تُقصف الشام .. يُختبر وعي الأمة

بقلم د/غادة محفوظ
خبيرة التنمية اجتماعية
ليست النيران التي تشتعل فوق رؤوس الأبرياء في الشام هي وحدها ما يثير القلق، فالدم المسفوك بات، للأسف، خبراً معتاداً في نشرات المساء، لكن ما يُختبر حقاً في كل قذيفة تسقط، وفي كل انتهاك لسماء العرب، هو وعي الشعوب، وبُعد نظر صُنّاع القرار.
ما يجري ليس مجرد اعتداء على أرضٍ لها ما لها من رمزية تاريخية وحضارية، بل هو تمرين مكرّر لإعادة تشكيل ما تبقى من وعي الأمة تجاه ذاتها وتجاه القضية الأوسع: مصيرها. ففي كل مرة يُستباح فيها بلد عربي، يصبح الصمت عنواناً للمرحلة، وتُقدَّم “العادة” على “الصدمة”، حتى تغدو الاستباحة شيئاً مألوفاً، لا يثير استنكاراً ولا يحرك ضميراً.
هنا تبرز أهمية الموقف المصري، لا باعتباره ردّ فعل مؤقت على مشهد مؤلم، بل كقراءة واعية لمسار طويل يُراد أن ينتهي بتطبيع العنف وتثبيت اختلال موازين الردع. السياسة المصرية لا تنظر إلى الغارات كحدث عابر، بل كدلالة على مستقبل يُراد فرضه تدريجياً على المنطقة، حيث تتبدّل القيم، وتُخدّر الشعوب، وتُساق الأمة نحو قبول ما لا يُقبل، تحت وطأة التكرار، وخطورة الاعتياد.
إن ما يحدث في الشام اليوم هو مرآة لما يُراد أن تكون عليه بقية الجغرافيا العربية غداً، والاختبار ليس عسكرياً، بل ذهني بالأساس. فهل نستفيق قبل أن تصبح حدود كل قطر مفتوحة أمام القصف، وسماء كل مدينة عرضة لاختراق الإرادة الأجنبية؟ وهل ندرك أن الخطر الأكبر ليس في العدو الذي يهاجم، بل في حالة الخدر التي تصيب المراقب؟
في النهاية، تبقى اليقظة الفكرية والسياسية هي الرهان الحقيقي. وإذا كانت الشام اليوم في مرمى النار، فإن كرامة العرب كلها على خط النار، والسكوت في مثل هذه اللحظات لا يُفسَّر إلا كقبول ضمني بتغيير قواعد اللعبة إلى الأبد.