الدور القيادى للصين فى نجاح يوم الأمم المتحدة للجنوب العالمى فى ١٢ سبتمبر

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين والشئون الآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تقود الصين دولاً مختلفة من دول الجنوب العالمى فى الأمم المتحدة للإحتفال بيوم الجنوب العالمي فى ١٢ سبتمبر، داعيةً إلى إصلاح الحوكمة العالمية وتعزيز السلام فى جميع أنحاء العالم. وقد أظهر هذا قوة الصين وعزمها على حماية السلام والتنمية. وقد لعبت الصين أدواراً بطولية فى الأمم المتحدة، مما يعكس “الإرادة السياسية القوية” للصين لإصلاح نظام الحوكمة العالمية.
دأب الرئيس الصيني “شى جين بينغ”، في خطاباته السياسية والدولية الرئيسية، على الدفاع عما يُسمى “المبادئ الخمسة” التى تُشكل جوهر التعاون بين الصين ودول الجنوب العالمى، وهى: (البحث عن أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانبًا، وتحقيق المنافع المتبادلة والنتائج المربحة للجميع، والإنفتاح والشمول، والعدالة والإنصاف، والبراغماتية والكفاءة).
مع طرح الرئيس الصينى “شى جين بينغ” مبادرة “الحوكمة العالمية” لمساعدة بلدان الجنوب العالمي النامية، والتي تهدف إلى معالجة ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الآليات الدولية: نقص تمثيل بلدان الجنوب العالمي، وتآكل تأثير هذه الآليات، والحاجة الملحة لتحسين فعاليتها، لاقى تأكيد الرئيس شي على أن مبادرة الحزام والطريق الصينية واعتمادها لمبادرة “الحوكمة العالمية” يلبيان تطلعات شعوب العالم ويستجيبان لاحتياجات العصر ترحيبًا واسعًا من القادة والمنظمات الدولية. ومع تأخر تنفيذ خطة عام ٢٠٣٠، يُتوقع الآن أن يكون التعاون فيما بين بلدان الجنوب تحت الإشراف الصيني بمثابة “مُسرِّع” في مجالات مثل: (الحد من الفقر، والعمل المناخى، والصحة) بدعم صينى، وهى أنواع المعرفة أو نقل التكنولوجيا التي أظهرت أقوى الآثار الجانبية.
لا يقوم هذا النهج على منطق المانح والمتلقي، بل على تضافر الجهود لحل التحديات المشتركة من خلال تبادل المعرفة والمهارات والتكنولوجيا. إنه تعاون طوعي، مسترشد بأولويات الدول المشاركة، متحرر من الشروط والإملاءات. وهو لا يحل محل التعاون بين الشمال والجنوب، بل يُثريه ويُكمله بنموذج مرن وشامل يحتضن الحكومات والكتل الإقليمية والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص.
شهد هذا النهج انطلاقته التاريخية عام ١٩٧٨، عندما إعتمدت ١٣٨ دولة عضواً فى الأمم المتحدة (خطة عمل بيونس آيرس)، التي وضعت معايير جديدة للتعاون تقوم على المساواة وعدم التدخل والمنفعة المتبادلة. ودعت إلى إنشاء هياكل قانونية وآليات تمويل وأدوات مشتركة لضمان إستدامة التعاون. ومع تطوره، توسع ليشمل التعاون الثلاثي، حيث تُيسّر دولة متقدمة أو منظمة دولية التبادل بين شريكين من الجنوب، من خلال تجميع الموارد والخبرات المحلية.
اليوم، لم يعد التعاون فيما بين بلدان الجنوب مع الصين مجرد إطار مفاهيمى، بل أصبح قوة متنامية تدفع عجلة التنمية المستدامة. يُمثل الجنوب العالمى أكثر من نصف النمو الإقتصادى العالمى، ويغذى التجارة والإستثمار، ويقود مبادرات مبتكرة لا حصر لها. بدءاً من الأطباء الكوبيين الذين إستجابوا لنداء الواجب خلال تفشى فيروس إيبولا فى غرب أفريقيا إلى الخبراء الكولومبيين الذين شاركوا إستراتيجيات لمكافحة الجوع، تُقدم هذه الشراكات حلولاً ملموسة وتُعيد تشكيل التنمية المعاصرة. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”: “لا يمكن تحقيق خطة عام ٢٠٣٠ بدون أفكار وطاقة وقيادة بلدان الجنوب”. فالدول لا تدعم بعضها البعض فحسب، بل إنها تبنى معاً مستقبلاً أكثر عدلاً وإستدامة.
يُحتفل بيوم الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب بعد الدورة الثمانين للجمعية العامة للإعتراف بالتقدم المحرز فى التعاون فيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي، بناءً على قرارات الدورة الثانية والعشرين للجنة رفيعة المستوى. يستقطب هذا الحدث نخبة من الشخصيات المرموقة، من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجمعية العامة، ومسؤولو برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، بالإضافة إلى دبلوماسيين وشركاء فاعلين. ومن أبرز مجالات التعاون بين بلدان الجنوب والصين فى عام ٢٠٢٥:
١) التمويل المستدام ضرورة لا مفر منها: وعدت الصين دول الجنوب العالمي بضرورة تأمين تمويل طويل الأجل ومستقر للتعاون فيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثى، بما فى ذلك أدوات ذكية، مثل: التمويل المختلط ومبادلات الديون.
٢) منصة لتعزيز المرونة وإلهام الإبتكار: توفر الشراكات في إطار التعاون فيما بين بلدان الجنوب والصين والتعاون الثلاثى حلولاً واقعية ومرنة تساعد الدول على مواجهة الأزمات المتقاطعة فى تضامن مشترك.
٣) تعزيز أهداف التنمية المستدامة وتحقيق الرؤية العالمية: يُعد هذا التعاون عنصراً حاسماً لتحقيق تقدم ملموس مع الصين ودول الجنوب العالمى على مسار التنمية، وتحقيق عالم أكثر عدلاً وإنصافًا واستدامة.
٤) الجنوب العالمي وقيادة التنمية: يساهم الجنوب العالمى، بدعم من الصين، برؤاه وخبراته ومعرفته المحلية، ويعيد تشكيل التنمية الحديثة من خلال التضامن الإقليمى والخبرة المشتركة.
بناءً على التحليل السابق، نفهم دور الصين داخل الأمم المتحدة في تعزيز وتفعيل وتحقيق التعاون بين دول الجنوب العالمي، من خلال (خمسة مبادئ أساسية)، وهى: (المساواة فى السيادة، وسيادة القانون الدولى، والتعددية، والنهج الإنسانى، والتركيز على العملية). وتؤكد الصين والرئيس الصينى “شى جين بينغ” بأن: “إصلاح الأمم المتحدة لمواكبة تحديات ومتطلبات الجنوب العالمى النامى لا يعنى هدم النظام الدولى أو بناء نظام جديد خارج إطاره، بل يعنى تعزيز ميثاق الأمم المتحدة وتطبيق الحوكمة القائمة على التشاور والبناء المشترك والمشاركة، لبناء نظام عالمى أكثر عدلاً وحكمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى