أكبر مشكلة دبلوماسية بين الأقصر واليابان

لواء دكتور/ سمير فرج
بعد شهر من وصولي إلى الأقصر، كأول محافظ لها، حضر السفير الياباني للقاهرة لمقابلتي، فسعدت بالأمر، لما يجمعني باليابان من علاقات طيبة، منذ أن كنت رئيساً لدار الأوبرا المصرية، قبل تولي مسئولية الأقصر، عندما نجحت في إحدى زيارتي لليابان، من إقناع مسؤولي الجامعة اليابانية بتطوير أجهزة الإضاءة في دار الأوبرا، باعتبار اليابان هي الدولة التي مولت وأشرفت على بناء دار الأوبرا المصرية، وبالفعل، ساهمت هذه الجهود في تطوير كل أنظمة الإضاءة والصوت في الأوبرا.
وقبل وصول السفير الياباني للقائي، كنت قد وضعت خطوطاً لإشراك الجامعة اليابانية، هذه المرة، في خطة تطوير الأقصر، إلا أن السفير فاجأني بطلب صعب؛ فقد أرادت اليابان إقامة نصب تذكاري لشهداء العملية الإرهابية، التي وقعت في معبد الدير البحري بالبر الغربي، في 17 نوفمبر 1997، وراح ضحيتها عشرة يابانيين، من بين 58 سائحاً، كان من بينهم 6 سويسريين، و٥ إنجليز، و٣ ألمان، وعدد آخر من جنسيات مختلفة، ونفذ تلك العملية الغادرة 6 من عناصر الجماعة الإسلامية، وقد قُتلوا جميعاً.
وأكد السفير الياباني عن استعداد أهالي الضحايا اليابانيين، لتحمل تكاليف إقامة النصب التذكاري في مكان الحادث، مضيفاً أنه عرض نفس الطلب على كافة رؤساء مدينة الأقصر، الذين تعاقبوا على المنصب، منذ وقوع الحادث، إلا أنه لم يُنفذ حتى ذلك الوقت. فاقترحت على السفير، بدلاً من إقامة نصب تذكاري يُذكر السائحين بالحادث الإرهابي، أن يتم إنشاء مركز خدمي، يحمل اسماء الضحايا، ويقدم الخدمات لأهالي المنطقة. ففوجئ السفير بالمقترح، وطلب مني مهلة لحين عرضه على حكومة بلاده لدراسته. وبعد أسبوع، جاءت الموافقة من الحكومة اليابانية على إقامة مركز إرشاد سياحي في المنطقة، يقدم خدمات سياحية للقادمين، ويوفر فرص عمل لأبناء المنطقة، مع وضع أسماء الضحايا على مدخله.
وهنا واجهت العقبة الثانية، عندما اقترحت اليابان إقامة المركز على الطراز الياباني، وهو ما رفضته، رفضاً قاطعاً، للحفاظ على الهوية الفرعونية للمنطقة. وبعد جهد كبير، تمت الموافقة على أن يكون التصميم متماشياً مع الطراز الفرعوني للأقصر، وهو ما تم تنفيذه، بالفعل، مع تزويد المركز بأحدث الأنظمة، وأجهزة الاتصالات، والحواسب الآلية، التي ساعدت في تنظيم زيارة المناطق السياحية، مما جعل منه إضافة حقيقية للبنية التحتية السياحية في الأقصر.
وعند افتتاح المركز، حضرت أسر الضحايا، من اليابان، للمشاركة في الاحتفال، وتم تكريمهم بشكل خاص. وكان التأثير الإيجابي لهذا الحل واضحاً، حيث غادروا مصر وهم يشعرون بالسعادة والامتنان. وهكذا انتهت أكبر مشكلة دبلوماسية بين الأقصر واليابان بطريقة تحقق الفائدة للجميع.
Email: [email protected]