أهمية قمة منظمة شنغهاى للتعاون لدول الجنوب العالمى النامى والعالم الثالث

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تعكس قمة منظمة شنغهاى للتعاون فى مدينة تيانجين الصينية ٢٠٢٥، إستعراضاً كبيراً للتضامن بين دول الجنوب العالمى فى مواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية، مع دعوة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لقادة وأعضاء دول منظمة شنغهاى للتعاون المشاركين فى القمة فى الصين، إلى لعب دور أكبر فى حماية السلام والإستقرار الإقليميين والعالميين، معتبراً أن بلاده قوة عالمية مستقرة ستدعم العالم النامى. مع حث الرئيس الصينى “شى جين بينغ” كافة أعضاء منظمة شنغهاى للتعاون على الإستفادة من سوقهم الضخمة، وكشفه فى خطابه الإفتتاحى أمام القادة المشاركين فى القمة، عن طموحه لتأسيس نظام أمنى وإقتصادى عالمى جديد يشكل تحدياً مباشراً للولايات المتحدة الأمريكية. وتأتى تصريحات الرئيس “شى” خلال القمة فى ظل الجهود التي تبذلها بكين لتقديم نفسها زعيماً رئيسياً للعالم النامى، وبإعتبار أن القمة فى مدينة تيانجين الصينية، ستمنح الصين فرصة لبناء التضامن مع دول الجنوب العالمى النامى. كما أن المجتمع الدولى، وبخاصةً دول الجنوب العالمى، تعقد آمالًا كبيرة على منظمة شنغهاى للتعاون لتضطلع بدور مهم فى حوكمة الأمن العالمى والحوكمة الإقتصادية فى مواجهة سياسات الهيمنة والإملاءات الأمريكية.
مع تأكيد الرئيس الصينى “شى جين بينغ” بالنص فى كلمته الإفتتاحية خلال قمة منظمة شنغهاى للتعاون فى تيانجين الصينية، بأن “منظمة شنغهاى للتعاون تمثل نموذجاً لنوع جديد من العلاقات الدولية، وبأنه يتعين علينا أن ندعو إلى تعددية الأقطاب المتساوية والمنظمة فى العالم، والعولمة الإقتصادية الشاملة، وتعزيز بناء نظام حوكمة عالمى أكثر عدلاً وإنصافاً”، مع موافقة وتأكيد العديد من قادة دول الجنوب العالمى النامى لخطاب الرئيس الصينى “شى جين بينغ” وموافقتهم عليه، وأبرزهم: رجب طيب أردوغان (تركيا)، ومين أونغ هلاينغ (ميانمار)، وكيه بى شارما أولى (نيبال)، وبرابوو سوبيانتو (إندونيسيا)، وأنور إبراهيم (ماليزيا)، ومحمد معيزو (المالديف)، وبمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) “كاو كيم هورن”.
ويشار إلى أن قمة منظمة شنغهاى للتعاون ٢٠٢٥ فى الصين، هى الأكثر أهمية للمنظمة منذ إنشائها فى عام ٢٠٠١، إذ تعقد فى ظل أزمات متعددة طالت أعضاؤها بصورة مباشرة، من المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، مروراً بالملف النووى الإيرانى وتوجيه ضربات عسكرية إسرائيلية وأمريكية على طهران، وحرب غزة وقضية تايوان، وغيرها من الملفات الدولية المشتعلة. وتخضع هذه القمة لتدابير أمنية وعسكرية مشددة وغير مسبوقة مقارنةً بالقمم السابقة، فقد نشرت مركبات مصفحة فى العديد من الشوارع وقطعت الحركة المرورية فى أجزاء كبيرة من مدينة تيانجين الصينية المنعقدة فيها القمة، كما نشرت لافتات فى الشوارع باللغتين الماندرية الصينية والروسية تشيد بروحية تيانجين والثقة المتبادلة بين موسكو وبكين.
ولابد من فهم الحرص الصينى هذا العام خلال فترة إنعقاد القمة فى مدينة تيانجين الصينية، على العمل حثيثاً على (ثلاثة مسارات رئيسية لمساعدة دول الجنوب العالمى النامى والعالم الثالث)، فعلى الصعيد السياسى سيتم إعتماد “إعلان تيانجين” و”إستراتيجية التنمية للعشر سنوات المقبلة” لوضع رؤية طويلة المدى للتعاون، وأمنياً عن طريق تعزيز الترتيبات المشتركة لمكافحة الإرهاب ودعم الإستقرار الإقليمى، أما إقتصادياً فسيتم دفع التعاون فى قطاع الإقتصاد الرقمى، التنمية الخضراء، والمدن الذكية، فضلاً عن تعزيز التجارة والإستثمار. بإعتبارها بمثابة ركائز أساسية لتعزيز تماسك “أسرة شنغهاى”.
وجاء تعقيب مساعد وزير الخارجية الصينى “ليو بينغ”، بأن قمة منظمة شنغهاى للتعاون فى تيانجين الصينية ٢٠٢٥ هذا العام، ستكون الأكبر فى تاريخ المنظمة، مؤكداً بأن تعقد الوضع الدولى المتسارع يستدعى تعزيز التضامن والتعاون. مع إشارته المبطنة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بأن “العقليات العتيقة المتمثلة فى الهيمنة وسياسات القوة ما زالت مؤثرة، حيث تحاول بعض الدول إعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة على حساب الآخرين، مما يهدد السلام والإستقرار العالميين”.
مع الوضع فى الإعتبار، بأن كلمة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” قد حظيت بالموافقة والإجماع من كافة قادة الدول المشاركين، خاصةً مع تنامى دعوة الرئيس الصينى “شى” لكافة شركاء منظمة قمة منظمة شنغهاى للتعاون فى تيانجين إلى معارضة عقلية الحرب الباردة والمواجهة بين التكتلات، مؤكداً على دعوته لضرورة دعم أنظمة التجارة متعددة الأطراف. وتعتبر هذه الرسالة إشارة واضحة إلى حرب الرسوم الجمركية التى يشنها الرئيس الأمريكى “ترامب” على الصين، والتى إنعكست بشكل غير متناسب على إقتصاديات الدول النامية، بما فيها الهند حليفة واشنطن حتى وقت قريب. مع كلمة الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، بأن “الصين تلعب دوراً أساسياً فى دعم التعددية العالمية”.
فى الوقت الذى نجحت فيه روسيا فى جذب غالبية الأعضاء لمواقفها، مع محاولة الهند الموازنة بين الدعوة للسلام والحفاظ على علاقات مع العاصمة الأوكرانية كييف، فى الوقت الذى تشترى فيه نيودلهى كميات كبيرة من النفط الروسى، فيما دعت أوكرانيا أعضاء المنظمة إلى إظهار موقف واضح ورفض العدوان الروسى عليها، مع وصف الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” لرئيس الوزراء الهندى “ناريندرا مودى” خلال قمة إنعقاد منظمة شنغهاى للتعاون، بأنه صديقه العزيز، وإعتبر “بوتين”، بأن العلاقات بين البلدين تتطور بشكل ديناميكى وغير مسبوق، وهذا كله يعكس تضامن كبير بين سياسات دول الجنوب العالمى النامى برئاسة ودعم الصين وحليفها الروسى الوثيق.
أما عن موقف للولايات المتحدة الأمريكية من حشد دول الجنوب العالمى النامى فى مدينة تيانجين الصينية، فقد إعتبرت واشنطن بأن إجتماع منظمة قمة شنغهاى للتعاون فى مدينة تيانجين الصينية غير مرحب به، مع مهاجمة الرئيس الأمريكى “ترامب” مراراً لتكتلات الجنوب العالمى، وتهديده بشل وعرقلة “مجموعة بريكس” عبر تعريفات جمركية عقابية، ووصفه إياها بأنها معادية لأمريكا ولسياستها.
وبناءً عليه نفهم، بأن قمة منظمة شنغهاى للتعاون فى مدينة تيانجين الصينية ٢٠٢٥، تطرح نموذجاً متعدد الأطراف من تصميم الصين مختلف عن النماذج التى يهيمن عليها الغربيون والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن أن المشاركة الواسعة لحضور فعاليات القمة، تدل على تنامى النفوذ الصينى وقدرة منظمة شنغهاى للتعاون على جذب بلدان غير غربية قادرة على إحدى واشنطن وسياستها وإحتكار الغرب.