اكتشاف مفترس منقرض استوطن مصر قبل 30 مليون عام (صور)

القاهرة – سعيد زينهم
اكتشف فريق مصري جمجمة شبه مكتملة لنوع جديد من الحيوانات المفترسة القديمة من فصيلة الهاينودونتا التي كانت تستوطن شمال أفريقيا قبل 30 مليون عام.
الفريق المصري الذي اكتشف الجمجمة يقوده الدكتور هشام سلام، أستاذ علم الحفريات الفقارية بالجامعة الأمريكية في القاهرة ومؤسس مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة.
نُشرت نتائج هذه الدراسة، الإثنين، في مجلة “الحفريات الفقارية الدولية” بقيادة شروق الأشقر، عضو الفريق البحثي المصري “سلام لاب” بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وجامعة المنصورة وبالتعاون مع باحثين من جامعة ديوك وجامعة جنوب كاليفورنيا وجامعة ميشيغان.
وأظهرت الدراسات التشريحية والتحليلات الإحصائية والمورفولوجية التي أجراها الباحثون أن الجمجمة تعود إلى جنس جديد من آكلات اللحوم المنقرضة والتي تطورت قبل زمن بعيد من ظهور القطط والكلاب والضباع وبقية آكلات اللحوم التي تعيش بيننا اليوم.
وكانت هي المفترسات المسيطرة على بيئات القارة الأفرو-عربية بعد انقراض الديناصورات، إلى أن انقرضت هي الأخرى.
قصة الاكتشاف الجديد
وفي وصفها للاكتشاف، صرحت الأشقر بأنه في ربيع عام 2020، انطلق فريق “سلام لاب” في رحلة استكشافية إلى منخفض الفيوم، تلك النافذة الزمنية التي تطل على تاريخ تطور الثدييات في أفريقيا والوطن العربي، حيث عكفت البعثة على الاستكشاف لعدة أيام بين طبقات الصخور التي يعود عمرها إلى حوالي 30 مليون عام.
وفي اللحظات التي كان فيها الفريق يستعد لاختتام الرحلة ومغادرة الموقع، لفت انتباه بلال سالم، أحد أعضاء الفريق بعض الأسنان البارزة، فنادى بصوت يملأه الفضول والإثارة على بقية أعضاء الفريق، لتبدأ قصة اكتشاف مثير.
ومع استمرار عملية الكشف، بدأت تظهر أمام أعينهم حفرية لجمجمة كاملة محفوظة في حالة استثنائية.
كانت الجمجمة ثلاثية الأبعاد، خالية من أي تشوهات، مما جعلها اكتشافًا نادرا، يُعَد بمثابة حلم لأي باحث في مجال الحفريات الفقارية.
لماذا سمي “باستيتودون”؟
وأطلق الباحثون على هذا الجنس الجديد اسم باستيتودون (Bastetodon) نسبةً إلى الإلهة المصرية القديمة باستيت، التي كانت رمزا للحماية والمتعة والصحة الجيدة، وتم تصويرها برأس قطة.
وأوضح الباحثون أن هذا المفترس يتميز بنقص في عدد الأسنان مثل القطط لذلك تم اختيار ذلك الاسم، أما كلمة “أودون” في اليونانية القديمة تعني “سن”.
وتمكن العلماء، باستخدام تحليلات الانحدار الإحصائية الدقيقة، من تقدير وزن باستيتودون بحوالي 27 كيلوجراما، مما يضعه في فئة الحجم المتوسط بين أقرانه من الهينودونتات، وقريبا في حجمه من الضبع الحديث أو النمر.
ويتميز باستيتودون بأسنانه الحادة التي تشبه السكاكين، وعضلات رأسه القوية، وما يتصل منها بالفك، ما ينم عن قوة عض شرسة، تجعله مفترسا من الطراز الرفيع في غابات غنية بشتى أنواع الحياة، من قردة وأسلاف فرس النهر وأسلاف الفيلة وأسلاف الوبر، مما يزيد من فرص الصيد أمامه وتنوعها.
كما ألقت الدراسة الضوء على الوضع التصنيفي لجنس “تيرودون”، فما بين اعتقاد مسبق بأن هذا الجنس قد انتشر في أوروبا وأفريقيا وبين التشكك في ذلك الأمر، أكدت الورقة البحثية أن التيرودون موطنه أوروبا فقط، لذا أعاد الفريق البحثي تسمية جنس آخر كان قد اكتُشف سابقًا، وعاش في غابات الفيوم أيضا وفي نفس الحقبة الزمنية، وأطلقوا عليه اسم “سخمتوبس” بدلا من تيرودون تيمنًا بالإلهة سخمت.
وكلمة “أوبس” في اليونانية تعني “وجه”. وجديرا بالذكر أنه في الحضارة المصرية القديمة، كانت الإلهة باستيت مرتبطة بالمعبودة سخمت، التي كانت تصوّر برأس أسد وترمز للغضب والحرب.
إعادة كتابة التاريخ
وأظهرت التحليلات المورفولوجية والاحصائية باستخدام طريقة التحليل الفيلوجيني أن باستيتودون وسخمتوبس ينتميان إلى الهينودونتات ضمن عائلة الهاينيلورينات.
وتؤكد الدراسة على الأصل الآفروعربي لهذه العائلة والتي تلتها هجرات متعددة ومتتالية إلى آسيا، أوروبا، الهند، وأمريكا الشمالية في عدة موجات.
وتقول الأشقر: “يُعتبر اكتشاف باستيتودون انجازا هاما لفهمنا لتنوع وتطور الهينودونتات وانتشارها الجغرافي حول العالم”.
وتتطلع الأشقر إلى مزيد من البحث والتنقيب لفهم ماهية العلاقات بين الهاينودونتات التي كانت منتشرة حول العالم وكيفية تطورها عبر الزمان والمكان.
أهمية مكان الاكتشاف
وعن أهمية مكان الاكتشاف، يوضح الدكتور هشام سلام، أستاذ علم الحفريات الفقارية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ومؤسس مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة، أن منخفض الفيوم في مصر يوفر نافذة استثنائية تمتد عبر نحو 15 مليون سنة من التاريخ التطوري، وهي فترة ربطت بين الأنواع القديمة وأسلاف الثدييات الحديثة، حيث لا تقتصر أهمية هذه الحقبة على توثيق الانتقال من الاحترار العالمي في عصر الإيوسين إلى التبريد العالمي في عصر الأوليجوسين، بل تكشف أيضا عن الدور الحاسم الذي لعبته هذه التغيرات المناخية في تشكيل النظم البيئية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا”.
ويضيف سلام: “من المثير للاهتمام أن نكتشف كيف ساهمت أحداث الماضي في تشكيل عالمنا، وأن نتأمل في الدروس التي قد تقدمها لفهم التغيرات المناخية المستقبلية”.
هذا المشروع تم تمويله من جامعة المنصورة والجامعة الأمريكية بالقاهرة وهيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار والوكالة الأمريكية للإنماء الدولي.