التحرش الإلكتروني وطفل مصر: رسالتي إلى الأسرة المصرية

بقلم د. غادة محفوظ
خبيرة التنمية الاجتماعية
خبيرة قضايا الطفول
في زمن لم يعد فيه الشارع وحده مصدر الخطر، أصبح الطفل المصري يواجه معركة جديدة داخل بيته، من خلف شاشة صغيرة تُخفي وراءها وجوهًا مجهولة وأيادي خفية. التحرش الإلكتروني هو العدو الجديد الذي يتسلل بلا استئذان، يطرق أبواب براءة أطفالنا، ويترك في قلوبهم خوفًا وفي عقولهم جرحًا صامتًا.
إنها معركة غير متكافئة: طفل صغير يواجه عالمًا رقميًا لا يعرف الرحمة، كلمات جارحة، صور صادمة، أو محادثات مريبة. يظن أنه يلعب أو يتعلم، بينما في الحقيقة يتعرض لأذى نفسي قد يترك أثره طويلًا.
والسؤال الصعب هنا: من يحمي الطفل المصري؟
الإجابة تبدأ من الأسرة. فالأب والأم هما خط الدفاع الأول، والوعي بهما هو السلاح الأقوى. إن صمت الأسرة أو تجاهلها لهذا الخطر يجعل الطفل أعزل، بلا سند ولا حماية.
أيها الآباء والأمهات، دعوني أقولها بوضوح: التربية لم تعد تقتصر على القيم الأخلاقية والدروس المدرسية فقط، بل أصبحت تربية رقمية أيضًا. لا يكفي أن نعلّم أبناءنا الصلاة أو القراءة أو النجاح في الدراسة، بل علينا أن نعلّمهم كيف يتعاملون مع الإنترنت، كيف يقولون “لا”، كيف يحمون أنفسهم من الغرباء خلف الشاشات.
المدرسة قد تساعد، والإعلام قد يساهم، والقانون قد يردع، لكن البيت هو البداية والنهاية. الطفل الذي يجد في أسرته صدرًا رحيمًا يسمع له بلا خوف، هو طفل قادر على البوح بما يتعرض له. أما الطفل الذي يُقابل بالتوبيخ أو الإهمال، فهو ضحية صامتة تسقط دون أن نشعر.
ولأنني أؤمن أن الكلام بلا خطوات عملية لا يكفي، فإنني أوجه للأسرة المصرية هذه النصائح الخمس:
1. افتحوا حوارًا صريحًا مع أبنائكم حول مخاطر الإنترنت، ولا تجعلوا الموضوع من المحرمات.
2. ضعوا قواعد واضحة لاستخدام الهواتف والإنترنت، تتناسب مع أعمارهم، وتكون قائمة على التفاهم لا على المنع القسري.
3. راقبوا بحكمة دون أن تزرعوا الخوف، فالثقة أهم من الرقابة، والحوار أقوى من التهديد.
4. شجعوا أبناءكم على التبليغ عن أي محتوى مسيء أو رسالة مشبوهة، وعلّموهم أن الخطأ ليس ذنبهم.
5. كونوا القدوة الرقمية: فالأب والأم اللذان يحترمان استخدامهما للشاشة، يرسّخان لدى الطفل سلوكًا سليمًا.
التحرش الإلكتروني واقع مؤلم، نعم، لكنه ليس قدرًا محتومًا. إذا وعَت الأسرة المصرية حجم الخطر، وتحركت بوعي وحزم، سنحمي أطفالنا ونفتح لهم أبواب الإنترنت ليكون مساحة معرفة وإبداع، لا مساحة خوف وأذى.
أيها الآباء والأمهات، أطفالكم أمانة، وشاشاتهم مرآة لبراءتهم، فاحرسوا تلك المرآة من أن تُخدش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى