أشرف مروان: بين الأسطورة والاستخبارات

تقرير علياء الهواري
بعد خمسين عامًا من حرب أكتوبر المجيدة، تكشف صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، عبر تحقيق موسع للصحفي الاستخباراتي المعروف رونين بيرجمان، رواية جديدة تقلب الأسطورة رأسًا على عقب: أشرف مروان لم يكن “أفضل جاسوس للموساد” كما روّجت إسرائيل لعقود، بل كان جزءًا من خطة خداع مصرية محكمة مهدت للمفاجأة الاستراتيجية في السادس من أكتوبر 1973.
أشرف مروان، صهر الرئيس جمال عبد الناصر (زوج ابنته منى)، وأحد المقربين من الرئيس أنور السادات، شغل مناصب رفيعة في مؤسسة الرئاسة المصرية خلال أواخر الستينيات وبداية السبعينيات. اسمه ارتبط في الأدبيات الإسرائيلية بلقب “الملاك” (The Angel) باعتباره المصدر الأثمن للموساد، إذ نقلت عنه تل أبيب أنه سلّمها معلومات حساسة عن النوايا المصرية قبل الحرب.
طوال عقود، قدّمت إسرائيل مروان باعتباره أعظم اختراق بشري في تاريخها الاستخباراتي. واستندت إلى تحذيره الشهير مساء 5 أكتوبر 1973، الذي أخطر فيه الموساد بأن مصر وسوريا تستعدان لشنّ حرب شاملة.
إلا أن التحذير – وفق اعترافات لاحقة – جاء متأخرًا وأقل وضوحًا من أن يمنح إسرائيل وقتًا كافيًا لتجنيد احتياطها على نحو كامل، وهو ما ساعد في بقاء عنصر المفاجأة قائمًا عند عبور القوات المصرية لقناة السويس ظهر اليوم التالي.
في تحقيقه المنشور بملحق 7 أيام، يقول رونين بيرجمان إن الوثائق والشهادات التي جمعها على مدار سنوات تشير إلى أن مروان كان جزءًا من عملية خداع مصرية مُمنهجة.
بيرجمان كتب:
“أشرف مروان ضلل إسرائيل، وكان رأس الحربة في خطة الخداع التي أدارتها القاهرة قبل حرب يوم الغفران.”
التحقيق يشير إلى أن المعلومات التي قدّمها مروان للموساد تضمنت مزيجًا من الحقائق الدقيقة والتواريخ المضللة، ما جعل إسرائيل تتردد في قراءة الموقف العسكري المصري بشكل صحيح حتى اللحظة الأخيرة. هذه الإستراتيجية ساعدت في تثبيت الشعور الزائف بالثقة لدى القيادة الإسرائيلية، وهو ما يفسر فشلهم في استباق الهجوم المصري السوري المشترك
الدكتور محمد عبود، أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس، رحّب بنتائج التحقيق، وكتب على صفحته الرسمية:
“بعد 50 عامًا من الجدل، الحقيقة تخرج من قلب تل أبيب. مانشيت يديعوت أحرونوت يكشف أن أشرف مروان لم يكن ‘الملاك’ الذي خدع العرب، بل كان رأس الحربة في خطة الخداع الاستراتيجي المصرية قبل حرب أكتوبر.”
تصريح د. عبود جاء بمثابة تأكيد للرواية الوطنية المصرية، التي طالما اعتبرت مروان بطلًا ساهم في تحقيق مفاجأة العبور
رغم قوة التحقيق الجديد، فإن بعض الخبراء يشيرون إلى أن الصورة لم تكتمل بعد:
لم تُنشر حتى الآن جميع الوثائق الأصلية للموساد أو محاضر الاجتماعات التي حضرها مروان.
بعض الباحثين في التاريخ العسكري يرون أن مروان ربما كان “عميلاً مزدوجًا”، أمدّ إسرائيل بمعلومات صحيحة أحيانًا، لكنه اختار اللحظة الحاسمة ليضللها عمدًا.
هناك من يرى أن تل أبيب تحاول إعادة صياغة روايتها لتخفيف من حدة فشلها الاستخباراتي عام 1973 بإلقاء اللوم على عملية خداع معقدة بدل أخطاء التقدير
إعادة الاعتبار لمصر: الرواية الجديدة تعزز صورة الأجهزة الاستخباراتية المصرية باعتبارها صاحبة واحدة من أنجح عمليات الخداع العسكري في القرن العشرين.
إعادة كتابة التاريخ الإسرائيلي: تحويل مروان من “أفضل جاسوس” إلى “رأس حربة الخداع” ينسف جزءًا من أسطورة تفوق الموساد المطلق، ويظهره كجهاز وقع ضحية خطة ذكية.
تأثيرات على الوعي العام: بالنسبة للمصريين والعرب، يعيد التحقيق الاعتبار لشخصية مثيرة للجدل ويحوّلها إلى رمز وطني. أما في إسرائيل، فقد يفتح نقاشًا جديدًا حول إخفاقات يوم الغفران ومسؤولية القيادات الاستخباراتية في ذلك الوقت.
خمسون عامًا كانت كافية ليخرج اعتراف من قلب تل أبيب يعيد ترتيب أوراق التاريخ. أشرف مروان، الذي عاش بين أسطورة “الملاك” الإسرائيلي ونظرة الشك الوطنية، يخرج اليوم في صورة مختلفة: بطلًا ضمن خطة خداع مصرية أدت إلى واحدة من أعظم الانتصارات العربية في العصر الحديث.
ومع بقاء بعض الوثائق طي الكتمان، يبقى ملف مروان مفتوحًا لمزيد من التحقيقات والقراءات التاريخية. لكن المؤكد أن هذا التحقيق الأخير سيجعل الجدل حوله أكثر إثارة، وسيكرّس اسمه – لدى كثيرين – كأحد صناع مفاجأة أكتوبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى