موقع المسؤولية بين المواطن والوطن: قيادة وترابط نحو المستقبل

كتب:العميد الإداري المتقاعد هاني غصين
أن تكون في موقع المسؤولية، سواء كمواطن بسيط أو قائد لمؤسسة، يعني أن تتحمل أمانة مضاعفة: أمانة أمام نفسك، وأمانة أمام وطنك. فالمسؤولية ليست منصبًا أو لقبًا، بل هي التزام صادق بالعمل والجدية والإخلاص، وبذل الجهد بما يتجاوز المصلحة الفردية ليصب في خدمة الصالح العام.
المواطن الحقيقي لا يكتفي بالمطالبة بالحقوق، بل يدرك أن عليه واجبات أساسية: احترام القانون، المشاركة الفعالة في التنمية، والحرص على صورة بلده أينما كان. والوطن من جانبه يمنح المواطن الهوية والأمان والفرص، ليصبح شريكًا في البناء لا مجرد متفرج.
إدارة المؤسسة: رؤية وتنظيم
المؤسسات الناجحة تقوم على إدارة واعية تدرك أن التخطيط أساس كل إنجاز. فالإدارة ليست مجرد متابعة أعمال يومية، بل هي رسم رؤية واضحة، وتوزيع الأدوار بذكاء، ومتابعة الأداء بروح الفريق. والقائد في المؤسسة هو البوصلة التي توجّه الطاقات نحو هدف مشترك، فلا مكان للارتجال أو العشوائية، بل للعمل المنهجي المدروس.
الترابط بين المؤسسات: شبكة قوة وطنية
قوة أي مؤسسة لا تكمن في إنجازاتها وحدها، بل في مدى ترابطها مع غيرها. فالمؤسسات في أي وطن تشكّل نسيجًا متكاملاً، كل واحدة منها تدعم الأخرى وتسد ثغراتها. التعاون بين المؤسسات التعليمية والاقتصادية والأمنية والثقافية يخلق تناغمًا استراتيجيًا، يجعل الوطن قادرًا على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية الشاملة. الترابط المؤسسي هو ما يحوّل الجهود الفردية إلى قوة جماعية.
إعداد القادة: صناعة المستقبل
الأوطان لا تنهض بالموارد وحدها، بل بالعقول التي تدير هذه الموارد. لذلك فإن إعداد القادة ضرورة وطنية واستراتيجية، تبدأ من التعليم والتدريب، وتمرّ بزرع قيم النزاهة والمسؤولية، وصولًا إلى تمكين الكفاءات الشابة. القائد الناجح ليس من يفرض سلطته، بل من يلهم الآخرين ويصنع منهم قادة جدد.
القائد المحفّز: قدوة قبل أن يكون منصبًا
القائد المحفّز هو الذي يزرع الثقة في نفوس فريقه، يشجّع المبادرات، يستمع قبل أن يتكلم، ويقدّر الجهد قبل أن يطالب بالنتائج. قوته لا تكمن في الأوامر، بل في القدرة على بث الحماس، وإشعال روح الانتماء، وتحويل العمل من واجب إلى رسالة.
المسؤولية أمام الوطن تبدأ من كل فرد، وتكبر لتصل إلى قيادة المؤسسات وصناعة القرارات. وحين يكون المواطن واعيًا، والمؤسسة منظّمة، والقائد محفّزًا، وتكون المؤسسات مترابطة متكاملة، يصبح الوطن قويًا مزدهرًا. إننا جميعًا مدعوون لنكون على قدر هذه الأمانة، ولنجعل من مواقع المسؤولية جسورًا للنهضة لا مقاعد للوجاهة
الإداري الناجح، صاحب الخبرة والبعد الإنساني، يفيد وطنه ومؤسسته معًا؛ بخبرته يصنع القرارات الحكيمة، وبإنسانيته يكسب القلوب ويحوّل العمل إلى رسالة مشتركة، فيبقى أثره حيًّا في الناس قبل الأنظمة.
التنمية في الأوطان المستقرة ليست كالتنمية في الأوطان المنهكة. ولبنان يحتاج إلى أكثر من خطط اقتصادية؛ يحتاج إلى إرادة صادقة تعلو فوق المصالح الضيقة، وإلى إصلاح إداري ومؤسساتي يضع الكفاءة قبل المحسوبيات، وإلى ترابط مؤسساتي حقيقي يكسر الجزر المنعزلة التي تعيشها القطاعات.
التنمية الحقيقية في لبنان تبدأ من:
إعادة الثقة بين المواطن والدولة.
إدارة رشيدة للموارد بعيدًا عن الفساد والهدر.
تفعيل دور المؤسسات التربوية والثقافية والأقتصادية لبناء جيل يملك قيم النزاهة والانتماء.
تشجيع الاستثمار المحلي والاغترابي ليكون رافعة اقتصادية.
قادة ملهمون يجمعون بين الخبرة والإنسانية، قادرون على صنع التغيير لا الاكتفاء بإدارته.
فالنهضة في بلد مثل لبنان لا يمكن أن تكون ترقيعًا مؤقتًا، بل رؤية شاملة تبدأ بإصلاح الإنسان والمؤسسات معًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى