الاستعداد لرمضان بين الجدية والغفلة

بقلم – د. ناصر السلاموني رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية
يُقبل علينا شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وهو فرصة عظيمة لمن أراد أن يتقرب إلى الله ويحقق الغاية العظمى من الصيام، وهي التقوى. قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183).
ولكن للأسف، نجد أن البعض يستقبله استقبالًا خاطئًا، مما يُضيع بركته ويُفقده معناه الحقيقي.
الانشغال بالمسلسلات والمسرحيات وإضاعة الوقت
يُفترض أن يكون رمضان شهرًا للعبادة والتقرب إلى الله، لكنه أصبح عند البعض موسمًا للترفيه، حيث تُعرض المسلسلات والأفلام والمسرحيات وغيرها من الاحتفالات والفوازير التي تشغل الناس عن أداء العبادات، وتُلهيهم عن تلاوة القرآن والقيام والذكر. فبدلًا من أن يكون وقت المسلم موجهًا للطاعة، ينشغل بالسهر أمام الشاشات، ويضيع عليه الأجر والثواب.
وقد حذّر الله من الانشغال بلهو الحديث، فقال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُو۟لَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ (لقمان: 6).
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (الكهف: 103-104).
وقد قال أحد الشعراء في الحث على اغتنام الوقت في الطاعة:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ
حتى عصى ربّه في شهر شعبانِ
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما
فلا تُصيره أيضًا شهر عصيانِ
استغلال التجار ورفع الأسعار
يستغل بعض التجار حاجة الناس في هذا الشهر الكريم، فيحتكرون السلع الأساسية ويرفعون الأسعار، مما يزيد من معاناة الصائمين ويجعل تأمين الاحتياجات الأساسية عبئًا على الفقراء والمحتاجين. وهذا يتنافى مع روح رمضان، الذي يجب أن يكون شهر التكافل والتراحم، وليس شهر الجشع والاستغلال.
قال الله تعالى:
﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُو۟لَـٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ﴾ (المطففين: 1-4).
وقال النبي ﷺ: “لا يحتكر إلا خاطئ” (رواه مسلم).
فليتذكر هؤلاء يوم الحسرة حين يقول الله عن المذنبين:
﴿مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ (الحاقة: 28-29).
المشاحنات والمشاجرات وسوء الأخلاق
يظن البعض أن الصيام مبرر للغضب والتوتر، فتكثر المشاحنات والمشاجرات في الأسواق والمواصلات وحتى في البيوت، مع أن الهدف من الصيام هو تهذيب النفس وتعويدها على الصبر والتحمل.
قال النبي ﷺ: “إذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفثْ، ولا يصخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتلَه، فليقُلْ: إنِّي امرُؤٌ صائمٌ.” (رواه البخاري ومسلم).
وقال الشاعر:
صُن صيامك يا أخي من زلّةٍ
إن الصيام عبادةٌ وفضائلُ
لا ترفعنّ الصوت فيه بغضبةٍ
إن الغضوبَ صيامُهُ متزائلُ
فيجب أن يكون شهر الإنفاق في سبيل الله ومساعدة المحتاجين
فرمضان شهر الخير والبركة، وهو فرصة عظيمة لمضاعفة الأجور من خلال الصدقات، وإطعام الفقراء، وعلاج المرضى، وقضاء حوائج الناس وصلة الأرحام.
قال الله تعالى:
﴿وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنْ خَيْرٍۢ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنْ خَيْرٍۢ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ (البقرة: 272).
وقال النبي ﷺ: “أفضل الصدقة صدقة في رمضان” (رواه الترمذي).
وقال الشاعر:
يا باغي الخير أقبل لا تفوتنه
فربما فات عمر المرء بالكسلِ
وابذل فإنّك لا تبقى فليس لنا
إلا الذي قدّمته في صحيفة العملِ
فيجب الاقتصاد في النفقات وعدم تحويل رمضان إلى شهر للطعام
حيث تحوّل رمضان عند البعض إلى موسم للإسراف في الطعام والشراب، فتُعد الموائد العامرة بأصناف كثيرة، ثم يُلقى جزء كبير منها في القمامة! وهذا يتعارض مع مقصود الصيام، الذي هو تهذيب للنفس وتعويدها على الزهد والتقشف.
قال الله تعالى:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف: 31).
وقال النبي ﷺ: “صوموا تصحوا” (رواه الطبراني).
وقال أحد الشعراء:
رمضانُ زُرْتَنا فمرحَبًا
يا خيرَ زائرٍ ونِعْمَ الضِّيَافُ
نسألُ ربًّا كريمَ العطاءِ
يُعينُ على الطاعةِ المُسْتَضَافُ
مم سبق نعلم ان حسن استقبال رمضان يكون بالتهيؤ له بالطاعة، والبعد عن كل ما يضيع أوقاته ويُذهب بركته. فلنحافظ على هذا الشهر الكريم، ولنجعله موسمًا للطاعة، ونبتعد عن العادات الخاطئة التي تحرفه عن مقصوده الحقيقي.
نسأل الله أن يبارك لنا في رمضان، وأن يعيننا على الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وأن يجعلنا من الفائزين برضوانه