السيد البدوي بين التاريخ والأسطورة

السيد البدوي بين التاريخ والأسطورة
بقلم: ناصر السلاموني
من الظواهر التي ما زالت تثير الجدل في مجتمعاتنا الإسلامية تمسك كثيرٍ من الناس بعاداتٍ وتقاليدٍ موروثة في الدين والعبادة، دون تمحيصٍ أو دليلٍ شرعي، حتى صار معيارهم في الصواب أن “الآباء فعلوا هذا”، وكأنهم نسوا أن الحق لا يُعرف بالرجال، وإنما يُعرف بالوحي والبرهان.
وقد ذمَّ القرآن هذا الاتباع الأعمى، فقال الله تعالى:
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ”
وقال سبحانه في موضع آخر:”إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ”وجاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال:
“لا تكونوا إمَّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا فلا تَظلموا.”(رواه الترمذي)
فالعبرة إذن ليست بما ورثناه من عاداتٍ أو مظاهر، وإنما بما وافق كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
ومن هذا المنطلق نعرض حقيقة السيد أحمد البدوي، كما سجلها التاريخ بين الموثق والموضوع، بعيدًا عن التقديس الأعمى أو الاتهام الجائر.
النشأة والأصل:
وُلد أحمد بن علي البدوي عام 596هـ / 1199م بمدينة فاس المغربية، في أسرةٍ يروى أنها تنتسب إلى آل البيت الكرام. وكان والده علي البدوي وأخوه الحسن من أتباع الشيعة الإسماعيلية الباطنية، وهو الفكر الذي تأثر به البدوي في بداياته.
ثم رحل إلى العراق حيث كانت تنتشر طرق التصوف والباطنية، ويقال إنه طاف حول قبر الحلاج، أحد رموز الحلول والاتحاد، ثم عاد إلى مكة المكرمة فترة وجيزة، ومنها هاجر إلى مصر ليستقر في طنطا (طندتا قديمًا)، في عهد السلطان الكامل الأيوبي.
استقراره في طنطا:
اختار أحمد البدوي مدينة طنطا لبعدها عن رقابة السلطة الأيوبية، واتخذها مركزًا لدعوته. سكن أولًا سطح دارٍ لأحد التجار ويدعى ركن الدين أبي شحيط، ثم أقام في مكانٍ عُرف لاحقًا بـ“السطح”، وهناك بدأ أتباعه بممارساتٍ غريبةٍ من الصراخ والتهليل بعباراتٍ تخالف الذكر المشروع، وبهذا اشتهر أتباعه بلقب السطوحية.
وقد نقل المؤرخ عبد الوهاب الشعراني أن البدوي كان يلبس عمامةً حمراء لا يخلعها حتى تتآكل من القذارة، وأنه أصيب بالجدري في وجهه، وكان يبول من فوق السطح على الناس، فيتبارك الجهال ببوله – كما ورد في كتاب «حقيقة البدوي» الصادر عن الأزهر الشريف عام 1952م.
العقيدة والمواقف المنسوبة إليه:
ذكرت بعض الروايات أنه لم يُعرف عن السيد البدوي صلاةٌ خالصةٌ أو عبادةٌ ظاهرة، وروي عنه أنه قال يومًا في المسجد: “نظرت فرقيت فعليت فوجدته على الكرسي، أنا هو وهو أنا”، وهي عبارة فيها كفرٌ صريح يخالف أصل التوحيد.
كما نُقل أنه رفض الزواج قائلاً: “أتأمرني بالزواج وأنا موعود بالحور العين؟” فعاش عزبًا حتى وفاته.
ويرى بعض المؤرخين أن البدوي كان يهدف إلى إحياء النفوذ الشيعي الباطني في مصر بعد زوال الدولة الفاطمية، وأن مظاهر الصوفية والكرامات التي أظهرها كانت ستارًا سياسيًا لذلك الفكر.
موقف العلماء والحكام:
تغاضت السلطة الأيوبية عن أمره ما دام بعيدًا عن السياسة، لكن في العصور اللاحقة تناوله العلماء بالتحقيق.
فقد كتب شيخ الأزهر عبد الحليم محمود كتابه «السيد البدوي: ولي من أولياء الله الصالحين»، واعتبره من الأولياء، مستندًا إلى ما شاع بين الناس من كراماته.
غير أن علماء آخرين خالفوه، منهم عبد الرحمن الوكيل في كتابه «الصوفية والباطنية» ومحمد عبد السلام الشقيري في «السنن والمبتدعات»، حيث نقدوا تلك الممارسات وعدّوها شركًا وانحرافًا عن التوحيد.
آثاره العلمية:
لم يُعرف عن السيد البدوي أنه ترك كتابًا أو أثرًا علميًا في أي من علوم الشريعة، بخلاف علماء زمانه الذين ملأوا الأرض علمًا، أمثال البخاري ومسلم وابن تيمية وابن القيم وابن كثير.
ولذلك تساءل العلماء: كيف يكون وليًا من أولياء الله من لم يُعرف بعلمٍ ولا عبادةٍ ظاهرة؟
قال تعالى في وصف أوليائه الحقيقيين:”أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ”(يونس: 62-63) فولاية الله تُنال بالإيمان والتقوى، لا بالكرامات المزعومة أو المواكب والاحتفالات.
الواقع المعاصر:
ما يجري اليوم في مولد السيد البدوي يثير الأسى، فقد تحوّل من ذكرٍ وعبادةٍ إلى مظاهر لهوٍ وتوسلٍ بالأضرحة وطلب المدد من غير الله، وهو ما نهى عنه الشرع، قال النبي ﷺ:”إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله”
(رواه الترمذي)وقال سبحانه:”وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا”(الجن: 18)
فمن قصد الضريح يرجو العون والمدد، فقد صرف العبادة لغير الله من حيث لا يشعر، ووقع في ما حذر منه القرآن من الشرك والدعاء لغير الله.
الخاتمة
تظل شخصية السيد أحمد البدوي بين الحقيقة والأسطورة،
فمن الناس من يراه وليًا صالحًا،
ومنهم من يعتبره داعية باطنيًا حمل فكرًا منحرفًا إلى مصر في ثوب التصوف.
لكن الثابت أنه لم يترك أثرًا علميًا ولا دعويًا ظاهرًا، وأن ما نُسب إليه من طقوسٍ لا يقرها الإسلام الصحيح.
ولهذا ينبغي أن نعيد النظر في مفهوم الولاية والقداسة، وأن نُفرّق بين الإيمان القائم على البرهان والخرافة الموروثة.
قال تعالى:”قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”(البقرة: 111)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى