كيف تشكل التنشئة الاجتماعية شخصياتنا ومجتمعاتنا؟ وما دور أسرنا والمجتمع في صناعة أجيالنا

بقلم : الكاتب الاعلامي
طراد علي بن سرحان الرويس
حرر بتاريخ : ٢٠٢٥/٠٧/٢٧م
تُعد التنشئة الاجتماعية الركيزة الأساسية التي يقوم عليها بناء الفرد وتشكيل شخصيته، وكذلك بناء المجتمع بأكمله، وفي هذا المقال، سنتعمق في مفهوم التنشئة الاجتماعية، وأهميتها في مراحل الحياة المختلفة، مع التركيز على دور الأسرة في هذه العملية.
حيث أن التنشئة الاجتماعية تُعد حجر الأساس في بناء شخصية الإنسان، وهي عملية مستمرة تبدأ منذ ولادته وبرحيله تنتهي، حيث تهدف هذه العملية إلى تشكيل الفرد وتوجيهه ليتفاعل بشكل سليم مع بيئته التي يتعايش وينتمي لها، حتى ان يُصبح عنصرًا منتجًا وفاعلًا داخل مجتمعه.
وتنقسم التنشئة الاجتماعية المتعلقة بالمراحل العمرية إلى ثلاث مراحل، حيث تبدأ بمرحلة الطفولة، وهي (مرحلة التنشئة الأولية), وتكون الاسرة هي المسؤولة عن هذه المرحلة وتقع على عاتقها، حيث يبدأ من خلالها الطفل بتعلم مهارات معينة ناتجة عن مواقف شاهدها، ويلعب في هذه المرحلة الوالدان الدور الأهم في غرس القيم الأولى، وفي تشكيل الميول والاتجاهات
لذلك فقد تقتصر تنشئته على اكتساب واتباع ما يشاهد أمامه.
وبعد ذلك تبداء ثاني اقسام التنشئة الاجتماعية وهي (المرحلة الثانوية)، التي تقع على عاتق المؤسسات التعليمية، حيث تتخذ دورا محوريا اخر في تعميق هذه القيم، وفي توسيع مدارك الطفل، وتنمية مهاراته الاجتماعية والثقافية.
اما بالنسبة لثالث اقسام التنشئة الاجتماعية هي (مرحلة إعادة التنشئة)، حيث تأتي هذه المرحلة كآخر مراحل التنشئة؛ فالفرد من خلالها تعلم واكتسب ما يمكن اكتسابه من أسرته، ومجتمعه وأصدقاءه، وعليه فهو مُدرك تماماً لصحة القرارات من عدمها، ويستطيع اتخاذها تبعاً لما تشكل في مخزونه المعرفي، وتتشابه في ذلك مع النوع الثالث.
كما أن للتنشئة الاجتماعية ثلاثة أبعاد رئيسية، أولهما هو (البُعد البيولوجي)، الذي يهتم بتهيئة الفرد للتكيف مع التغيرات الفسيولوجية والنفسية التي تطرأ عليه، اما البعد الثاني وهو (البُعد الاجتماعي)، الذي يتفاعل من خلاله الفرد مع محيط مجتمعه، ويكتسب المهارات والقيم التي تُمكّنه من الاندماج والتعايش مع الآخرين، وثالث تلك الابعاد الرئيسية هو (البُعد الثقافي)، الذي يُسهم في إدماج الفرد داخل ثقافة مجتمعه، وجعله حاملًا أمينًا، وقادرًا على نقلها للأجيال القادمة.
كما أن للتنشئة الاجتماعية أهمية بالغة للفرد والمجتمع، فمن خلالها، تبنى شخصيات متوازنة ومسؤولة، ويتحقق تماسك المجتمع وتقدمه، ولإهمال التنشئة مخاطر عديدة، كضعف الانتماء، واضطراب الهوية الوطنية، وكذلك سلوكيات منحرفة.
والجدير بالذكر، هو ان الأسرة لها دور فعال في التنشئة الاجتماعية، حيث تعد نقطة الانطلاق الأولى، ويعّد دورها الحجر الأساسي في بناء الشخصية، كغرس القيم، وتشكيل الميول، والتفاعل.
وختاماً.. يجب ألا تتجاهل التنشئة الاجتماعية أو يهمش دورها، لكي لا ينتج عن ذلك نتائج خطيرة، أبرزها ضعف الانتماء، واضطراب الهوية، وظهور سلوكيات منحرفة، تهدد تماسك المجتمع.
وما أردت ذكره مما سبق، هو إن التنشئة الاجتماعية ليست مجرد ترفٍ أو رفاهية، بل هي ضرورة وجودية لكل مجتمع يريد أن ينهض بأفراده، ويصنع أجيالًا قادرة على البناء والإبداع في عالمٍ سريع التغير.