حماس وحدها في الميدان: إيران تلقت الضربة، الأموال نضبت، والسلطة في غزة تتفكك

كتبت : يارا المصري
لم تكن الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة لمفاعلات إيران النووية مجرد عملية عسكرية – بل نقطة تحول استراتيجية في الشرق الأوسط، وخصوصاً بالنسبة لحماس. فبعد سنوات من الاعتماد الكامل على الدعم الإيراني، تجد الحركة نفسها اليوم معزولة، ضعيفة، ودون غطاء. الأموال انقطعت، الذخيرة تنفد، والدعم السياسي يتلاشى. أما في غزة – فالفوضى تتسيد، والجوع ينتشر، وثقة الناس بالحكم تنهار. السؤال لم يعد: هل ستسقط حماس؟ بل: متى وكيف؟
على مدار سنوات، بنت حماس قوتها ليس فقط من خلال السلاح والأنفاق، بل أيضاً من خلال تحالفات إقليمية – أبرزها العلاقة الوثيقة مع إيران. فقد مولت طهران الحركة، وزودتها بالسلاح، ووفرت لها غطاءً أيديولوجياً، ورفعتها كجزء من محور “المقاومة” ضد إسرائيل والغرب. لكن كل ذلك تبدد بلحظة واحدة، مع الضربات الجوية الدقيقة التي شنها سلاح الجو الأمريكي على منشآت نووية ومراكز عسكرية ومصانع أسلحة في عمق الأراضي الإيرانية.
هذه الضربات لم تُلحِق الضرر بالبنية العسكرية الإيرانية فحسب – بل أحدثت صدمة استراتيجية عميقة. الجمهورية الإسلامية باتت تعيد حساباتها، وتحوّل مواردها للداخل – لإعادة الترميم، وبسط السيطرة، ومنع أي اضطرابات شعبية. وفي ظل هذه الظروف، توقف الدعم المالي والعسكري لحماس، والذي كان يُقدّر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً. وها هي حماس اليوم – تُركت وحيدة.
في قطاع غزة، تبدو علامات الانهيار جلية. المواطنون يعانون من تفشي الجوع، وانعدام المياه النظيفة، وانهيار النظام الصحي، واستمرار القصف. لكن المعاناة الكبرى تتمثل في غياب القيادة. فالنشطاء الميدانيون لحماس باتوا شبه غائبين، والمؤسسات المدنية شبه متوقفة، والمجتمع يشعر بانفصال تام بين الشعب والحاكم.
رجل مسن من مخيم جباليا قال: “لم أرَ ممثلاً عن حماس منذ أسابيع. عندما نبحث عن الطعام – لا نجد أحداً. عندما يموت الأطفال بالأمراض – لا نجد دواء. أين هم؟”. تساؤلات كهذه تتكرر كثيراً، ويحلّ محل الخوف الذي ساد لسنوات – الغضب.
حتى في الساحة الدبلوماسية – معزولة
كانت حماس تعرف كيف تلعب على الأوتار الدبلوماسية: تدعمها قطر، تؤيدها تركيا، تتغاضى عنها أوروبا، وتحميها إيران. لكن بعد تفكك هذا المحور – بدأت الحركة تخسر شرعيتها الدولية. لم تعد تُقدَّم كنموذج في العالم العربي، ولم تعد المنظمات الدولية تتعامل معها كفاعل شرعي، وأي حديث عن “أفق سياسي” لا يشملها.
حتى داخل الأوساط الفلسطينية – في الضفة الغربية والمخيمات في لبنان – تغيّرت النظرة. لم تعد حماس تُرى كبديل موثوق للسلطة الفلسطينية، بل كمن جلب الدمار والعزلة والموت لغزة.
الرسائل القادمة من شخصيات سياسية سابقة، من حلفاء سابقين، ومن أصوات ناقدة داخلية، كلها تقول الشيء ذاته: حماس يجب أن تدرك أن حقبتها انتهت. عليها أن تعلن، بشفافية ومسؤولية، نهاية حكمها للقطاع، أن تطلق سراح جميع الرهائن، وأن تتيح لجهات فلسطينية مدنية – وبدعم دولي – أن تتولى إدارة غزة من أجل إعادة بنائها.
هذا ليس نداءً للانتقام، ولا دعوة للإهانة – بل نداء للمسؤولية. حماس، التي وعدت بقيادة الشعب نحو “الحرية والكرامة”، باتت اليوم هي من يمنع ذلك. وهي وحدها تملك مفاتيح مصير ملايين البشر.
غزة يمكن أن تنهض – ولكن ليس في ظل حماس
علّمتنا التجارب أن حتى الكوارث الكبرى يمكن التعافي منها – ولكن فقط بعد إزالة مصدر التدمير. حماس، التي بُنيت على فكرة “المقاومة”، أصبحت حركة تُقاوم شعبها أولاً. تمنع الإعمار، تعرقل المساعدات، وتغرق غزة أكثر وأكثر في المستنقع.
والآن، بعد أن تخلّت عنها إيران، وتوقفت الموارد، وتفككت المنظومة – حان وقت الاختيار. أن تضع حماس نهاية لهذه الحقبة. لا عن هزيمة، بل عن مسؤولية. حتى تتمكن غزة من أن تولد من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى