غزة على شفا الانفجار: تصاعد الغضب الشعبي ضد حكم حماس

كتبت يارا المصري
في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة في قطاع غزة، يخرج السكان إلى احتجاجات نادرة وغير مسبوقة ضد حكم حركة حماس. وتجد القيادة نفسها اليوم أمام معضلة صعبة: هل تلجأ إلى القمع العنيف مرة أخرى، أم تتجه نحو تسوية سياسية قد تقوض قبضتها على السلطة؟
لم تشهد غزة مثل هذه الاحتجاجات منذ سنوات. يوماً بعد يوم، يتزايد عدد المتظاهرين في شوارع القطاع، يائسين من الفقر والبطالة والدمار، ويوجهون أصابع الاتهام إلى قيادة حماس. تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر متظاهرين يطالبون بتغيير القيادة ويرددون شعارات غاضبة. “نحن جوعى، نحن نموت تحت الأنقاض!” صرخ محتجون غاضبون أشعلوا الإطارات وأغلقوا الشوارع – مشاهد نادرة في منطقة طالما تم فيها إسكات أي صوت معارض بقبضة من حديد من قبل حماس. الهتافات اليائسة مثل “كفى حروباً، نريد أن نعيش!” تعكس حالة انعدام الأمل والانفصال العميق بين الشارع الغزّي وحكم حماس.
الاحتجاجات الحالية تعكس حالة من البؤس غير المسبوق في غزة. الأزمة الاقتصادية في القطاع وصلت إلى مستويات كارثية: بعد سنوات من الحصار، وسوء الإدارة، وجولات القتال المدمرة، انهار الاقتصاد المحلي بالكامل تقريبًا. حتى قبل الحرب الأخيرة، كان ما يقرب من ثلثي سكان غزة تحت خط الفقر، والآن – مع الدمار الواسع – أصبحت المساعدات الإنسانية شريان الحياة الوحيد. خدمات الكهرباء والمياه والصحة بالكاد تعمل، ونسبة البطالة من بين الأعلى في العالم. ويتجلى الوضع الإنساني في نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية، حتى أن الأمم المتحدة حذرت مؤخرًا من مجاعة جماعية وشيكة. بالنسبة للكثيرين، أصبحت الحياة اليومية معركة من أجل البقاء – واقع يؤدي إلى إحباط وغضب متزايدين في الشارع.
“جيل كامل نشأ هنا بلا أفق ولا أمل”، يقول أحد المشاركين في الاحتجاجات. ويضيف أن الشباب في غزة لا يرون مستقبلاً: “لا عمل، لا مال، فقط فقر ومعاناة متواصلة”. مشاعر كانت تُقال همساً في الماضي خوفاً من بطش السلطة، تتفجر اليوم علناً. كسر حاجز الخوف مؤشر على عمق الأزمة: بعد ما يقارب 18 عاماً من حكم حماس بدون انتخابات، بات جزء كبير من السكان يحملون القيادة المعزولة مسؤولية الانهيار.
يقول أستاذ العلوم السياسية من غزة، البروفيسور هاني البسوس، إن “ما يحدث الآن ليس مجرد احتجاج عابر، بل تعبير عن فقدان الثقة بقدرة حماس على إدارة القطاع”. ويؤكد أن التدهور الاقتصادي المستمر والحصار الخانق جعلا من غزة “قنبلة موقوتة”. ومع تصاعد الغضب الشعبي، تتزايد الدعوات في الشارع لإنهاء حكم حماس.
حكم حماس في غزة ليس فقط فاشلاً – بل هو حكم دمر شعبه. تحت قيادتها، تم تفكيك الحياة المدنية في القطاع بشكل منهجي: اقتصاد ينزف، نظام تعليمي منهار، خدمات صحية مجمدة، وخوف دائم من القمع في كل زاوية. حوّلت حماس غزة إلى مكان بلا مستقبل – ليس بسبب عدو خارجي، بل بسبب سلطة داخلية هجرت شعبها واختارت طريق المواجهة الدائمة بدلًا من البناء. على مدى سنوات، اختارت القيادة الدمار بدل الأمل، والمواطنون هم من يدفعون الثمن. هذه ليست أزمة عابرة، بل فشل عميق ومتواصل لقيادة فقدت الصلة تمامًا بواقع وآلام شعبها.
حماس أمام معضلة: القمع أو التسوية
أمام العاصفة المتصاعدة في الشوارع، تجد حماس نفسها أمام خيارين خطيرين:
القمع بالقوة: يمكن لحماس أن تحاول قمع موجة الاحتجاجات بقبضة حديدية، من خلال استخدام العنف والاعتقالات – كما فعلت في السابق. وتشير تقارير من غزة إلى أن أجهزة الأمن التابعة لها، بعضها بلباس مدني، قامت بالفعل بتفريق متظاهرين واعتقلت عدداً منهم. لكن هذا النهج ينطوي على خطر كبير: فالقمع العنيف قد يؤدي إلى تفاقم الغضب الشعبي ويشعل احتجاجات أوسع وأكثر عنفًا. كثيرون في غزة لم يعودوا يخشون التعبير عن رأيهم، وإذا استخدمت حماس العنف ضد هؤلاء المحبطين، فإنها قد تفقد آخر ذرة من شرعيتها، وتدفع القطاع نحو فوضى داخلية خطيرة.
التسوية السياسية: الخيار الآخر هو الاتجاه نحو تسوية وحوار – سواء عبر تشكيل حكومة مدنية جديدة أو من خلال تقديم تنازلات جوهرية على صعيد السياسة الداخلية. من الناحية النظرية، هذا الخيار قد يخفف الضغط الشعبي ويوفر بعض التهدئة الإنسانية، لكنه يتعارض مع طبيعة قيادة حماس. فبعض كبار قادتها يرفضون تمامًا أي حديث عن التنازلات، ويرون في ذلك تهديدًا مباشرًا لبقائهم في السلطة. بالنسبة لهم، الدخول في عملية سياسية حقيقية يعني الاعتراف بالفشل وتقويض سيطرتهم. وهناك أيضًا مخاوف من أن أي انفتاح على التغيير قد يؤدي إلى إخراجهم من الحكم – إما عبر انتخابات أو من خلال انتفاضة شعبية.
ما من شك أن مكانة حماس في غزة تتآكل تحت وطأة الغضب الشعبي المتزايد. بعد قرابة 18 عامًا من الحكم المتواصل، تواجه الحركة أصعب اختبار لبقائها. الخيار بين القمع العنيف والتنازل السياسي المؤلم هو اختيار بين طريقين يؤديان إلى تراجع كبير – وربما إلى نهاية حكمها. بالنسبة لسكان غزة المنهكين، تبدو هذه اللحظة وكأنها مفترق طرق مصيري: هل يستمر دوّار الفقر والقمع والصراعات، أم تُفتح نافذة لأمل جديد؟
ما هو مؤكد – أن هذه الاحتجاجات لن تتلاشى. إذا اختارت حماس الاستمرار في التجاهل والتخويف، فإن مظاهرات أخرى، أوسع وأكثر جرأة، قادمة لا محالة. الغضب في الشارع لم يعد موجة عابرة – بل هو صوت واضح لجيل كامل ينهض ويطالب بمستقبل مختلف. غزة اليوم تقف على أعتاب تحول تاريخي، حيث الغضب الشعبي وسلسلة الإخفاقات في إدارة الحياة اليومية يشكلان لحظة مفصلية قد تعيد رسم مستقبل القطاع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى