نحن أمة لا تستفيد من تاريخها

بقلم ناصر السلاموني
مرّت الأمة العربية والإسلامية عبر تاريخها بمحطات عصيبة تكالبت فيها عليها قوى الغزو والاحتلال، وتصدعت جدرانها الداخلية بفعل الانقسامات والخيانة، بينما برز من بين صفوفها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فسطروا ملاحم النصر والوحدة. فمن الحملات الصليبية إلى غزو التتار، ومن سقوط الخلافة إلى الاستعمار الأوروبي ووعد بلفور، وصولًا إلى واقعنا الراهن، تظل المشاهد تتكرر والمآسي تتجدد، ويبقى الدرس واحدًا لا يتغير. ولكن صم بكم عمي.
في أواخر القرن الحادي عشر، اجتاحت الحملات الصليبية بلاد الشام وفلسطين بحجة “تحرير” بيت المقدس، فأقيمت الإمارات الصليبية على أنقاض المدن الإسلامية، وارتكبت مجازر بشعة أبرزها في القدس، حيث قُتل عشرات الآلاف داخل المسجد الأقصى. وفي دمياط ظهر دور الخيانة الداخلية، حين سهّل بعض العملاء دخول الصليبيين إليها، في الوقت الذي كان بعض الأمراء يهادنون العدو كما هو الآن خوفًا على مناصبهم. لكن الله قيّض لهذه الأمة قائدًا مخلصًا هو صلاح الدين الأيوبي، الذي بدأ بتوحيد الصفوف وتطهير الداخل قبل مواجهة العدو، فحقق نصر حطين واسترداد بيت المقدس، مؤكدًا أن الطريق إلى النصر يمر عبر وحدة الكلمة وقوة الإعداد .
ثم جاء التتار في القرن السابع الهجري كطوفان جارف من الشرق، فدخلوا بغداد وأسقطوا الخلافة وقتلوا الخليفة المستعصم بالله بعد أن دلهم على كنوز الدولة، وألقوا مكتبة بغداد في نهر دجلة. ولم يكن هذا الخراب ليقع لولا خيانة الداخل، إذ سلّم بعض الأمراء الحصون والمدن للتتار طمعًا في الأمان، كما يحدث الآن داخل فلسطين فكان مصير الأمة أن تدفع ثمن الغدر. وفي هذه اللحظة الحالكة ظهر سيف الدين قطز، فجمع الصفوف، واستشار العلماء، واستنهض الهمم، حتى كانت عين جالوت التي بددت أسطورة التتار، وأثبتت أن الأمة قادرة على النهوض متى تطهرت من الخيانة وصدقت في جهادها .
وعلى المنوال ذاته، لم يكن سقوط الخلافة العثمانية إلا ثمرة مؤامرات داخلية وخارجية قادها مصطفى كمال أتاتورك بتحالفه مع الغرب واليهود، فألغى الخلافة عام 1924 وفتح الطريق أمام تقسيم الأمة وتغريبها. ثم جاء وعد بلفور عام 1917 ليكتمل المشهد، حين أعلنت بريطانيا دعمها لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين، وسط صمت عربي وعجز رسمي، بينما كانت العواصم الإسلامية رازحة تحت الاحتلال الأجنبي. وباسم الأخوة الممزقة تواصل التشرذم، وغاب التضامن الحقيقي .
واليوم تتكرر الصورة ذاتها، فالفصائل الفلسطينية تتنازع على سلطة وهمية، وتغيب الوحدة الوطنية، فيتراجع خيار المقاومة أمام مشاريع التهدئة والتطبيع، بينما تسير بعض الأنظمة العربية إلى التطبيع العلني مع الاحتلال، حتى بات يُروَّج له وكأنه إنجاز، فيما يقتل الأطفال في غزة وتُهوّد القدس وتُحاصر الضفة الغربية. إنه مشهد قديم جديد، بين غزاة يطمعون في الأرض، وخونة يبيعون القضايا بثمن بخس.
لقد علّمنا التاريخ أن لا نصر بلا وحدة، ولا عز مع الخيانة، ولا بقاء للأمة دون جهاد في سبيل الله. وإنه لا مخرج من دوامة التكرار إلا بالعودة إلى الدين، وتوحيد الصف، ورفض التبعية، وتمسك الأمة بأخوتها الإسلامية، حتى تستعيد عزتها وكرامتها، وتنهض من كبوتها الطويلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى