أسرار قوة العرب والمسلمين أصبحت عقيدة أوروبا وإسرائيل وأمريكا

 

بقلم /ناصر السلاموني

منذ قيام الدولة الإسلامية في المدينة على يد النبي صلى الله عليه وسلم، تأسّس كيان موحّد جمع المسلمين تحت راية واحدة، فاختفت العصبيات بجميع صورها ، وصار التنقّل بين الأقاليم الإسلامية داخل وطن واحد. ومع توسّع الدولة في العصور الأموية والعباسية والعثمانية، أصبحت ديار الإسلام تمتد من الأندلس إلى آسيا الوسطى، يتحرك فيها العلماء والتجار والحجاج دون جوازات أو حواجز، وتؤمّن لهم الخانات والأوقاف طعامًا ومبيتًا وحماية.

وفي ظل هذه الوحدة، كان يمكن للمسلم أن يسافر من مصر إلى الشام وإسطنبول، ومن العراق إلى الحجاز واليمن وشرق إفريقيا، ثم يعبر إلى الهند وآسيا الوسطى والأناضول وشمال إفريقيا، دون أن يوقفه جندي أو حاجز. أكثر من 1250 عامًا ظل العالم الإسلامي فضاءً واحدًا محميًا بالخلافة.

لكن مع ضعف الدولة العثمانية، بدأت أوروبا أكبر مشروع تفتيت في تاريخ المنطقة بالقضاء عليها بقيادة اليهود وخاصة يهود الدونمة وعلى رأسهم كمال اتاتورك . مما مكن لبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال احتلال أراضي واسعة من العالم الإسلامي، ثم رسمت حدودًا جديدة وفق مصالحها، وكانت اتفاقية سايكس – بيكو النموذج الأبرز لهذا التقسيم، التى فككت الأمة إلى دول صغيرة بحدود وجوازات وجيوش منفصلة.

والمفارقة أن أوروبا التي مزّقت العالم الإسلامي، هي نفسها التي سارعت بعد الحرب العالمية الثانية إلى توحيد قارتها مستفيدة بعوامل قوة الأمة الإسلامية:ألغت الحدود الداخلية، وحوّلت “اليورو” إلى عملة موحدة، وأنشأت سوقًا اقتصادية واحدة، جيشا أوروبيا موحّدا تحت مظلة الاتحاد الأوروبي. لقد أعادت أوروبا إنتاج عناصر القوة التي امتلكها العالم الإسلامي قديمًا: وحدة السوق، ووحدة العملة، واتساع الجغرافيا.

وفي المقابل، استمرت التدخلات الغربية — من أوروبا إلى الولايات المتحدة وإسرائيل — في تشجيع الانقسامات داخل العالم العربي، وإذكاء الصراعات بين دوله، واستخدام أدوات سياسية واقتصادية لمنع عودة أي شكل من أشكال الوحدة. وظهرت في الكونجرس الأمريكي ومراكز أبحاث غربية مناقشات وتقارير تدعو إلى تقسيم العالم العربي إلى عشرات الدويلات—وصل بعضها إلى تصور 38 كيانًا صغيرًا—بحجة “إعادة تشكيل المنطقة”.

وهكذا تتكشف الصورة: قوى كبرى توحّد نفسها لتصبح أقوى، بينما تعمل على إبقاء العالم العربي والإسلامي مجزّأ وضعيفًا للاستفادة من ثرواته وموارده وأسواقه. لقد كانت حرية التنقّل في الدولة الإسلامية ثمرة وحدة سياسية و حضارية استمرت قرونًا، وسقوط هذه الوحدة لم يكن قدرًا تاريخيًا، بل نتيجة مشروع استعماري لا يزال تأثيره ممتدًا حتى اليوم. ويبقى التاريخ شاهدًا أن ما تحقق يومًا، يمكن أن يتحقق من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى