التحكيم بين المزايا والتحديات في عالم الأعمال

 

بقلم : ياسر بن عبدالعزيز المسعود

مؤسس  تقاضي العالمية للمحاماة والاستشارات القانونية

 

      التحكيم هو اتفاقٌ بين الأطراف على إحالة نزاعهم إلى مُحكِّمين بدلًا من اللجوء إلى القضاء العادي. ويقدم هذا المقال تحليلًا للتحكيم بوصفه وسيلةً فعّالةً لحلّ المنازعات بشكل عام والمنازعات التجارية على وجه الخصوص، مع تناول مزايا وعيوب هذه الوسيلة. والهدف من هذا التحليل تمكين الأطراف المتنازعة من اتخاذ قراراتٍ مستنيرة باللجوء إلى التحكيم.

مزايا التحكيم:    

  • آلية فورية وسريعة للفصل في النزاعات

يُعدّ التحكيم إجراءً فوريًّا وسريعًا وفعالًا للفصل في النزاعات، حيث يبدأ بسماع الأطراف وبحث النزاع فورًا بعد تعيين المحكِّم، دون التقيد بإجراءات التقاضي ومواعيده أو تطويل في الإجراءات الشكلية أو إحالة القضية إلى جهات عديدة؛ فهي تُعالج بسرعة من خلال هيئة تحكيم واحدة، مما يسمح بحسم بعض القضايا في غضون أسابيع أو أشهر معدودة، مقارنةً بالتقاضي العادي الذي قد يستغرق وقتًا أطول بكثير.

  • أداة سلمية:

يتميّز التحكيم بطابعه السلمي، بوصفه وسيلةً للحلّ الوديّ للنزاعات، حيثُ يعتمد على قبول الأطراف لرأي مُحكِّمٍ يحظى بثقتهم، مما يوجِد جوًّا من الودّ والإيجابية، على عكس اللجوء إلى القضاء الذي قد يُصاحبه بعض الخصومة والندية والعداء.

  • السرية:

على عكس الإجراءات القضائية بشفافيتها العَلنية، يُعدّ التحكيم من الوسائل الفعّالة لحماية السرية في المنازعات؛ فلا يجوز لغير الأطراف الاطّلاع على إجراءات التحكيم أو نشر أحكامه، مما يُلبّي متطلبات الخصوصية.

  • الحياد:

يُعد التحكيم أفضل وسيلة للدول وشركاتها لحلّ المنازعات التجارية؛ لأنه يُجنّبها الخضوع لقضاء دولة أخرى حفاظًا على سيادتها.

ويتجلى الحياد في التحكيم في حرية اختيار الـمُحكِّم وتحديد طريقة ووقت ذلك، مع حقّ الأطراف في طلب رده في حالة الشكّ في حياديته أو جديته في إتمام المهمة الموكلة إليه.

  • المرونة:

تتميز إجراءات التحكيم بالمرونة في تحديد القانون الواجب التطبيق، وأساليب الإثبات، والمواعيد، ومدة نظر الدعوى، واللغة المستخدمة.

  • تشجيع الاستثمار:

يُعد التحكيم عاملًا جوهريًّا في تشجيع الاستثمار؛ إذ يُفضل المستثمرون اللجوء إليه لتجنب تحديات تنوع الأنظمة القانونية بين الدول، ولتحقيق قدر أكبر من المرونة والخصوصية في حل النزاعات، مما يعزز ثقتهم في بيئة الاستثمار ويُوفر لهم مسارًا متوازنًا وعادلًا لحماية مصالحهم.

تحديات التحكيم:
    تقابل مزايا التحكيم المشار إليها بعض التحديات، أهمها:

  • التكلفة:

     يُعَدّ التحكيم إجراءً مكلفًا في بعض الأحيان؛ حيثُ تتزايد رسوم التحكيم وأجور المحكمين، مما يزيد من التكلفة الإجمالية.

  • الرقابة:

يُعاني التحكيم، خاصةً في مراحله الأولى، من نقص في الرقابة على أحكام المحكِّمين، مما يُمكن أن يُؤدي إلى انحرافات صعب كشفها أو معاقبتها. ويُتوقّع تحسُّن هذا الوضع مع ترسيخ التحكيم وتطوّر الإدارات والمراكز المختصة بضمان سلامة تنفيذه.

  • التحكيم نهائي غير قابل للاستئناف:

يُعد التحكيم، وفقًا لأنظمته، إجراءً نهائيًّا غير قابل للاستئناف موضوعيًا. وبينما تُعدّ هذه الخاصية ميزة في بعض الأحيان، فإنها تُشكّل مخاطرة في القضايا المُهمّة؛ فقد يَصدُر حكمٌ قاصرٌ أو مَعيبٌ يوجب استئنافه، لكن يتعذر تداركه بسبب صفة الحكم النهائية غير القابلة للاستئناف.

  • عدم موضوعية بعض المحكمين وعدم درايته أو كفاءته اللازمة:

يُعَدّ عدم امتلاك بعض المحكمين للدراية والخبرة الكافية، أو انحيازهم إلى أحد الأطراف، من أبرز عيوب التحكيم، مما يُمكن أن يُؤدّي إلى قرارات غير عادلة أو مُنصفة.

  • افتقار بعض المحكمين للمهارة القضائية:

يمتلك القضاة، بسبب كثرة ممارستهم وتدريبهم المستمر، مهاراتٍ قضائيةً وخبراتٍ واسعة أعلى من بعض المحكِّمين في بعض الأحيان، مما يؤثر على جودة أحكام التحكيم.

ختامًا:

 يُظهر تحليلنا أن التحكيم يوفر حلولًا فعّالة للنزاعات، متفوقًا في السرعة والسرية والمرونة. ومع ذلك، لا بد من معالجة تحدياته المتعلقة بالتكلفة ونقص الرقابة واحتمالية عدم موضوعية بعض المحكمين وغيره؛ لذا، فإنّ ضمان عدالة التحكيم يعتمد بشكل كبير على اختيار الأطراف لمحكمين أكفاء وذوي خبرة، مع فهم دقيق لمزاياه وعيوبه، وقد سبقت المملكة برؤيتها (2030) العديد من الدول في تفعيل وسن التشريعات اللازمة وإنشاء مراكز التحكيم والانضمام إلى الاتفاقيات العالمية الداعمة، مما جعلها في مصاف الدول المتقدمة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى