مصر والسعودية .. تاريخ من الأخوّة ووحدة المصير

بقلم/ ناصر السلاموني
لم تكن العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية مجرد علاقة بين دولتين شقيقتين، بل هي تاريخ طويل من الأخوّة العربية، والمصير المشترك الذي تَجسّد في المواقف، وتحوّل إلى واقع من التعاون والتكامل.
بدأت ملامحها الحديثة في عهد الملك فاروق والملك عبدالعزيز آل سعود، عندما توحدت الرؤية حول فكرة الجامعة العربية عام 1945، لتكون القاهرة منارة القيادة، والرياض سندها المخلص. ومنذ ذلك الحين، ظل التنسيق المصري السعودي حجر الزاوية في بناء النظام العربي وحماية الأمن الإقليمي.
مصر في نهضة المملكة الأولى
في بدايات تأسيس الدولة السعودية الحديثة، كانت الخبرات المصرية حاضرة بقوة في دعم مشاريع التنمية بالمملكة. شارك المعلمون والمهندسون والأطباء المصريون في تخطيط المدن والمدارس والمستشفيات والطرق وشبكات الإنارة، وأسهموا في وضع اللبنات الأولى لنهضة المملكة، في وقت كانت فيه مصر رائدة النهضة العربية والإدارية.
وكان الملك عبدالعزيز يقدّر هذا العطاء المصري، مؤمنًا بأن قوة المملكة لا تنفصل عن قوة مصر.
الملك فيصل.. حكمة القائد وصوت العروبة
جاء الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ليؤكد بعمق أن العلاقة بين القاهرة والرياض أكبر من السياسة، بل هي شراكة في الكرامة والمبدأ.
وعندما خاضت مصر حرب أكتوبر 1973، كان فيصل أحد أهم من وقفوا معها، مستخدمًا سلاح النفط كسلاح عربي مؤثر، معلنًا أن “لا نفط للعالم إلا إذا عاد الحق إلى أهله.”
ذلك الموقف سجّل للملك فيصل مكانة خالدة في ضمير المصريين والعرب، كقائد لم يكتفِ بالكلمة، بل دعم الفعل بالقرار والتضحية.
الملك عبدالله.. صوت الحكمة في زمن العواصف
واصل الملك عبدالله بن عبدالعزيز نهج الوفاء والتضامن، فكان دائم الحرص على ترسيخ العلاقات مع مصر، وداعمًا لها في كل مراحلها الصعبة.
وفي أعقاب ثورة يناير 2011، عبّر الملك عبدالله عن وقوف المملكة إلى جانب مصر وشعبها، رافضًا أي تدخل خارجي في شؤونها، ومؤكدًا أن أمن مصر جزء من أمن المملكة.
كما أطلق برامج استثمار وتمويل ضخمة داخل مصر، ودعم مشروعات التنمية والإسكان والزراعة، ليؤكد أن العلاقات لا تُبنى على العاطفة وحدها، بل على التعاون الفعلي والاقتصاد المشترك.
الملك سلمان وولي عهده.. شراكة المستقبل
جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ليكتب فصلًا جديدًا من فصول التعاون الوثيق، حيث شهدت العلاقات بين البلدين طفرة غير مسبوقة في المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية.
ومن أبرز مظاهر هذا التعاون إنشاء جامعة الملك سلمان الدولية في جنوب سيناء، كرمز خالد على عمق الروابط بين البلدين، وكتعبير عن دعم المملكة لتنمية سيناء كمحور استراتيجي لأمن مصر واستقرارها.
تُعد الجامعة إحدى أهم المشروعات التعليمية التي أنجزتها المملكة في الخارج، إذ تم تمويلها بالكامل بمنحة سعودية، لتكون منارة علمية تحمل اسم قائدٍ آمن بالعلم وبالمستقبل.
كما تم توقيع عدة بروتوكولات واتفاقيات تعاون في مجالات الطاقة، والنقل، والاستثمار، والسياحة، والإعلام، والتعليم العالي، ضمن إطار اللجنة السعودية المصرية المشتركة التي تعقد اجتماعاتها بانتظام لتعزيز التنسيق الاستراتيجي بين البلدين.
الأمير محمد بن سلمان.. رؤية الشباب والتكامل
وفي ظل قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، دخلت العلاقات المصرية السعودية مرحلة جديدة من التحالف الاستراتيجي والرؤية المستقبلية.
فقد عززت الزيارات المتبادلة بينه وبين الرئيس عبدالفتاح السيسي التعاون في إطار رؤية السعودية 2030 ورؤية مصر 2030، التي تتكامل في مجالات الصناعة، والطاقة المتجددة، والاستثمار العقاري والسياحي، وتبادل الخبرات التكنولوجية.
كما كانت المملكة من أبرز الدول الداعمة للاقتصاد المصري عبر الودائع والاستثمارات والمشروعات الكبرى، في مشهد يعكس ثقة متبادلة لا تهزها تقلبات السياسة أو الإعلام.
مواقف القيادة السعودية في أبهى صورها
وفي الوقت نفسه، برهنت القيادة السعودية على أخلاقها العالية في التعامل مع الأحداث الفردية، مثل واقعة المعتمر المصري التي حاول البعض استغلالها للإساءة إلى العلاقات، لكن الدولة السعودية تعاملت معها بمسؤولية راقية، إذ تم رد الاعتبار للمعتمر ومجازاة الشرطي المسيء، لتؤكد القيادة أن العدالة لا تعرف تفرقة بين الجنسيات.
كما ظهرت زوجة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في موقف إنساني نبيل، عندما كرّمت العاملين الذين يُحسنون معاملة ضيوف الرحمن بمكافآت قيمة، في رسالة راقية تجسد الوجه الحضاري والرحيم للمملكة.
ختامًا.. مصر والسعودية قلب الأمة
إن ما يجمع مصر والسعودية أكبر من أي حادث أو اختلاف عابر؛ إنه تاريخ ممتد من المواقف النبيلة، ووحدة هدفٍ ومصيرٍ صاغها القادة وأيدها الشعبان.
من الملك عبدالعزيز إلى فيصل، فعبدالله، فسلمان وولي عهده محمد بن سلمان، ظلّت العلاقة بين البلدين ركيزة الأمن العربي وعماد الاستقرار الإقليمي.
ومهما حاول المغرضون والمتربصون زرع الفتنة أو تحريف النوايا، فإن وعي الشعوب العربية — المصرية والسعودية — سيبقى صخرة تتحطم عليها كل المؤامرات.
فمصر والسعودية معًا هما جناحا الأمة العربية، وبدون تعاونهما لا يكتمل توازن المنطقة ولا يتحقق الأمل في مستقبل عربي قوي ومستقر. ولذلك، تبقى الرسالة واضحة: احفظوا هذا الود، واصنعوا به الغد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى