جودة الحياة: جوهر المؤسسات التي تدوم

بقلم – سحر الزارعي
نستيقظ كل صباح ونتجه إلى العمل، نحمل أسماء وظائفنا، بطاقاتنا الرسمية، مهامنا اليومية، ومسؤولياتنا المتجددة. لكننا في العمق، لا نحمل كل هذا فقط… نحن نحمل أنفسنا أيضًا. نحمل قلوبنا المثقلة، عقولنا المتعبة، أحلامنا التي تتآكل بصمت، وأرواحنا التي تنتظر لحظة اعتراف، لحظة راحة، لحظة يُقال لنا فيها: “أنتم بخير… ونحن نراكم.”
في عمق كل مؤسسة، هناك حقيقة لا تُقال كثيرًا: أن الإنسان – كل إنسان – لا يستطيع أن يعطي بلا نهاية، ولا يمكنه أن يبني وهو من الداخل مهدوم. جودة الحياة في المؤسسات ليست رفاهية، بل ضرورة وجود. هي الهواء الذي نحتاجه لنواصل، لا لننجز فقط، بل لنحيا ونحن ننجز.
ليست جودة الحياة مجرد كرسي مريح، أو يوم ترفيهي، أو برنامج دعم نفسي. بل هي إحساس داخلي بأن هذه المؤسسة تحتويني لا تستهلكني، تسمعني لا تحاسبني فقط، تمنحني فرصة للنمو، حتى لو كنت لا أزال أتعلم كيف أكون.
نعم، وجود مستشار نفسي داعم أمر لا يُستغنى عنه، لكنه ليس وحده من يصنع التوازن. فالمستشار لا يمكنه أن يعوّض عن بيئة تفتقر إلى الرحمة، أو إدارة لا ترى الموظف إلا عند الخطأ. جودة الحياة أكبر من أي وظيفة… إنها ثقافة. وعي. التزام بأن من يعمل هنا ليس آلة. بل إنسان.
وأقول هذا، لا من موقع تنظيري، بل من مكان شخصي جدًا… أنا لست كاملة. وأعرف يقينًا أنني لست وحدي. كلنا فينا شيء مكسور، شيء خائف، شيء منهك. لكننا نواصل، لأن فينا أيضًا ما يريد أن يعطي، أن ينجز، أن ينتمي. لهذا، نحتاج إلى بيئة تقول لنا، دون خطابات طويلة: “نراك… ونحترم إنسانيتك.”
جودة الحياة ليست ترفًا مؤسسيًا.
بل هي أعمق من ذلك…
هي التزام بأن كل من في هذه المؤسسة يستحق أن يُعامل على أنه كائن حي، لا مجرد دور يُؤدى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى