الطالب وعصف الاندفاع  .. طاقة مهدورة أم موهبة تحتاج إلى توجيه وصقل؟

 

بقلم الدكتورة/هدى سعيد الدهماني

قائدة تربوية،

لا تخلو رحلة التعلّم من تحدياتها، ولعلَّ من أبرز منعطفاتها كيفية التعامل مع الطلاب المتحمسين، إذ يقف المعلم أمام معادلة دقيقة تتطلب بصيرة نافذة وصدرًا رحبًا. فالتفاعل مع هذه الفئة من الطلاب لا يكون قسرًا ولا زجرًا، بل فهمًا عميقًا لخفايا نفوسهم وما يحفز سلوكهم من عوامل نفسية واجتماعية، ليكون المعلم بذلك مرشدًا يُهذب لا رقيبًا يُعاقب، ويدًا تمتد إصلاحًا لا قمعًا..

ففي كلِّ صفٍّ دراسيٍّ،  يصادفنا ذلك الطالب الذي يبدو وكأنه في حالة تحدٍّ دائمٍ للقوانين المدرسية، حيثُ يعمدُ إلى إثارة الفوضى، ومقاطعة المعلمين في الحصص الدراسية، محاولًا جذب انتباه الجميع بسلوكياته غير المتوقعة. لكن، هل تساءلنا يومًا عن الأسباب الحقيقية وراء هذا السلوك؟ هل هو مجرد محاولة للتمرد والبحث عن الاهتمام، أم أن هناك أبعادًا نفسية واجتماعية وتعليمية أعمق تستدعي الفهم قبل الحكم؟

تشير الدراسات التربوية والنفسية إلى أنَّ الاندفاع قد يكون تعبيرًا عن ذكاء مرتفع غير مستغل، أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، أو حتى نتيجة بيئة أسرية غير مستقرة. وهنا يأتي السؤال: هل ينبغي أن نعامل الطالب كثير الحركة كمصدر إزعاج يجب قمعه، أم كمصدر طاقة بحاجة إلى توجيه؟،  كما تُعدّ ظاهرة الشغب إحدى العوامل الرئيسة التي تمهِّد للانقطاع عن الدراسة والتعثر في مسيرتها، فهي كريحٍ عاتيةٍ تقتلع جذور التركيز، وتلقي بصاحبها في دوامة الفشل، ما لم تمتد إليه يد الرعاية والتوجيه بحكمة واحتواء.

ومن خلال مسيرتي المهنية كمعلمة،  و من ثَمَّ قائدة تربوية خاضت العديد من التجارب في الميدان التربوي و تعاملت معها بكل حكمة و حنكة و حزم، سأتطرق في مقالي هذا إلى تعريف الطالب كثير الحركة  والعوامل المؤثرة في سلوك  الاندفاع لدى الطلبة، و سألقي الضوء على بعض الدراسات التي تناولت السلوك  النشط غير المنضبط و الطالب كثير الحركة ( المندفع  )، ومن واقع خبراتي المهنية، أضع بين أيديكم منهجيات فعّالة للتعامل مع الطالب المشاغب، موجهة لكل فئة معنية بهذه المسؤولية؛ من إدارة المدرسة إلى المعلم، وصولًا إلى ولي الأمر، إيمانًا بأن التكامل بين هذه الأدوار هو المفتاح لصياغة بيئة تعليمية أكثر احتواءً وانضباطًا.

 

مَن الطالب كثير الحركة ” المندفع”؟

فالطالب كثير الحركة هو من يتسم بروحٍ متقدةٍ بالعناد، لا يلبث أن يبعثر النظام بفوضاه، كأنما يبحث بين زوايا التمرد عن صوتٍ . من  ينصتُ له أو احتواءٍ يهذب اندفاعه، حيث يسعى بشكل مستمر لجذب انتباه الآخرين، ونتيجة لضعف دافعيته للتعلم.  تجده  في مواجهة دائمة مع سلطة المدرسة والمعلمين  كم يسعى بغير وعيٍّ ، لإثبات وجوده بأساليب لا تعكس قدراته الحقيقية، بل تكشف  حاجته العميقة إلى التوجيه والاحتواء، مما يسبب اضطرابًا في سير الدروس وإرباكًا داخل الفصل. يتسم بشدة الانفعال ، والإكثار من مقاطعة المعلم أثناء الشرح، والميلُ  إلى الاستهزاء والسخرية وإثارة الفوضى بشكل متكرر. كما يظهر سلوكيات عدوانية تجاه زملائه، وتكون ردوده حادة وقاسية. وأحيانًا يُلاحظ عليه انحراف في السلوك، كالغياب المتكرر، والتأخر الصباحي، والهروب من الحصص الدراسية، وعدم الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف.

 

العوامل المؤثرة في سلوك كثرة الحركة والاندفاع لدى الطلاب:

أولًا: العوامل البيئية: تلعب  العواملُ البيئيةُ دورًا جوهريًّا في  تشكيل سلوك الطلاب،  ولا يمكن إغفال تأثير الفصول المزدحمة، وضعف التهوية، والإضاءة الخافتة، قد تخلق بيئة غير مريحة تدفع الطلاب إلى كثرة الحركة كطريقة للتنفيس عن الإحباط. كما أن تحسين ترتيب الفصل وتنظيمه بشكل يسمح بالحركة والتفاعل يمكن أن يسهم في الحد من هذه السلوكيات السلبية.

ثانيًا: العوامل الأسرية: تؤثر العوامل الأسرية بشكل كبير على تصرفات الطلبة داخل المدرسة. فالطلاب الذين ينشؤون في بيئات عائلية يسودها التوتر، أو يعانون من غياب الدعم العاطفي، وقد يعبرون عن مشاعرهم المضطربة من خلال السلوك المندفع ومن هنا يصبح توفير بيئة مدرسية داعمة نفسيًا أمرًا ضروريًا لمساعدتهم على التكيف وتقليل التصرفات غير المرغوبة.

ثالثًا: العوامل النفسية: تعتبر العوامل النفسيّةُ عنصرًا أساسيًّا في تفسير سلوكيات كثرة الحركة و الاندفاع فالطلبة الذين يعانون من اضطرابات مثل فرط الحركة، وضعف التركيز، أو صعوبات التعلم، غالبًا ما يجدون مشقّةً في التزام الهدوء والتفاعل الإيجابي داخل الصف. وليس من الإنصاف النظر إلى هذه السلوكيات بوصفها مجرد تحديات تُقابل بالعقاب، بل ينبغي قراءتها كإشارات تستدعي التفهّم والتدخل التربوي الواعي، من خلال تبني أساليب تعليمية مرنة تراعي الفروق الفردية، وتفتح لهم أبواب التعلم بأساليب تتناغم مع احتياجاتهم.

رابعًا: العوامل الاجتماعية: للعوامل الاجتماعية  تأثير واضح على سلوك الطلاب في الفصول الدراسية. فالطلاب الذين يفتقرون إلى تفاعلات اجتماعية إيجابية مع زملائهم ومعلميهم قد يلجؤون إلى كثرة الحركة وعدم الانضباط كوسيلة للتواصل، حتى لو كان ذلك بشكل غير مناسب. لذلك، فمن الضروري أن تركز المدرسة على تنمية المهارات الاجتماعية وتعزيز العمل الجماعي، مما يساعد في توجيه سلوك الطلاب نحو التفاعل الإيجابي وتقليل النزعات المشاغبة.

دراسات تناولت سلوك الطالب كثير الحركة وأسبابه:

  1. يُعد السلوك النشط غير المنضبط في الصف الدراسي من القضايا التربوية التي نالت اهتمام الباحثين في مجال التعليم وعلم النفس، حيث رأوا تأثير سلوك الطلاب ذوي الطاقة العالية على البيئة التعليمية ومستوى التحصيل الدراسي للطلاب الآخرين. وقد تناولت العديد من الدراسات هذا الموضوع من زوايا مختلفة، محاولِة تحديد أسباب كثرة الحركة و الاندفاع لدى الطلبة وأساليب التعامل معه والنتائج المترتبة عليه:
  2. دراسة إيمان عبده حافظ : (2005):  هدفت هذه الدراسة إلى استكشاف الدوافع المؤدية إلى ظاهرة الاندفاع في المدارس الإعدادية بمحافظة الغربية، والسلوكيات المعبرة عنها، وانعكاساتها على العملية التعليمية من منظور المعلمين. اعتمدت الدراسة على  المنهج الوصفي، مستنطقةً آراء نخبة من معلمي ومعلمات المرحلة الإعدادية.  لتكشف أنَّ الشغب ليس وليد الصدفة بل نتاج عوامل متداخلة تتأرجح بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والإعلامية والنفسية، مشكلةً بذلك لوحة معقدة تحتاج إلى تأمل ومعالجة حكيمة.
  3. دراسة محمد كمال أبو الفتوح (2002): سلطت هذه الدراسة  الضوء على بعض المتغيرات المرتبطة بسلوك كثرة الحركة لدى طلاب  المرحلة الثانوية. مستقصيةً مدى انتشاره وتجلياته المختلفة ، وعلاقته ببعض العوامل المؤثرة. اعتمدت هذه  الدراسة المنهج الوصفي، مستهدفةً  عينة قوامها 811 طالبًا وطالبة في محاولة لفك رموز هذا السلوك، والكشف عن أبعاده العميقة التي تتشابك مع واقع المراهقة وتحدياتها.
  4. ففي دراسة حول تأثير الظروف الاجتماعية الأسرية على ظهور السلوك غير المنضبط عند التلاميذ (2019): تناولت هذه الدراسة تأثير البيئة الأسرية والظروف الاجتماعية على السلوك غير المنضبط لدى التلاميذ. حيث كشفت النتائج أن بعض الطلاب يلجؤون إلى المشاغبة كردّ فعل على العنف الأسري. أو نتيجة للضغوط المعيشية التي تتطلب منهم العمل بجانب الدراسة. مما يجعل سلوك التحمّس وكثرة الحركة تعبيرًا غير مباشر عن معاناة صامتة تبحث عن متنفّس.
  5. دراسة حول أسباب السلوك غير المنضبط في الصف: ففي دراسة أجرى  بها سكينر وبيلي (2018) بحثًا على مجموعة من المدارس الثانوية في الولايات المتحدة، سعى الباحثان إلى سبر أغوار العوامل التي تدفع الطلاب إلى انتهاج السلوك الغير منضبط داخل الصفوف الدراسية. وقد توصلت الدراسة إلى أن أبرز أسباب الاندفاع تتجلى في:
  • الرغبة في جذب الانتباه من الزملاء أو المعلمين.
  • عدم وجود دافع للتعلم بسبب الملل أو ضعف المناهج.
  • المشكلات الأسرية والاجتماعية التي تؤثر على استقرار الطالب النفسي.
  • عدم وضوح القواعد السلوكية داخل الصف أو ضعف تطبيقها من قبل المعلم.
  • وقد أوصت الدراسة بضرورة بناء علاقات إيجابية بين المعلم والطلاب، وتحسين أساليب التدريس لتكون أكثر فاعلية وجاذبية، مع تعزيز الإرشاد النفسي للطلاب الذين يعانون من مشكلات سلوكية.
  1. دراسة أُجريت حول تأثير السلوك غير المنضبط الاندفاعي في الصف على التحصيل الدراسي: ففي دراسة أجرتها جامعة كامبريدج (2020) حول تأثير السلوك غير المنضبط في الصف على مستوى التحصيل الأكاديمي، تم تحليل بيانات أكثر من 1,500 طالب من مدارس مختلفة في أوروبا. توصلت الدراسة إلى أن وجود سلوكيات مشاغبة داخل الفصل يؤدي إلى:
  • انخفاض في التحصيل الدراسي بنسبة 20-30% لدى الطلاب المتأثرين بالشغب.
  • زيادة مستوى القلق والتوتر لدى الطلاب المجتهدين بسبب الإزعاج المستمر.
  • ضعف التفاعل الصفي نتيجة لتشتت انتباه المعلم وجهوده في ضبط الصف بدلاً من التركيز على الشرح.
  • حيثُ أوصت الدراسة بضرورة تطوير سياسات انضباطية واضحة وتوفير تدريب للمعلمين حول كيفية التعامل مع الطلاب ذوي الطاقة العالية المندفعين بطرق إيجابية دون التأثير على مستوى التدريس.
  1. دراسة حول استراتيجيات التعامل مع الطالب المندفع: أجرت منظمة اليونيسف (2021) بحثًا حول الأساليب الفعّالة لإدارة السلوك لدى الطلاب المشاغبين في المراحل الابتدائية والإعدادية، وتوصلت الدراسة إلى أنَّ الاستراتيجيات الأكثر نجاحًا في الحد من سلوك الشغب داخل الصفوف الدراسية تشمل:
    • استخدام التعزيز الإيجابي، مثل مكافأة الطلاب الذين يظهرون تحسنًا في سلوكهم.
    • توفير أنشطة صفية تفاعلية تقلل من فرص الشعور بالملل وتحفّز الطلاب على المشاركة الإيجابية.
    • تعزيز التواصل بين المعلمين وأولياء الأمور لمعالجة المشكلات السلوكية مبكرًا.
    • تدريب المعلمين على مهارات ضبط الصف بأسلوب تربوي، بدلاً من اللجوء إلى العقوبات القاسية التي قد تزيد من عناد الطالب.
  2. دراسة حول العلاقة بين بيئة المدرسة وسلوك الطلاب كثيري الحركة : ففي بحث نشرته جامعة هارفارد (2022)، تمت دراسة تأثير بيئة المدرسة على معدلات الشغب بين الطلاب. وقد أظهرت النتائج أن:
    • فالمدارس التي توفر بيئة صفية تفاعلية وداعمة يكون فيها معدل السلوك الغير منضبط أقل بنسبة 40% إذا ما قارنّاها بالمدارس التي تعتمد على الأساليب التقليدية في التدريس.
    • إنَّ توفير برامج للدعم النفسي والتربوي داخل المدارس يسهم في تهذيب السلوك وتقليل مظاهر الشغب، فكم من طالب أرهقته الضغوط النفسية ولم يجد من يواسيه أو يرشده، فتجلّت معاناته في صورة شغب كان بالإمكان أن يُروَّض بالحوار والاحتواء.
    • للقيادة المدرسية له دورٌ كبيرٌ في ضبط سلوك الطلاب، إذ أن المدارس التي تعتمد على التعاون بين الإدارة والمعلمين والطلاب تشهد انضباطًا أفضل مقارنة بالمدارس التي تعتمد على العقوبات الصارمة فقط.

حيثُ تشير الدراسات إلى أنَّ الاندفاع في الصف مشكلة متعددة الأبعاد، تتأثر بعوامل شخصية، أسرية، ومدرسية. كما تؤكد الأبحاث أنَّ أساليب التعامل الفعالة تعتمد على التواصل الإيجابي، والتفاعل الصفي، ودعم الطلاب نفسيًا وتربويًا، بدلاً من اللجوء إلى العقوبات فقط. ومن هنا، يبرز دور المعلمين والإدارات المدرسية في توفير بيئة تعليمية آمنة ومحفزة تقلل من السلوكيات السلبية وتعزز التعلم الفعّال. وتبني استراتيجيات تربوية شاملة تشمل التعاون بين المدرسة والأسرة والمجتمع.

دور المدرسة في التعامل مع الطالب الذي يتمتّع بذكاءٍ حركيٍّ:

المدرسة ليست مجرد صرحٍ لتلقين العلوم، بل هي واحةٌ  تربوية تُسهم في بناء شخصية الطالب وتصقل سلوكياته. وعندما يعكسُ أحد الطلاب سلوكًا مندفعًا، فإن دور المدرسة لا يقف عند حدود العقاب، بل يتجاوز ذلك إلى احتضانه بالتوجيه والتقويم، وفق منهجٍ علميٍّ وتربويٍّ واعٍ. فكيف لها أن تمتد بجسور الفهم والاحتواء لتعيد إليه اتزانه؟

  1. فهم الأسباب قبل اتخاذ الإجراءات

قد يكون السلوك غير المنضبط ناتجًا عن أسباب مختلفة، مثل:

  • أسباب نفسية أو عاطفية: كالشعور بالإهمال أو التعرض لمشكلات أسرية.
  • أسباب أكاديمية: قد يكون الشغب في أروقة المدرسة صدىً لحالة من الملل جراء غياب التحدي في المناهج، أو انعكاسًا لمعاناة يخلّفها تعقيد المفاهيم وصعوبة الفهم.
  • أسباب اجتماعية: كالرغبة في لفت انتباه الآخرين أو التأثر بأقرانه.

لذا، يتوجب على المدرسة أن تتبنى نهجًا تحليليًا عميقًا لفهم الأسباب قبل اتخاذ أي قرار. فالتأديب دون وعي حقيقي قد يتحول إلى وقودٍ يزيد من اشتعال المشكلة بدلًا من أن يكون وسيلةً لحلها.

  1. 2. تفعيل دور المعلمين في الاحتواء والتوجيه

فالمعلم هو الركيزة الأساسية في توجيه  سلوك الطلاب داخل الفصل، لذا يجب عليه:

  • استخدام أساليب تدريس تفاعلية تقلل من شعور الطالب بالملل وتبقيه مشغولًا بالإيجابية.
  • التعامل بحكمة وصبر وهدوء مع الطالب كثير الحركة ” المندفع ” وتجنب الاستفزاز أو الرد بأسلوبٍ قاسٍ.
  • تحفيز الطالب بدلًا من معاقبته دائمًا، وذلك من خلال تشجيعه عند تحسن سلوكه.
  • التواصل مع الأهل بانتظام لمعرفة العوامل الأسرية المؤثرة على سلوك الطالب.
  1. 3. خلق بيئة مدرسية جاذبة:

فالطالب كثير الحركة  قد يحمل في نفسه طاقةً هائلةً لكنه يفقد المكان المناسب لتفريغها، لذا يجب على المدرسة توفير:

  • أنشطة رياضية وفنية وثقافية تساعد في تفريغ طاقته بشكل إيجابي.
  • نظام تأديبي مرن وعادل، بحيث لا يشعر الطالب بأنه مستهدف بل مدعوم.
  • فرص قيادية داخل الصف، كتكليفه بمسؤوليات معينة لتحفيزه على تغيير سلوكه.
  1. 4. تطبيق استراتيجيات تعديل السلوك:

فبدلًا من اللجوء إلى العقوبات التقليدية، يمكن اعتماد أساليب أكثر فاعلية، مثل التوجيه البناء والتحفيز على المشاركة:

  • التعزيز الإيجابي: مكافأة الطالب على سلوكه الحسن، كمنحه امتيازات أو إشادة علنية..
  • التواصل غير المباشر: فبعض الطلاب لا يستجيبون للنصائح المباشرة، لكن يمكن التأثير عليهم عبر القصص أو التجارب الحياتية الملهمة.
  • تقنيات حل المشكلات: مثل الجلسات الإرشادية التي تعين الطالب على إدراك تأثير تصرفاته.
  1. 5. التعاون بين الإدارة والمعلمين والأهل:

لا ينبغي أن يكون التعامل مع الطالب المشاغب عبئًا فرديًّا، بل يتطلب تعاونًا وثيقًا بين المدرسة والأسرة.

الإدارة المدرسية: توفر بيئة دعم للمعلمين وتضع سياسات دقيقة وشفافة للتعامل مع الطلاب المندفعين.

المعلمون: على المعلمين تطبيق استراتيجيات تربوية متوازنة بين الحزم والاحتواء.

أولياء الأمور: يتعاونون مع المدرسة ويواكبون سلوك أبنائهم في المنزل.

الطالب المندفع اليوم قد يكون قائد الغد، إذا ما وُجهت طاقته بالشكل الصحيح.!

إذا ما تم توجيه الطالب المندفع بالشكل الصحيح، فقد يصبح شخصًا مبدعًا وطموحًا؛ لأنَّ الكثير من الشخصيات الناجحة كانت مندفعة متمتِّعةً بذكاءٍ حركيٍّ  في صغرها، مثل المخترع توماس إديسون، الذي طُرد من المدرسة بسبب تصرفاته لكنه أصبح أحد أعظم المبتكرين في العالم. إذن، هل نتعامل مع المشاغب كعبء، أم نساعده ليصبح طاقة إيجابية في المجتمع؟

دور المعلم في التعامل مع الطالب المتحمس:

يعد المعلم الأساس في العملية التعليمية، حيث لا يقتصر دوره على نقل المعرفة فقط، بل يمتد ليشمل توجيه الطلاب سلوكيًا وأخلاقيًا. ومن بين التحديات التي يواجها المعلمون في الصفوف الدراسية التعامل مع الطالب كثير الحركة، الذي قد يؤثر سلوكه السلبي على سير العملية التعليمية. لذلك، يحتاج المعلم إلى استراتيجيات فعالة لمعالجة هذا السلوك بأسلوب تربوي يحقق الانضباط دون الإضرار بنفسية الطالب.

استراتيجيات التعامل مع الطالب المندفع :

1-التواصل الفعّال والحوار الهادئ: يجب أن يكون المعلم مستمعًا جيدًا للطالب، ويحرص على مناقشته بهدوء لفهم دوافع سلوكه وتوجيهه بطريقة إيجابية.

2-تعزيز بيئة الاحترام داخل الصف: من المهم أن يشعر جميع الطلاب بالاحترام والتقدير، وذلك بوضع قوانين واضحة للسلوك داخل الفصل ومناقشتها مع الطلاب لضمان التزامهم بها.

3-استخدام التعزيز الإيجابي: فبدلاً من التركيز فقط على العقاب، يمكن تعزيز السلوك الجيد بمكافآت بسيطة مثل الثناء العلني، أو منح نقاط إيجابية، مما يشجع الطالب على تحسين سلوكه.

4-إشراك الطالب في الأنشطة الصفية: قد يكون الشعور بالتهميش أو عدم الاهتمام سبب المشاغبة ، لذا، يمكن للمعلم إشراك الطالب في الأنشطة التفاعلية، مثل العمل الجماعي أو تولي مسؤوليات داخل الصف.

 5-التعامل بحزم دون عنف: يجب على المعلم أن يكون حازمًا في ضبط النظام داخل الفصل دون اللجوء إلى الصراخ أو العقوبات القاسية التي قد تزيد من عناد الطالب وتفاقم المشكلة.

6-التعاون مع ولي الأمر: ففي بعض الحالات، يكون من الضروري إشراك ولي الأمر في حل المشكلة، من خلال التواصل معه بطرق إيجابية واقتراح حلول تساعد الطالب على تحسين سلوكه.

 7-اللجوء إلى المرشد الأكاديمي المهني: يمكن للمعلم التعاون مع المرشد الأكاديمي في المدرسة لتقديم الدعم المناسب للطالب.إذا استمر السلوك غير المنضبط وفقد المحاولات التربوية تقدمًا ونجاحًا.

فدور المعلم في التعامل مع الطالب المتحمس لا يقتصر على فرض العقوبات، بل يتطلب فهماً عميقًا لنفسيته، وصبرًا، وحكمة في توجيهه. من خلال التعامل التربوي الصحيح، حيثُ يمكنه جعل الطالب كثير الحركة فردًا إيجابيًا ومشاركًا في العملية التعليمية، مما يساهم في بناء بيئة صفية متوازنة تساعد على تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية.

دور ولي الأمر في التعامل مع الطالب المندفع “المتحمّس “:

لا يقتصر التعامل مع الطالب المندفع على المدرسة فقط، بل يمتد ليشمل الأسرة، حيث يلعب ولي الأمر دورًا محوريًا في تعديل سلوك الابن  وتحويله من مصدر إزعاج إلى طاقة إيجابية. فالأهل هم البيئة الأولى التي يتلقى فيها الطفل أسس التربية والتوجيه، ومن هنا يكون تعاملهم مع سلوك الشغب عاملًا حاسمًا في تغييره.

  1. 1. الفهم قبل العقاب:

يُعدُّالعقاب المباشر دون محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء شغب الطفل أحد أكبر الأخطاء التي قد يقع فيها بعض أولياء الأمور. ومن هنا يجب أن يسأل ولي الأمر نفسه:

  • هل يعاني الطفل من مشاكل نفسية أو اجتماعية تدفعه إلى هذا السلوك؟
  • هل يشعر بالإهمال أو قلة الاهتمام من الأسرة؟
  • هل يجد صعوبة في مواكبة المناهج الدراسية ويشعر بالإحباط؟
  1. 2. تعزيز التواصل والحوار المفتوح:

يحتاج الطالب المشاغب إلى الشعور بالأمان والثقة داخل أسرته، مما يستدعي  من ولي الأمر:

  • تخصيص وقت يومي للحديث مع الابن حول يومه الدراسي وسلوكياته داخل الصف.
  • تجنب أسلوب التوبيخ الدائم والتركيز على الاستماع له لمعرفة دوافع سلوكه.
  • تشجيعه على التعبير عن مشاعره وأفكاره بحرية، مما يساعده على إيجاد طرق بديلة للتعامل مع مشكلاته.
  1. 3. ترسيخ القيم والانضباط بطرق إيجابية:

، يمكن للأهل تطبيق استراتيجيات تساعد في تقويم السلوك بدلًا من استخدام العقوبات القاسية، مثل:

  • وضع نظام مكافآت وتحفيز: كتشجيعه عند تحسن سلوكه، حتى لو كان التغيير بسيطًا.
  • استخدام العواقب المنطقية بدلاً من العقوبات القاسية، كخفض وقت مشاهدة التلفاز عند عدم الالتزام بقواعد المدرسة، بدلاً من اللجوء إلى الصراخ أو الضرب.
  • تقديم القدوة الحسنة، فبما أن الطفل يتأثر بسلوك والديه، فإن إظهار الانضباط والتحكم في الأعصاب يعلمه كيف يتصرف بإيجابية.
  1. 4. التعاون مع المدرسة:

إنَّ ولي الأمر والمعلم شركاء في تربية الطفل، لذلك يجب أن يكون هناك تواصل مستمر بينهما من خلال:

  • حضور الاجتماعات المدرسية ومتابعة مستوى الطالب سلوكيًا وأكاديميًا.
  • الإصغاء لتوجيهات المعلمين وتطبيقها ارتقاءً بالسلوك ونماءً للذات.
  • المشاركة في الأنشطة المدرسية لتعزيز شعور الطفل بالانتماء وتحفيزه على التصرف بشكل أفضل.

الأسرة والمدرسة.. شراكة تهدي السلوك وتنير الدرب:

عندما يدرك ولي الأمر أن سلوك الاندفاع ليس مجرد تمرد، بل قد يكون نداءً لطلب الاهتمام أو الحاجة إلى بيئة تعليمية محفزة، سيصبح قادرًا على مساعدة طفله في التغلب على هذه السلوكيات. كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء. ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (فطرة الله التي فطر الناس عليها. وكما قال الفيلسوف جان جاك روسو: “الطفل يولد على الفطرة، وما يكونه لاحقًا يعتمد على التربية التي يتلقاها”. إذاً، هل نختار العقاب فقط، أم نوجههم لنصبح قادة المستقبل؟

رسائلي التربوية لكم:

أولًا: إلى الطالب المندفع:

كن طموحًا، واستثمر طاقتك في التعلم واكتشاف مواهبك. ولا تكن مصدر إزعاج لزملائك، فالاحترام مفتاح النجاح.

