خبير أمن قومي: أسلحة مصر السرية غيّرت ميزان القوى في المنطقة

أكد المستشار الدكتور طارق منصور، خبير استراتيجيات الحرب والأمن القومي، أن مصر تتبنى حاليًا سياسة مدروسة تقوم على تنويع مصادر تسليحها، بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة أو روسيا، في خطوة وصفها بأنها “خيار استراتيجي” نابع من دروس الماضي ومن التحولات الجيوسياسية المتسارعة إقليميًا ودوليًا.
وأوضح منصور أن مصر عانت في محطات تاريخية عديدة من القيود المفروضة على صفقات التسليح، خاصة من جانب الولايات المتحدة، التي استخدمت أكثر من مرة “كروت الضغط” بتعليق المساعدات العسكرية أو تأخير شحنات قطع الغيار والذخائر، بسبب اعتبارات سياسية أو اختلافات حول ملفات داخلية. هذا الواقع، بحسب منصور، كشف عن ثغرة خطيرة في منظومة الأمن القومي، حيث إن الاعتماد على مصدر واحد يجعل القرار العسكري رهينة لإرادة خارجية قد لا تراعي المصالح الوطنية المصرية.
وأضاف أن المخاطر تعززت مع لجوء بعض الدول الكبرى إلى استخدام تقنية “مفاتيح تعطيل الأسلحة” (Kill Switch)، وهي أنظمة إلكترونية مدمجة تسمح للدول المصنعة بإيقاف تشغيل أو تعطيل الأسلحة عن بُعد، بحجة منع إساءة استخدامها. إلا أن الواقع، كما أشار، يُظهر أن هذه المفاتيح أصبحت أداة ضغط جيوسياسي تُستخدم لإعادة تشكيل سلوك الحلفاء وفرض شروط سياسية عليهم، كما ظهر جليًا في الأزمة الأوكرانية.
كما أشار منصور إلى أن الدول المصدّرة للسلاح تفرض قيودًا قانونية صارمة على صفقاتها، تشمل حظر استخدام السلاح ضد المدنيين، منع إعادة تصديره لطرف ثالث، وتفعيل آلية “مراقبة نهاية الاستخدام” (End-Use Monitoring)، والتي تفرض رقابة ميدانية وتقارير دورية لضمان الالتزام بالشروط.
مصر تتجه نحو الاكتفاء والتعاون مع قوى جديدة
في مواجهة هذه المعطيات، شرعت مصر في تعزيز قدراتها الذاتية بصناعة بعض أنواع الأسلحة، إلى جانب توسيع شبكة شركائها في مجال التسليح. فإلى جانب روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، اتجهت القاهرة بشكل متزايد إلى الصين، التي أصبحت شريكًا استراتيجيًا عسكريًا واقتصاديًا.
وشهدت السنوات الأخيرة توقيع مصر صفقات مهمة مع الصين، شملت طائرات مقاتلة متطورة مثل J-10S وJ-20 الشبحية، بالإضافة إلى طائرات التزود بالوقود YU-20، وطائرات الإنذار المبكر KJ-500، وغيرها من الأنظمة الدفاعية المتقدمة. وقد ظهرت هذه الأسلحة لأول مرة في مناورات “نسور الحضارة” المشتركة بين مصر والصين، والتي اعتُبرت مؤشرًا واضحًا على تحولات عميقة في توازن القوى بالمنطقة، ما دفع إسرائيل إلى مراجعة استراتيجياتها العسكرية، بحسب منصور.
لماذا تعمّق مصر شراكتها مع الصين؟
يعدد الخبير الاستراتيجي عدة أسباب رئيسية لهذا التوجه المصري نحو الصين:
1. غياب الشروط السياسية:
الصين لا تفرض إملاءات سياسية أو اشتراطات حقوقية على صفقاتها العسكرية، مما يمنح الدول المستوردة حرية كاملة في استخدام السلاح بما يخدم مصالحها.
2. تكنولوجيا متطورة بسعر تنافسي:
التطور السريع في الصناعات الدفاعية الصينية، خاصة في مجالات الطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الجوي، يقدم بدائل قوية بأسعار أقل مقارنة بنظيراتها الغربية.
3. المرونة في التصنيع المشترك:
الصين أكثر استعدادًا لنقل التكنولوجيا أو إنشاء خطوط إنتاج محلية، وهو ما يتماشى مع طموحات مصر لتعزيز صناعاتها الدفاعية.
4. التكامل السياسي والاقتصادي:
الشراكة العسكرية المصرية-الصينية تأتي امتدادًا طبيعيًا لتقارب سياسي واقتصادي متصاعد بين القاهرة وبكين.
استقلال القرار العسكري المصري
رغم إدراك القاهرة أن تعميق التعاون مع بكين قد يثير حساسية بعض الشركاء الغربيين، خاصة الولايات المتحدة، إلا أن مصر تتحرك بمهارة في إدارة توازناتها الاستراتيجية، مستندة إلى سياسة تقوم على تنويع التحالفات لا استبدالها، وضمان استقلالية القرار الوطني.
واختتم منصور بالقول إن سياسة مصر الدفاعية الحديثة تقوم على بناء منظومة تسليح متطورة تشمل أسلحة سرية لا يتم الإعلان عنها، لتكون جاهزة لمواجهة التهديدات المتغيرة، مشددًا على أن هذا التوجه يعكس رؤية استراتيجية جديدة تهدف إلى حماية المصالح المصرية، بعيدًا عن التبعية لأي قوة خارجية.