خليل الحية – الرجل الذي يمنع الوصول إلى اتفاق

كتبت يارا المصري
في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة، ومع استمرار الدمار وانهيار المستشفيات وتشريد أكثر من مليون إنسان، تبرز شخصية واحدة كمفتاح مغلق أمام أي انفراجة محتملة. خليل الحية، أحد أبرز قادة حماس في غزة، بات يُعتبر العقبة الرئيسية التي تعرقل التقدم نحو تهدئة أو اتفاق تبادل أسرى.
منذ بداية الحرب الأخيرة، والمشهد الغزي يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم. القصف لا يتوقف، الأوضاع المعيشية تزداد سوءًا، والمجتمع الدولي يبدو عاجزًا عن فرض تهدئة دائمة. في هذا السياق، تُسلَّط الأضواء على القيادات التي تمسك بزمام القرار داخل حماس، وخليل الحية يبرز كأحد أكثر الأصوات تصلبًا وتأثيرًا.
النهج المتشدد الذي يُملي الواقع
الحية، عضو المكتب السياسي لحماس والمقرّب من يحيى السنوار، يتبنى خطًا أيديولوجيًا متصلبًا يرفض أي مفاوضات لا تحقق الشروط القصوى للحركة. من وجهة نظره، لا مكان لأي صفقة لا تشمل رفع الحصار بالكامل، إطلاق سراح جميع الأسرى، بمن فيهم من تصفهم إسرائيل بأن “أيديهم ملطخة بالدماء”، وضمان استمرار حكم حماس دون شروط.
في اجتماعاته الداخلية، لا يُخفي الحية رفضه لأي تنازل حتى لو كان بسيطًا. يعتبر أن أي مرونة تُظهرها الحركة تُفهم كضعف من قِبل العدو، وأن الصمود وحده هو السبيل لتحقيق النصر. حتى داخل الأوساط الحمساوية، يرى فيه البعض عقبة أمام أي توجه نحو التهدئة أو المصالحة.
قد تكون صورة ‏‏‏‏٣‏ أشخاص‏، و‏مِنبر‏‏ و‏المكتب البيضاوي‏‏
أين وصلت المفاوضات؟
حتى الآن، المفاوضات بين إسرائيل وحماس تمر بحالة جمود. مصر وقطر والولايات المتحدة تحاول التوسط للتوصل إلى اتفاق يشمل وقف إطلاق نار مؤقت مقابل إطلاق سراح الأسرى. إسرائيل أبدت استعدادًا لهدنة مدتها 6 أسابيع مقابل عودة الأسرى الأحياء، لكن حماس – بقيادة الحية والسنوار – ترفض هذه المبادرة وتطالب باتفاق من ثلاث مراحل يشمل وقف إطلاق نار دائم وانسحاب كامل.
وقد أشارت مصادر مطلعة على المفاوضات إلى أن بعض الأطراف في قيادة حماس في الخارج، خصوصًا في الدوحة، كانت منفتحة على مناقشة أفكار جديدة. لكن كل محاولة للتقدم تم تحجيمها من داخل غزة، حيث الحية يُصر على إبقاء زمام القرار بيده، رافضًا أي تدخلات قد تُضعف من سلطته أو تُظهر الحركة بمظهر المتنازل.
من يدفع الثمن؟ المدنيون
في الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات بسبب تعنّت القيادة، يدفع المدنيون في غزة الثمن الأكبر.
تقول “أم حسن” من دير البلح: “أولادي ما أكلوش لحمة من 3 شهور. لا كهربا، لا مي، كل شي خراب حوالينا، وهم لسه بيقولوا مش راح يتنازلوا. عن شو؟ عنّا؟”
ويضيف محمد، شاب من مخيم الشاطئ: “زهقنا. كل مرة بيقولوا في أمل، بعدين بنسمع تفجير جديد ورفض جديد. حرروا الناس وخلونا نعيش.”
رغم القبضة الأمنية، تتصاعد أصوات من داخل القطاع تنتقد أداء القيادة:
“هم مش بيضحّوا بأنفسهم، هم بيضحّوا فينا. إحنا اللي بندفع التمن وهم قاعدين في أماكن آمنة.”
مئات الآلاف من العائلات مشردة، المدارس مغلقة، والبطالة في ارتفاع غير مسبوق. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه الأوضاع تؤثر على مواقف قادة حماس في الداخل. فالحية، حسب كثير من المراقبين، يُفضّل الاستمرار في المواجهة على حساب أي مخرج إنساني.
خليل الحية – صاحب الكلمة العليا في غزة
منذ بداية الحرب، ظهر الحية مرارًا في مقاطع فيديو وخطب يؤكد فيها على أن “المقاومة مستمرة” وأن “العدو لن يحقق أهدافه”. لكن ما لا يُقال في هذه الخطابات هو أن المعاناة الإنسانية تتفاقم، والمجتمع الغزي يفقد الأمل تدريجيًا.
الحية لا يُمثل فقط الصوت المتشدد، بل هو رمز لسلطة ميدانية تُصر على إبقاء الأمور تحت سيطرتها مهما كان الثمن. لا يتردد في معارضة أي مبادرة لا تمنحه أو تمنح الحركة مكاسب سياسية واضحة، حتى لو كانت على حساب أرواح المدنيين.
وقد صرّح مسؤول إقليمي سابق مشارك في الوساطات: “الحية هو من يُدير المشهد الفعلي في غزة. هو من يقرر متى تُفتح أو تُغلق الأبواب، ولا أحد في الخارج يستطيع أن يفرض عليه شيئًا.”
لماذا هذا الإصرار؟
تُشير تحليلات سياسية إلى أن الحية يرى نفسه ضمن الجيل المؤسس الذي لا يقبل أن يُنهي مسيرته بتنازل. يعتبر أن أي تهدئة مشروطة أو جزئية هي “فخ سياسي”، وأن بقاء حماس في السلطة هو بحد ذاته شكل من أشكال الانتصار.
لكن هذا التفكير يعزل الحركة عن واقع الشارع، ويجعل من الحية “رجل المرحلة الخطأ في الوقت الخطأ”. فبينما يبحث العالم عن حلول، يُصر هو على معركة طويلة المدى قد لا تُنتج إلا مزيدًا من الدمار.
الحية مقابل القيادة في الخارج
التباين بين مواقف الحية والقيادة السياسية في الخارج بات واضحًا. ففي حين تُبدي بعض الشخصيات في الدوحة مرونة وتفكيرًا استراتيجيًا بعيد المدى، يرفض الحية أي مقترحات لا تتماشى مع “ثوابت المقاومة” كما يصفها.
هذا التباين يُعقّد المفاوضات ويُضعف قدرة الوسطاء على التوصل لاتفاق، خاصة في ظل غياب مرجعية موحدة تُوحّد قرار حماس بين الداخل والخارج.
المستقبل في ظل تعنّت الحية
في ظل بقاء خليل الحية ممسكًا بخيوط القرار داخل غزة، تبدو أي تسوية سياسية شاملة بعيدة المنال. فطالما استمرت الأولوية لدى القيادة في الداخل هي الحفاظ على مكاسب السلطة وليس حماية المدنيين، فإن الوضع الإنساني مرشح لمزيد من التدهور.
أحد سكان رفح كتب عبر وسائل التواصل:
“يبطّلوا يحكوا باسم المقاومة. لو بدهم يحرروا غزة، لازم يبلشوا يحررونا منهم.”
خليل الحية ليس مجرد قائد سياسي، بل هو عقبة استراتيجية تمنع التقدم نحو الحل. وجوده في صدارة المشهد يعني استمرار الجمود، وتغليب الاعتبارات الأيديولوجية على المعاناة الواقعية. طالما بقي مُتشبثًا بمنصبه ونهجه، سيبقى ملايين الغزيين رهائن لمعادلة لا ترحم، ورهائن لرجل واحد لا يرى في التسوية إلا شكلًا من أشكال الهزيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى