أكاذيب الجهلاء عن المصريين القدماء

بقلم: ناصر السلاموني
في زمنٍ تتسابق فيه الأبواق لتزوير التاريخ وتزييف الهوية، يجيء افتتاح المتحف المصري الكبير بحضور عالمي مشرف، واستعداد يليق بمصر وحضارتها الممتدة منذ فجر الإنسانية. وفي ظل تصاعد الهجمات الثقافية التي تسعى لطمس الهوية المصرية وسرقة إنجازاتها، يصبح إظهار الحقيقة أغلى من الذهب، وأوجب من أي وقت مضى. ومن هنا كان لا بد من كشف أكاذيب كبرى روّجها الجهلاء عن المصريين القدماء، والرد عليها بالحجة والدليل، إعادةً للاعتبار لأصحاب أول حضارة موحدة في التاريخ.
الأكذوبة الأولى: الفراعنة هم المصريون القدماء
من أكثر المغالطات شيوعًا أن “الفراعنة” هم المصريون القدماء، والحقيقة أن لفظ( فرعون) لم يكن اسمًا لكل المصريين، بل لقبًا لحاكم واحد فقط، وغالبًا ما ارتبط بالاستبداد والطغيان كما ورد في القرآن الكريم والكتب السماوية. ويرى بعض الباحثين أن الكلمة ليست مصرية الأصل، وربما دخلت البلاد مع الغزاة الهكسوس الذين استعاروا رموز الحضارة المصرية ليُحكِموا السيطرة. أما المصريون الحقيقيون، فقد سبقوا هؤلاء الغزاة بآلاف السنين، وأقاموا حضارة راقية متقدمة بلا قهرٍ ولا استعمار. والدليل القرآني واضح في قصة يوسف عليه السلام، حيث قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ [يوسف:54]، فجاء ذكر الملك لا الفرعون، مما يدل على أن تلك الحقبة كانت قبل عهد الفراعنة.
الأكذوبة الثانية: المصريون عبدوا الحيوانات من دون الله
يروج بعض الجهلاء لفكرة أن المصريين القدماء كانوا يعبدون الحيوانات، وكأنهم قوم وثنيون لا يعرفون الله. والحقيقة أن الرموز الحيوانية في النقوش والمعابد لم تكن للعبادة، بل كانت تعبيرات رمزية عن صفات روحية وأخلاقية؛ فالقطة رمزت للحماية، والبقرة للعطاء، والصقر للقوة، كما نستخدم اليوم الحمامة رمزًا للسلام دون أن نعبدها.
لقد كان المصري القديم موحدًا بالله؛ وتشهد على ذلك تماثيل ورسومات تُظهره راكعًا ساجدًا. ألم يكن فيهم( يوسف) عليه السلام، ووالده( يعقوب)، و نبي الله ( إدريس) عليه السلام أول من خط بالقلم؟ ألم يخرج من أرضهم لقمان الحكيم؟ إن جذور التوحيد ضاربة في أعماق التاريخ المصري منذ أقدم العصور.واكبر دليل على ذلك عدم مقاومة المصريين للفتح الإسلامى بل ساعدوه ضد الرومان.
الأكذوبة الثالثة: الحضارة جاءت من اليونان أو بابل
من أخطر الأكاذيب التي رُوّجت أن الحضارة وُلدت في بابل أو اليونان، وأن مصر أخذت عنها. بينما تؤكد الحقائق أن مصر هي المنبع الأول للحضارة الإنسانية، فقد سبقت الجميع بآلاف السنين في الطب والهندسة والفلك والكتابة والفلسفة والفنون.
بل إن فلاسفة اليونان الكبار، مثل أفلاطون وأرسطو، تعلموا في مدارسها، وكتبوا بإعجاب عن علومها.
وحين جاء الإسكندر المقدوني إلى مصر، لم يحاربها بل خضع لتقاليدها، وبنى مدينة الإسكندرية بإلهام من روحها. أما البطالمة، فلم يجلبوا حضارة، بل ذابوا في الثقافة المصرية وتعلموا لغتها، وعبدوا آلهتها، وشيدوا معابدها، حتى أصبحوا جزءًا من نسيجها العريق.
فمصر لم تتعلم من أحد، بل كانت المعلمة الأولى للعالم، ومن نورها اقتبس الآخرون ضياءهم.
الأكذوبة الرابعة: لا صلة بين المصريين الحاليين وأجدادهم القدماء
يحاول بعض المستشرقين إنكار الصلة بين المصريين اليوم وأسلافهم، وكأن الأرض تبدلت بأهلها. لكن الدراسات الجينية الحديثة – ومنها دراسة Nature عام 2017 – أثبتت تطابقًا كبيرًا في الحمض النووي بين المومياوات والمصريين الحاليين، خصوصًا في الوجه البحري.
حتى الملامح والعادات واللهجة اليومية تحتفظ ببقايا الجذور القديمة في الطعام واللباس والاحتفالات وأسماء الأشخاص.
وعندما جاء الفتح الإسلامي، لم يُكره أحد على اعتناق الإسلام، بل تعايش المسلمون والمسيحيون في وحدة وطنية راقية، لتظل الشخصية المصرية متماسكة عبر الزمان، مؤمنة بعقيدتها ووحدتها.
الأكذوبة الخامسة: اللغة المصرية القديمة ماتت وانتهت
يظن كثيرون أن اللغة المصرية القديمة اندثرت، لكن الحقيقة أنها تطورت عبر القرون حتى أصبحت اللغة القبطية التي ما زالت تُستخدم في الكنيسة المصرية إلى اليوم. بل إن مئات الكلمات في اللهجة العامية المصرية تنحدر من الهيروغليفية والقبطية، مثل: توت، كا، با، أوحا، وهم هم.
وقد أكدت أبحاث ودراسات لغوية عديدة هذه الروابط، وأُلفت حولها معاجم وكتب علمية تثبت أن اللغة لم تمت، بل ما زالت تنبض بالحياة في لسان المصريين إلى يومنا هذا.
وبناء على ما سبق نقول لقد صنع المصري القديم المجد بالحكمة والعمل، وبنى حضارة لا تزال تُدهش العقول وتبهر العالم. نعم، مرت مصر بفترات ضعف وغزوات واحتلالات، لكنها ظلت راسخة الجذور، ثابتة الهوية، وفيّة لعقيدتها ولغتها وتقاليدها.
إن تزوير التاريخ هو أول طريق سقوط الأمم، ومصر – كما كانت دائمًا – بلد الحضارة والإيمان والخلود، مهما حاول الحاقدون تشويهها أو سرقة نورها، ستبقى شامخة، تنطق بالحقيقة، وتُعلِّم الدنيا معنى الخلود.
 
				


