الجيش المصري يقلق إسرائيل.. والقاهرة: أي مساس بالسيادة يواجه برد قاسٍ
دخلت القضية الفلسطينية مرحلة حرجة ومصيرية في أعقاب إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العائد مؤخرا إلى البيت الأبيض على “تصفيتها نهائيا” وتحويل غزّة إلى “ريفيرا عربية” على جثث الفلسطينين أصحاب الأرض والتاريخ.
في وسط هذه الحالة من التوتر والقلق التي تضرب المنطقة كلها، وتهدّد بإشعالها في أي لحظة، دارت الماكينة الإعلامية لدولة الاحتلال نحو هدف آخر يغذّي العداوات التاريخية ويسكب مزيدا من الوقود على الوضع الملتهب.
فجأة، ودون سابق إنذار، تعبّر دولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال تصريحات رسمية عن مخاوفها بشأن توجه الجيش المصري نحو تعزيز قدراته العسكرية من خلال استثمارات ضخمة في شراء معدات حديثة، مؤكدة أنها ستثير هذا الملف مع حليفتها الولايات المتحدة.
وتعد هذه المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل بشكل رسمي عن هواجسها إزاء التسليح العسكري المصري، فمنذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة عام 2014، وقّعت مصر العديد من صفقات التسليح من مصادر متعددة، شملت الولايات المتحدة وأوروبا.
صفقة أسلحة لمصر
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في ديسمبر الماضي عن موافقة وزارة الخارجية على صفقة أسلحة لمصر تتجاوز خمسة مليارات دولار، تشمل تجديد دبابات “أبرامز” وشراء صواريخ “هيلفاير”، وهي صفقة وصفتها وسائل إعلام إسرائيلية بأنها “الأضخم من نوعها”، محذّرة من تعزيز قدرات الجيش المصري.
في هذا السياق، ذكرت “القناة العاشرة” الإسرائيلية أن تل أبيب تراقب عن كثب التوسع العسكري غير المسبوق لمصر، رغم اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين، معبرّة عن مخاوف من أن يتم توجيه هذه القوة في المستقبل ضد إسرائيل.
إسرائيل تثير التساؤلات حول دوافع مصر العسكرية
في تصريح علني، أعرب داني دانون، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، عن قلقه من طبيعة الاستثمارات العسكرية المصرية، قائلاً في مقابلة مع إذاعة “كول بارما” الإسرائيلية “إنهم ينفقون مئات الملايين من الدولارات سنويًا على معدات حديثة، رغم عدم وجود تهديدات على حدودهم”، متسائلاً “لماذا يحتاجون إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟”.
وأضاف دانون أن الهجوم الذي نفذته “حماس” في 7 أكتوبر 2023 يجب أن يكون “جرس إنذار” لإسرائيل لمتابعة التطورات العسكرية في المنطقة، مؤكدًا أن تل أبيب ستطلب توضيحات من الولايات المتحدة حول مدى احتياج مصر لهذه الأسلحة.
العلاقات المصرية-الإسرائيلية في منعطف حساس
رغم توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، فإن العلاقات بين البلدين شهدت تقلبات متكررة، تفاقمت مؤخرًا بسبب تداعيات الحرب في غزة ونشر إسرائيل لقواتها في محور “فيلادلفيا”، وهو ما اعتبرته القاهرة انتهاكًا لاتفاق السلام.
مصر تعزز قدراتها العسكرية لمواجهة التهديدات على حدودها الأربعة
في هذا السياق، أكد المفكر الاستراتيجي، اللواء سمير فرج، أن مصر تعمل على تعزيز قدراتها العسكرية لحماية حدودها، في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها من جميع الاتجاهات لأول مرة في تاريخها الحديث.
وأوضح فرج خلال تصريحات أن الاتجاه الشمالي الشرقي يشهد تصعيدًا خطيرًا جراء الصراع المستمر بين إسرائيل وفلسطين، بينما يواجه الغرب حالة من عدم الاستقرار نتيجة للأوضاع المضطربة في ليبيا.
أما الجنوب، فتشكل النزاعات المسلحة في السودان تهديدًا مباشرًا لأمن مصر، في حين يشهد البحر المتوسط توترات بسبب الصراع على مصادر الغاز، خاصة بعد استيلاء إسرائيل على البلوك رقم “9” وحقلي غاز تابعين للبنان.
وأشار فرج إلى أن هذه التحديات تفرض على مصر ضرورة امتلاك قوة عسكرية قادرة على حماية مصالحها الاستراتيجية، مشددًا على أهمية تأمين منابع نهر النيل في ظل المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن بناء سدود جديدة تؤثر على حصتها المائية.
كما أشاد فرج بجهود الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه الحكم في تنويع مصادر التسليح، عبر عقد صفقات شراء أسلحة مع دول عدة، من بينها فرنسا، والصين، وإيطاليا، وألمانيا، وروسيا، بجانب الولايات المتحدة، لضمان استقلال القرار العسكري المصري وعدم ارتهانه لأي طرف خارجي.
وأضاف فرج أن هذه التحركات أثارت قلق إسرائيل، التي تسعى للحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة، مشيرًا إلى أن اعتراضها على تحديث الجيش المصري ليس له مبرر، خاصة أنها تحاول تبرير إخفاقاتها في حرب غزة المستمرة منذ أكثر من 15 شهرًا.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن “تحديث الجيش المصري حق سيادي لا يجوز المساس به”، مؤكدًا أن “مصر تلتزم بكافة الاتفاقيات الدولية، ولم تنتهك أي اتفاقية سلام مع إسرائيل”.
التوترات الإقليمية وتأثير إدارة ترامب
في تطور لافت، نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية صورة جمعت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، ما أثار جدلًا واسعًا.
واعتبر محللون أن نشر الصورة يحمل رسالة ضمنية موجهة إلى السيسي على خلفية رفضه خطة تهجير الفلسطينيين.
مصر ترد: جاهزية عسكرية لا تقبل المساس
من جهتها، أكدت القيادة المصرية أنها مستمرة في تعزيز قدراتها العسكرية لضمان أمنها القومي، وقال الرئيس السيسي في لقاء مع ضباط الجيش المصري إن “الأحداث المتلاحقة تؤكد أهمية الاستمرار في بناء قوة عسكرية شاملة لحماية الوطن”.
كما شدد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي على أن “القوات المسلحة المصرية في كامل جاهزيتها للدفاع عن حدود البلاد”، مؤكداً أن “أي مساس بالسيادة المصرية سيواجه برد قاسٍ”.
وفي ظل إعادة تقييم إسرائيل لاستراتيجيتها الدفاعية بعد حرب غزة، فإن علاقتها بمصر ستظل تحت المجهر، لا سيما فيما يتعلق بالتطورات العسكرية المصرية ومدى تأثيرها على توازن القوى في المنطقة