في السجن…
اريد ان اؤكد على هذه المسالة: ليس كل من سجن ديمقراطي. الفاشي يسجن كذلك… صراع الرجعيات تقود الى اعدمات، وتقود الى سجون والى محاكمات…
ليس السجن معيار ديمقراطية!!!؟
أضيف الى كل هذه الملاحظات استدراكا؛ اننا لو نظرنا الى ممارسات عديد الشخصيات المعروفة على الساحة العربية، لوجدنا انها جاثمة، كما قلت : تترأس تنظيمات شبحية طيلة سنوات. وكل ما يعنيها هي تلك البطاقة التي تقدَّم في السفارات، تلك البطاقة التي توزع خلال السفريات الى الخارج، والزيارات الى الخارج… يعني مشكل عنوان وجاهة، الرئاسة هي عنوان وجاهة.
طيب، الكل يعلم في العلوم السياسية ان لا وجود لاحزاب ازلية. الكل يعلم ان الحزب هو في اخر الامر اداة تنظيمية لتحقيق هدف مرحلي، وفق طبيعة الظرف التاريخي، ووفق طبيعة تطور المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ان ليس ثمة زعامات ازلية لان الاحزاب لا يمكن ان تكون ازلية…
الاحزاب هي ادوات مرحلية لانجاز مهام وتحقيق اهداف. لكن نحن، لدينا زعامات مزمنة، تماما كالامراض التي لا يمكن ان يتعافى منها الجسم. هم في حدود ذواتهم امراض، وينكرون على من حاول اقتحام ذلك المجال، تلك المنطقة المحرمة، كما في الصين المنطقة المحرمة، وهي ان تمارس السياسة دون اذنهم.
هؤلاء يؤشرون لمن في امكانه ان يمارس السياسة، هم من يمنحون التاشيرة لمن في امكانه ان ينتصب في الساحة، للتسويق لفكرة معينة او لراي معين،،، والا… والا، فالويل له!!! سيتهم بابشع الاتهامات، مع فضاء شبكات التواصل الاجتماعي، مع هذا الفضاء الافتراضي، بالطبع الميليشيات تنتظره لتصفيته لتشويهه لهرسالته ولترهيبه.
كل هذه الممارسات، بالطبع، تضعنا امام شخوص، وامام هندسات تنظيمية وسياسية، لا تختلف في شيء عن أنظمة الحكم، بل انها ابشع من تلك الانظمة بكثير، لانها هي ذاتها تمثل الاستبداد رغم انها غير ماسكة بدواليب الحكم وغير ماسكة باجهزه الدولة…
تخيلوا لو أن الدولة والاجهزه تقع بين ايدي هؤلاء من اشباه الديمقراطيين او انصاف الديمقراطيين….
إضافة الى كل هذه الاعتبارات، التي هي في الواقع ملاحظات تتعلق بما تمارسه هذه الشخصيات وهذه التنظيمات من قمع داخل صفوف المعارضات وداخل الحركات الجماهيرية، والتي نجد جزء كبيرا منها يمارس الابتزاز.
وهنا اتحدث عن ابتزاز رجال الاعمال، وابتزاز الاعلاميين، وابتزاز عديد الشخصيات التي ارادت لنفسها ان تكون مستقلة.
منطق البلطجة وقطع الطرق، وقطاع الطرق، هذه من الممارسات المستفحلة في الساحة السياسية العربية… هذا الباب الاول.
لكن الباب الثاني والاهم أننا نجد في دوائر العواصم الاستعمارية الغربية تسويقا لشخصات معينة.
هنالك شخصيات محمية فعلا من الغرب. وهذا امر يقين. وهذا أمر مثبت: عديد الشخصيات التي فقدت مصادر اموالها، التي فقدت املاكها، التي فقدت مصادر العيش في بلدها، نجدها في عواصم مثل تركيا تنعم بدعم مالي كبير، في موقع اجتماعي مرموق، وتعيش حالة الرفاه، تمارس الدعاية السياسية وتواصل النشاط. نعلم جيدا ان عديد الاطراف تم تمويلها من قطر، عديد الاطراف تم تمويلها من تركيا، عديد الاطراف تم تمويلها من الامارات وان عديد الشخصيات التي نجدها في الساحة السياسية العربية او في المنفى، هي الانتاج المباشر لهندسه غربية، كانت بداياتها في تونس 2005، وكانت بدايتها في مصر ايضا مع “كفاية” ذلك التحالف العابر للايدولوجيات الذي نظرت له دوائر المخابرات الامريكية من من خلال تلك الواجهات الجمعياتية التي يعلمها الجميع…
هذا يؤكد أن ما يحصل حاليا هو في اخر الامر محاولة لاعادة تحريك المكنة السياسية في اتجاه ربيع ثاني، ربيع يعيد الاسلام السياسي، ليس بالضرورة الى الحكم دفعة واحدة، لكن الى المشهد بعد تبييضه، بالطبع عملية التبييض من خلال الحلفاء موالاة الاسلام السياسي الذين يعتبرون ان هنالك اولوية مطلقه لمواجهه الاستبداد، وان مواجهه الاستبداد بالطبع، تكفّر عن ذنب الارهاب وعن الذين ظلعوا في عمليات تصفيه علنية واغتيالات سياسيه، والذين كانت لهم مسؤوليه ادبيه وسياسيه على الاقل فيما حصل من انتهاكات ومن عنف سياسي خطير وخطير جدا.
هذا عاشته مصر. هذا عاشته تونس. هذا عاشته ولا تزال تحياه ليبيا. هذا عاشته اليمن. وبالطبع هذا دون ان ننسى الماساة الكبرى في سوريا، ودون ان ننسى ما الت اليه الاوضاع من حالات انقسام في ليبيا. وايضا اوضاع عدم الاستقرار في العراق على الرغم ان العراق حقق شيئا من التقدم، لكن في اطار فوضى حزبية واختراقات خارجية معلومة وواضحة.
أعود لاقول بان لدينا اشكالا حقيقيا، اشكال الثقافة التي تنتج الاستبداد. لدينا مجتمعات لا تنتج الديمقراطية. هذا هو الاشكال: نظام تعليمي، على بنيه ثقافية، على بنية اسرية، على مجتمع ذكوري… كل هذه الاعتبارات تتراكم، لتفرز شخصيات تؤمن بالديمقراطية فقط لنفسها، شخصيات تحتكر الديمقراطية، شخصيات كما لدينا في الساحة السياسيه التونسيه تعتبر انها هي بالذات، معيار ومحرار الديمقراطية: “إن لم تروني في المشهد فذلك يعني أننا لسنا في حالة ديمقراطية” … “انا فقط معيار الديمقراطية”… “انا فقط من في امكانه ان يصنف وان يشرّع وان يسدي الدروس، وانا فقط من في امكانه منح صك الغفران لمن اعتبر واقرر بكونه ديمقراطي”
هؤلاء لا يعترفون بالديمقراطية الا لانفسهم الديمقراطية … وهنا تكمن العقدة: العقدة في ان هؤلاء يختزنون الساحة في اشخاصهم. هؤلاء يعتبرون انهم احرار ومرجع الديمقراطية ومعيارها. والنتيجة ان هؤلاء من خطا الى اخر, من حلف الى الى اخر…
من سبعينات القرن الماضي الى اليوم, هذا الجيل الذي يتشبث بالدور السياسي وبمقعد القياده والريادة، جيل أفلس!!!
آن الاوان ان يغادر، لأنه جيل مسموم، جيل موبوء، لا يمكن أن يقود، او أن يفضي بمن يقوده، الا الى هزيمة جديدة، الا الى كارثة جديدة.
لذلك اقول الديمقراطيه، اما ان تكون للجميع والا فانها مَفسدة اكذوبة مغالطة.
ليس ادل على ذلك من ان هؤلاء في عديد القضايا الخاصة بحقوق الاقليات يعتبرون ان “المسألة غير مطروحة، وان الوقت غير مناسب، وان الظرف لا يسمح، وتكتيكات شعبوية… في كل الحالات البحث عن نيل رضا أغلبية رضا اغلبية ستكون دائما وبالضرورة وفي كل الحالات معادية وغير ملائمة للشعارات الديمقراطية الحقيقية”.
التكتيكي يغلب على الاستراتيجي ونحن الى الان نراوح مكاننا ، لا نتقدم بسبب هذه النخبة المريضة العقيمه والعمياء.
د. ليلى الهمامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى