مخاطر العصر الرقمي والمخدرات .. كيف يحمي المجتمع العربي شبابه من الداخل؟

بقلم: الكاتب والإعلامي
طراد علي بن سرحان الرويس
بين الإغراء الرقمي والانحراف السلوكي .. هل نملك حصانة فكرية كافية لحماية جيل المستقبل؟
في قلب التحولات المتسارعة التي يعيشها العالم العربي اليوم، يقف الشباب على مفترق طرق بين الأمل والانجراف، بين البناء والانهيار.
إنهم الفئة الأكثر حيوية، والأكثر عرضة للتأثر، والأكثر استهدافًا من قبل المخاطر التي تتسلل إلى حياتهم من الداخل، لا من الخارج فحسب.
المخدرات، والانحرافات الرقمية، والمحتوى الإباحي، لم تعد مجرد ظواهر هامشية، بل أصبحت تهديدًا مباشرًا لهوية الشباب، ووعيهم، ومستقبلهم.
لم تعد هذه التحديات محصورة في الأزقة أو الحدود، بل باتت تسكن الهواتف الذكية، وتُبث عبر الشاشات، وتُغلف بأساليب نفسية تستهدف الفراغ، وتُغري بالهروب من الواقع.
شبابنا، في مقتبل العمر، يواجهون عالماً مفتوحاً بلا حواجز، حيث يُعاد تشكيل المفاهيم، وتُغذّى النزعات، وتُضعف المناعة الفكرية والنفسية.
هذه المخاطر لا تؤثر فقط على النمو الشخصي، بل تمتد لتطال التعليم، وسوق العمل، والاقتصاد، بل وحتى الهوية الثقافية.
فمسؤولية الحماية، يجب ان تكون تحالف مجتمعي لا يتجزأ ..
كيف يمكن للمجتمع العربي أن يواجه هذه الموجة العاتية؟
وما هي الادوار التي يجب ان تنهض بها الاسرة والمؤسسات التعليمية، والاعلام، والسلطات الرسمية المعنية، والمجتمع المدني لحماية شبابه؟
وما اردت الإشارة اليه، هو انه لا يمكن أن يقع عبء الحماية على جهة واحدة، بل هي مسؤولية مشتركة تتطلب نهوض كل طرف بدوره كاملاً.
فالاسرة هي الحصن الأول، بوصفها الحاضنة الأولى، والتي تتحمل مسؤولية زرع القيم، وفتح أبواب الحوار الفاعل، ومراقبة السلوك دون قمع، فعند غياب التواصل الأسري أو ضعف الرقابة يفتح الباب أمام الانجراف، ويجعل الشاب فريسة سهلة للمؤثرات الخارجية المدمرة.
أما المؤسسات التعليمية، فهي ليست مجرد قاعات تدريس، بل هي فضاءات تربوية، فيجب من خلالها أن تدمج التوعية الرقمية، وتحصين الفكر، وتعزيز الانتماء. فالمناهج بحاجة إلى تحديث، والمعلمون بحاجة إلى تدريب، والمدارس بحاجة إلى أن تتحول إلى بيئات آمنة نفسيًا وفكريًا.
أما الاعلام، فيعد صانع الوعي، ويحمل مسؤولية ثقيلة في تشكيل وعي الشباب، فلم يعد يكفي أن ينقل الخبر؛ بل يجب أن يصنع الوعي، ويقود حملات هادفة، ويقدم محتوى مسؤولًا يعكس قيم المجتمع، ويحصّن الشباب من الانجراف وراء المحتوى الهابط والمضلل.
اما بالنسبة لدور السلطات الرسمية، فهي مطالبة بتحديث الأطر القانونية لمواجهة جرائم العصر الرقمي، وتكثيف الرقابة الأمنية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، كما يجب تفعيل دور الجهات الدينية والاجتماعية في التوعية والمساندة وإنشاء مراكز تأهيل متخصصة لمعالجة الجذور لا الأعراض.
اما بالنسبة لدور المجتمع المدني، فهو القلب النابض للمبادرات، واليد التي تمتد لاحتضان الشباب، وتوفير البدائل الإيجابية، من خلال انشاء النوادي الثقافية، واقامة الأنشطة التطوعية، والبرامج التنموية التي تملأ الفراغ وتوجه الطاقة.
(الحل يكمن في تحالف مجتمعي وإعادة بناء الحصانة)
هناك قصصاً واقعية تُروى في كل حيّ، وفي كل مدرسة، تكشف حجم التعقيد، وتظهر أن الحلول السطحية لم تعد مجدية.
(الشاب الذي انزلق في طريق الإدمان، أو الفتاة التي وقعت ضحية الابتزاز الرقمي)، ليست مجرد حالات فردية، بل مؤشرات على خلل يحتاج إلى تدخل شامل وسريع.
فالحل يكمن في تحالف مجتمعي فاعل، يجمع بين الاسرة، والمؤسسات التعليمية، والجهات الاجتماعية والدينية، والسلطات الرسمية المعنية، فحماية الشباب مسؤولية مشتركة، تتطلب إجراءات ملموسة تبدأ بالتوعية ولا تنتهي عند العلاج.
لذلك يجب ان تقام حملات وطنية تُخاطب وجدان الشباب، وتعد مناهج تعليمية تُدمج الثقافة الرقمية، وتبنى منصات إعلامية تُعيد الاعتبار للقيم.
إن بناء الحصانة الفكرية والنفسية لدى الشباب هو استثمار في مستقبل امتنا العربية.
فكل شاب يُحمى من الانحراف، هو لبنة في بناء مجتمع قوي، متماسك، وواعٍ.
والمجتمعات العربية، بثقافتها الأصيلة وقيمها الراسخة، تملك من المقومات ما يجعلها قادرة على مواجهة هذه التحديات، شرط أن تتوحد الجهود، وتُصاغ الاستراتيجيات بلغة العصر، وبروح الرسالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى