على هامش قمة السيسي وبن سلمان : مصر والسعودية علاقات راسخة من قديم الازل

بقلم – سعيد زينهم رئيس التحرير
تتجدد ملامح الشراكة المصرية ـ السعودية مع كل لقاء يجمع الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث تعكس هذه اللقاءات عمق العلاقات الراسخة بين القاهرة والرياض، والتي لم تكن يوما علاقات عابرة أو مرتبطة بظروف آنية، بل هي علاقة ممتدة تمثل صمام أمان للأمن القومي العربي واستقرار المنطقة، وعلى مر العقود، أثبتت التجارب أن مصر والسعودية حين تتوحدان على موقف أو رؤية فإن بوصلة المنطقة تميل نحو التوازن، وأن التحالف بينهما يشكل السند الحقيقي لمجابهة التحديات الإقليمية والدولية.
إن العلاقات المصرية السعودية ليست مجرد علاقات سياسية أو اقتصادية، بل هي علاقات استراتيجية تاريخية نمت وترعرعت على أسس من الثقة والاحترام المتبادل، فمنذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس جمال عبد الناصر، مرورا بكافة المحطات المفصلية التي مرت بها المنطقة، كانت القاهرة والرياض على قلب رجل واحد، تدعمان القضايا العربية المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي شكلت دائما نقطة التقاء للموقفين المصري والسعودي و هذه العلاقة المتينة جعلت من البلدين ركيزتين أساسيتين لاستقرار الشرق الأوسط، ووضعت أمامهما مسؤولية قيادة الجهود العربية نحو الوحدة والتكامل.
جاءت زيارة الرئيس السيسي إلى السعودية لتفتح آفاقا جديدة أمام التعاون الثنائي على مختلف المستويات، خصوصا في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو حتى المناخية فالتنسيق بين القاهرة والرياض لم يعد مقتصرا على الملفات التقليدية، بل امتد ليشمل مجالات الطاقة النظيفة، الاستثمار، التكنولوجيا، والأمن الغذائي، وهي ملفات باتت تمثل تحديا وجوديا للشعوب والدول ولعل ما يعزز من نجاح هذا التنسيق هو امتلاك البلدين ثقلا إقليميا ودوليا كبيرا، فمصر بما لها من تاريخ وموقع جغرافي وحضارة ضاربة في الجذور، والسعودية بما تملكه من مقدسات إسلامية وثقل اقتصادي عالمي، يشكلان معا مركز الثقل العربي الذي لا يمكن تجاوزه.
يظل الأمن القومي العربي المحور الأهم الذي يجمع بين مصر والسعودية فكلا البلدين يدركان أن استقرار المنطقة يبدأ من حماية الداخل العربي من محاولات الاختراق أو العبث الخارجي، وأن التهديدات المشتركة، سواء كانت إرهابا أو تدخلات إقليمية أو تحديات اقتصادية، تحتاج إلى جبهة موحدة تستند إلى رؤية شاملة ومن هنا يظهر الدور القيادي لكل من القاهرة والرياض، حيث أثبتت المواقف السابقة أنهما الأكثر قدرة على صياغة حلول واقعية وقابلة للتنفيذ للأزمات الممتدة، بدءا من ليبيا واليمن مرورا بسوريا وصولا إلى القضية الفلسطينية.
كما أن البعد الاقتصادي يمثل ركيزة أساسية في مسيرة العلاقات المصرية السعودية فقد شهدت السنوات الأخيرة تناميا غير مسبوق في حجم الاستثمارات السعودية داخل مصر، حيث تتنوع من مشروعات البنية التحتية إلى مشروعات الطاقة والقطاع العقاري والسياحي وفي المقابل، تسعى القاهرة إلى تعزيز دورها كشريك استراتيجي في المشاريع العملاقة التي تطلقها المملكة ضمن رؤية 2030، والتي لا تستهدف فقط تنويع مصادر الدخل السعودي، بل تمثل مشروعا طموحا لتغيير ملامح الاقتصاد الإقليمي بأكمله.
وما يميز هذه العلاقة هو قدرتها على التكيف مع المتغيرات العالمية ففي ظل الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من أزمة طاقة وغذاء، أثبت التنسيق المصري السعودي أنه صمام أمان في مواجهة الارتدادات الاقتصادية على المنطقة كما أن مواقف البلدين في المحافل الدولية دائما ما تعكس حرصهما على بناء نظام عالمي أكثر عدالة يحقق التوازن بين مصالح الدول الكبرى وحقوق الشعوب النامية.
إن قراءة متأنية لتاريخ المنطقة تظهر أن كل مرحلة استقرار حقيقية شهدتها، كانت دائما مرتبطة بوجود توافق بين القاهرة والرياض والعكس صحيح، فكلما غابت هذه الوحدة، ظهرت التحديات بشكل أكثر حدة ومن هنا يمكن القول إن مصر والسعودية ليستا مجرد دولتين محوريتين، بل هما معا الضمانة الكبرى لبقاء المنطقة في حالة توازن واستقرار.
إن لقاء السيسي وبن سلمان في السعودية ليس مجرد لقاء بروتوكولي أو دبلوماسي عابر، بل هو محطة جديدة لتجديد العهد على أن أمن المنطقة واستقرارها لن يتحقق إلا بوحدة الصف العربي، وعلى أن القاهرة والرياض ستظلان تحملان لواء هذه الوحدة مهما كانت الصعاب وقد أثبت التاريخ أن هذه العلاقة عصية على الاهتزاز، وقادرة دائما على التكيف مع المتغيرات، وأنها ستبقى تمثل صمام الأمان الحقيقي للأمن القومي العربي ومستقبل المنطقة.