كن إيجابيًا، شارك بآرائك لكن بأسلوب راقٍ ومهذب. لا تكن مندفعًا، فالتصرف بذكاء أقوى من إثارة الفوضى.

كن قدوة حسنة، فحتى الطالب كثير الحركة يمكنه أن يصبح قائدًا ناجحًا، وما كثرة الحركة هذه إلا دليل على ذكائه . فلا تكن ممن يضيعون فرصهم بسبب سلوكيات غير مدروسة.

 

 

ثانيا: إلى المعلم:

تجمّل بالصبر، فاحتواء الطالب المندفع يسبق عقابه، وخلف كثرة حركته واندفاعه تخفي الحياة أوجاعًا تحتاج إلى تفهُّم. كن مُلهمًا، واجعل درسك عالمًا يجذب العقول والقلوب. لا تَأْسِرْ نفسك في التقليد، فالتعليم الحديث يفتح أبوابه للجميع. تواصل معه، افهم اهتماماته، ووجّهه لاستثمارها خيرًا. ولا تكن قاسيًا، فكلمة طيبة قد تُهذِّب أكثر من أشد العقوبات.

ثالثا: إلى إدارة المدرسة:

كونوا داعمين للمعلمين، وامنحوهم أدوات التعامل مع المشاغبين بحكمة . ولا تكونوا صارمين بلا حلول، فالتأديب وحده ليس كافيًا دون استراتيجيات علاجية. كونوا حريصين على خلق بيئة مدرسية جاذبة لجميع الطلاب، وليس فقط المتفوقين. لا تكونوا متجاهلين لمشكلات الطلاب، فكل سلوك غير منضبط له سبب يجب فهمه قبل معاقبته. وكونوا متعاونين مع أولياء الأمور، فنجاح الطالب هو مسؤولية مشتركة بين المدرسة والأسرة. ولا تكونوا معاقبين بلا توجيه، بل استثمروا في تحويل السلوكيات السلبية إلى إيجابية.

رابعا: إلى ولي الأمر:

كن منصتًا لطفلك، فقد يكون اندفاعه نداءًا صامتًا. لا تكن معاقبًا بلا تفهّم، فالعقاب بلا توجيه يؤجِّجُ التمرد بدلًا من تصحيح السلوك. كن قدوة حسنة، فالأبناء يقتدون بسلوكيات آبائهم أكثر مما يتبعون نصائحهم. لا تكن متساهلًا جدًا، فالتوازن بين الحب والحزم هو مفتاح التربية الناجحة. تواصل مع مدرسته، وكن حاضرًا في تشكيل شخصيته، فالأُسرة هي الجذر والأساس.

ختامًا: هل الطالب المشاغب مشكلة أم فرصة؟

قد يبدو الشغب مشكلة مزعجة، لكنه في الواقع قد يكون مؤشرًا على طاقة كبيرة بحاجة إلى توجيه صحيح. فهل نحن كمعلمين وأولياء أمور مستعدون لاكتشاف مواهب هؤلاء الطلاب بدلًا من معاقبتهم فقط؟ الإجابة تكمن في قدرتنا على رؤية الأمور من منظور جديد، حيث يمكن أن يكون المندفع اليوم قائد الغد إذا وجد من يؤمن به.

فالسلوك غير المنضبط  ليس دائمًا مشكلة، بل قد يكون مؤشرًا على طاقة كامنة تحتاج إلى توجيه. فهل نختار القمع، أم نحول المندفعين المتحمسين إلى قادة المستقبل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى