“زريعة” نسرين المؤدب..إنما الناس سطور كتبت لكن بماء؟ هل الكتابة مهرب من الأحزان أم موطن لها؟

د. دينا عبد الرحمن الدوى
ماجستير الأدب الإنجليزى
دكتوراه فى دراسات الترجمة

سؤال طرحتة علينا الكاتبة التونسية الواعدة “نسرين المؤدب” فى روايه هى الثانية لها بعنوان “زريعة إبليس” الصادره عن دار “أركاديا للنشر والتوزيع” ٢٠٢٤ ، عنوان صريح مباشرباللهجة التونسية الدارجه قد يجعلنا نخمن ما نحن بصدد قراءته، لكن تأكد عزيزى القارئ أنه لن يمكنك تخمين التناول المنفرد لقضية ربما قد تكون طرحت من قبل كثيرا لكن الإبداع هنا يكمن فى الإسلوب الروائى المتميز والتعبير الواقعى الصادم عن حيواتنا الآنية وخاصة النساء منا. ف”زريعة إبليس” تنتمى للروايات النُسوية المعتدلة الإتجاه وبعيده كل البعد عن التعنت النسوى المبالغ فيه لنصرة المرأه وإنما هو عرض سلس صادق لثلاثه أجيال نسويه ” الحفيدة و الإبنه والجده” تتضافرحكاياتهن بتكنيك “الفلاش باك” flashback و” التناص” Intertextuality وهو وجود نص بداخل النص وهنا إختارت نسرين رسائل مكتوبه من الجده لإبنتها وتقرأها الحفيدة وتسرد الجدة “أمولة” فيها حكايتها فى قالب حكى نُسوى منفرد الوصف فنسبح مع البطلة فى رحلتها للكشف عن الحقيقة. ،” قصتى جزء من قصتك وقصتك جزء من قصتى “… وهى جزء من قصة هذا الكون، جزء من قصة أجدادنا ومجتماعاتنا، تتداخل قصص الجميع عبر أزمنة و ومجتمعات إنسانية متعاقبة …” فندرك كم نحن ” …متشابهون جميعا رغم كل إختلافاتنا، نعود إلى أصل واحد ..إلى جد واحد..” الخلية المائية المبهرة الأولى تحفظ قصصنا جميعا”.
الرواية حداثية حتى النخاع ، عرف “بارى” الحداثة بأنها “زلزال فى الفنون” يأتى بالكثير من الموجات الصادمة التى نستشعرها من حولنا. فالحداثة هى تغير ملحوظ فى القيم الإجتماعية والأدب والفن والثقافة . الحداثة هى الكسرالمتعمد لكل ما هو أصولى وتقليدى،هى ثورة ضد المعتاد والمحافظ والميل إلى الغرائبية .فتكنيك “الفلاش باك” قد يأخذ صورا كثيرة تقليدية فى معظمها كأن يُسرد الماضى على لسان راو حكيم أو عجوز يحكى لشاب أو قد يبحث البطل عن الشخص الذى يعرف السر أو يظهر البطل نفسه عجوزا يقوم بالحكى وبالرجوع بالذاكرة إلى الوراء ولكن كسرت الكاتبه كل هذه الكليشيهات وقدمت لنا سردا للماضى وفلاش باك عن طريق الماء واصفه إياه بانه له أيضا ذاكرة ” قصتنا محفوظة فى ذاكرة الماء
لا يهم إن بدأت الحكاية من المنتصف، فليس لدورة الحياة بداية أو نهاية …إالتقينا كما وعدتك يا آمال، هنا …. فى “ما وراء الماء”.
ثورة غير تقليدية فى رسم صورة غير تقليدية تؤكد حداثية الرواية :
− انظري جيدا على صفحة الماء … للماء أيضا ذاكرة!
− فُتِح أمامي بوّابة على سطح الماء وارتسمت عليها شاشة كبيرة، رأيت من خلالها حقبة أخرى. كان العرض يمرّ بطيئا كفيلم قديم بالأبيض والأسود. ارتجفت من رأسي إلى أخمص قدمي. إنّه عبور إلى الخلف! إلى الماضي. علا صوت في داخلي يردّد: − انجي بحياتك.. اركضي.. اهربي! – لكنّي انسجمت مع العرض أمامي بكلّ حواسي
تبدأ الرواية بإستباق زمنى فنجد أول تاريخ فى الرواية فى الصين عام 2060 كل شىء مميز،كل شىء ثائر فى الرواية، كل شئ صادم.
يدور لب الروايه عن مسألة بنوه البطلات ونسبهم لأبيهم ومحاوله الاجابه على السؤال الذى أحاط بالأم وإبنتها” السؤال الذى يسيطر على كيان الإبنة :”من أبى!؟” ومحاوله الإجابه عن هذا السؤال طوال الخط الروائى فالرواية تبدأ ومن بؤره الجرح القديم تنزف : من هو والد “حوريه”!!
ومن الجرح ينطلق القص والحكى من خلال رسائل الجده إلى الأم لتقرأها الحفيده فى تسلسل وترابط يحمل الكثير من مشاعر الامومه والبنوه، مراوغات الام فى عدم الإخبار عن من يكون اب الابنه وغموضها فيما يخص طفولتها ،،،،، عندما تقرأ “زريعة إبليس” لا تشعر ان هناك بطلة واحده فى العمل الروائى فكل نساء العمل بطلات فى روايتهن، يتناغم حكيهن ويتضافر قصهن من جيل إلى جيل بسرد متصل يصف شعور كلا منهن بصدق مثير للتعاطف. فحظهن عاثر و موجع توارثنه عن بعضهن البعضن كما يرث الأبناء ثروات آبائهن. فهن توارثن المعاناة كما توارثن الوصم وقسوة المجتمع وعقابه. “ثمّ هربت منه من الهلع لأني أحمل رغما عني وزري ووزرك ووزر مجتمع لم يغفر لنا قط وحدتنا. خلت أني هربت من ذاك الإرث اللّعين فاذا به يتبعني حيث أمضي.سألت نفسي كيف تهرب الشّجرة من جذورها وتحتفظ بأوراقها يانعة؟ بين الأوراق والجذور، لا خيار للشّجرة”.
هل سيكون مصيرى كمصير والدتى غارقة فى سد بنى مطير؟ هل حقا انتحرت أم قتلت وألقى بها فى مياه السد لتغتسل من ذنبها وعارها؟ كنت ذنبها…كنت عارها…152
أبحرت بنا نسرين المؤدب فى قارب حداثى وانطلقت به إلى أعماق النساء بتفاصيلهن ومخاوفهن ومعاناتهن وجدفت فى قلب موجات الفقد والوصم والهجران وعقدة الذنب… نعلم من تكونين..− لن تهربي يا حوريّة فأنت مذنبة… مذنبة…. ص 108.ثم رست الكاتبة بقرائها على مرفأ من الأمل “بفضل الحب ستتواصل الحياة على الكوكب” 220، إنها سنة الحياة وأنا أحب الحياة ، …أنا إحدى زخات القطر العنيدة ووحده الماء قادر على زرع بذرة أمل فى جدب القلوب اليائسة.وتختتم الرواية بفصل “بداية أخرى”
“زريعة إبليس” حكاية بها قدر من البوح والحكى النسوى . فأخذتنا الكاتبة فى تيار نسوى معتدل لا يشعر معه القارىء بتعنت نسوى بل يبحرالقارىء مع البطلات فى رحلة من التشويق والفهم والمعايشة تصل به إلى مرفأ التعاطف التام. فتعرضت الكاتبة ببراعة إلى مكبوتات البطلات وصراعاتهم وعقدهم و ذنوبهم ومعاناتهم مع كشف الحقيقة الكاملة على مراحل حفظت للرواية تشويقها.
طرقت الرواية فكرة تمزق الذات “فبعض منى هنا وبعض منى عندها فهل تعود لأكتمل” وحلم الهجرة جسدته إحدى البطلات، ذلك الإختبار القاسى الذى يمر به الكثيرون بين العيش فى كنف الأهل ودفء الوطن وبين تحقيق الأحلام والإستقلال المادى “”كان الفراق مريرا ولكن مرارة أخرى فقست وفرخت فى داخلى دفعتنى للهروب والبحث عن ذاتى …فكيف لى أن أجدها إذا لم أبحث عنها، كيف لى أن أجدها وأمى تجاهد فى تشكيلى لتنحت منى نسخة باهته منها 94
تجرى الحداثه على أرضيه نقد البداهات وصيغه التساؤل الشامله التى شكلت إيقاع الروايه فى رحله بحث عن الذات ، لا تجسد الأم الصوره صوره الأم المثاليه النموذجيه المتفانيه ، هى إنسانه لها آلامها و إحباطاتها وتحدياتها وأسرارها ، فهى إمرأه وأم ولكن ليست النمط السائد للأم فهى لها مآساتها المستغرقه بها لسنوات والتى عكستها وشرحتها من خلال الكتابه ،،،
فمن ناحيه تبرز الكاتبه أثر التقاليد الثأريه والقيم التسلطيه والقهر والتنميط والوصم مع قيم الحداثه المتجسدة فى العلم ووسائل التواصل الحديثه والاستقلال الاقتصادي
فالبطلة رغم حداثتها يبيت فى داخلها رغبه دفينه فى الغوص فى مياه بنى مطير للوصول إلى الحقيقه حقيقه نسبها فهى كما قالت لها أمها “أنت زريعه إبليس” وهى كلمه دارجه تونسيه وفى الثقافه المصريه عندما نصف شيئا بأنه لا أصل له نقول انه ” نبت شيطانى” اى خرج من دون أصل. فعاشت البطلة طوال الرواية متوهمة انها فقط مجهوله النسب ولكنها فى لحظه تنويرفى آخر الرواية اكتشفت انها متبناه ،،،، اللعنة، نسيت أنك زريعة إبليس! كيف لم أنس أن أخبرك أنك بذرة شيطان
عبارة ألقتها الأم فى وجه ابنتها …فالتصقت بها بقيه عمرها …توصمت بها وطبعت عليها طوال رحلتها…
ألتمس منك العفو يا قارئي المبجل لأنى تجشأت جرحى وحيرتى على أعتابك …
لكنى أعترف أنى سأسعد لو نزلت من عينيك دمعه آبقه لتبلل صفحات الروايه ،لو نجحت وبكيت ستنصفنى دموعك وتطهرنا معا
الكتابه مهرب من الاحزان ام موطن لها !؟
” تمنيت أن أغمض عينى وأستيقظ من هذا الكابوس لأجد نفسى امام باب شقتنا فتفتح لى أمى الباب مبتسمه تستقبلنى كعادتها بالطعام والكلام لتوقظ بصوتها والروائح الربيع النائم فى صدرى
فكم أبدعت الكاتبة فى هذا الوصف ..فهذه السطور المبكية تعزف على أوتار حب الأمهات ..
فكل إنسان على هذا الكوكب نقطه ضعفه هى أمه وتعلقه بها ..فمن منا لم تكن اجمل ذكرياته هى الأوقات التى كانت تنبعث منها رائحة طعام والدته ،،،فهى بصمه وجود الام فى البيت وهى التى تضفى روحا للبيوت ..نعم لقد رسوت بنا الكاتبة على مرفأ التطهر وتحقق الcatharsis بين سطورها من خلال الطرق على جروح صنعتها الأقدار.
دمجت الكاتبه فى الروايه بين منظومتى قيم تنتميان إلى العصر نفسه قيم العادات والتقاليد بقريه ” بنى مطير” وبين قيم الحداثه من جهه أخرى فى باريس “مدينه النور ” متمثله فى حياه البطله التى تحيا حياه عصرية تهتم بالغذاء الصحى وبرشاقتها ومتابعة أحدث خطوط الموضه وتحرص أن تكون بلوجر مواكبة لكل ما هو عصرى وجديد اى تتماشى مع ” الترند” ومع ذلك لم يكن كل ذلك كافيا لإسعادها فهى تنعم بكل مظاهر السعادة من الخارج أما باطنها يشع حزنا ” لم يكن العالم متصلا ومنفصلا فى نفس الوقت كما هو عليه الآن” 48.
التى أرادت أن “تعيش ” على حد قولها لأمّها عند هجرتها إلى باريس وكأن العيش خارج الدول الأوروبية يعنى بالمقابل “الموت” .
الحداثه تجلت أيضا حتى فى تصوير “الموت”، فعملا بمبدأ أن لا شئ فى الأدب يحدث بالصدفه، فقطعا لم تختار الكاتبه طريقة إنتحار البطلة التى تشبه كثيرا طريقة إنتحار رائدة الحداثه “فيرجينا وولف”، التى أختتمت حياتها منتحرة هى الأخرى…لقبك الناشر بفرجينيا وولف التى انتحرت مثلك ورمت نفسها فى النهر ..”سأقذف نفسى أمامك غير مقهورة أيها الموت ولن أستسلم” كانت آخر جملة كتبتها فى روايتها “الأمواج” …أما أنت فختمت روايتك بحياة جديدة وهذا ما يدفعنى للشعور بأنك لم تموتى …استشعرك ملء حواسى …فلغيابك حضور مهيب 213.
وفى سياق آخر يوثق أيضا حداثة الرواية ورصدها لفكرة سيطرة السوشيال ميديا على عالمنا اليوم عندما أشارت البطلة لرغبتها فى الموت على طريقتها الخاصة ” ماذا لو دبّرتُ “موتة أنستاغرامية” جميلة ليشهد العالم رعشة جسدي قبل الرّحيل الأخير؟ سأنتقي فستاناّ أبيض طويلا للمناسبة، وسأتزوّج بدوري مياه الوادي. سيتأمل النّاس بحسرة غضاضة جسدي الهامد وهو يطفو منسابا فوق النّهر وقد أحقّق أخيرا نسبة المشاهدة التي حلمت بها” .
وتقذف الكاتبه عبارة صادمة اخرى فى وجوه قرائها قائلة” لكن الموت ليس أكثر ما يخيف، بل هناك من يلتقط صور السّيلفي مع الموت مبتسما. وحش الحياة أصبح أكثر قسوة. حياة مخادعة تلوح في صورة امرأة جميلة تتغنج برهة ثمّ تمضي قدما بكل قسوة دون الالتفات إلى الوراء”
لم أجد رواية تثير إقتباساتها رغبتى فى تدوينها وتوثيقها وبروزتها مثلما فعلت “زريعة إبليس”، فسترى كثيرات من النساء أنفسهن كاتبات لتلك السطوروحتى وإن لم يكتبهن فعليا، فكتبتها نسرين المؤدب بدلا منهن فقالت : – “تهرم القلوب بفقد الحب” 163
• قلت أن “الحب قدر ولكن القدر لا ينصف الجميع” 15
• أطل الصباح ولكن الظلام ما زال يلفنى
• “حلمت بالحرية وخسرت الكثير لأحصل عليها ووعدت نفسى بألا أسمح لأى قوة بحرمانى منها مجددا”34
• “يقال أن الوحدة تملأ قلوب النساء بالسواد ليلة بعد ليلة فيتكوم الحزن جبالا فى أركان الروح إلى أن يتبدل الدم فى عروقهن وتتغير سحنتهن” …151
• “أنا حزينة لأن الكثيرات سيعتقدن دوما أنهن قمر مشنوق وليس بمقدورهن التحرر لأن إزدرائهن لأنفسهن اخطر من الوباء نفسه” 219
عبارات صريحة مباشرة تعبر عن نفسها دون مواربه ، تستشعرها على لسان اغلب النساء …وإن لم يقلنها.
بطله الروايه مدججه بكل وسائل التواصل الحديثة وتعلن كل خطواتها وتحركاتها عبر السوشيال ميديا “لكن التفكير إختفى أمام سطوة الهاتف الذى كلما يزداد ذكاء ، أزداد غباءا. “يكاد رأسى ينفجر، لأول مرة أقضى كل هذا الوقت من دون إنترنت” 105 … فى إشارة إلى الإدمان الأكترونى الذى طال الجميع كبارا وصغارا ، للمرة الألف أجدنى أفكر فى فتح الكاميرا والثرثرة فى ستورى لدى الكثير لأروية …. هذا الموعد الصباحى مع المؤثرات صانعات المحتوى مزعج ومخز فهو غالبا ما يمنحنى شعورا بالنقص لا مبرر له. حتى إحترفت تجارة البهجة على الإنستجرام وكأن مسرح الحياة لم يعد كافيا”
ولا أحد يذكر متى قُلب هرم Maslow رأسا على عقب؟ ص 107
فلا تذكر الكاتبه ما هو هرم ماسلو ولا ما كنه وضعه الأصلى من وضعه المقلوب لكن يصطدم القارئ بأنه لو فسر هذه العباره لملئ منها صفحات مما تقصده الكاتبه وهو ما أفسرة أنا بأنه التأكيد على النزعة الإستهلاكية وسيطرة المادة على الإنسان المعاصر والمجتمعات والشعوب ، فهرم “ماسلو” الشهير للإحتياجات يرتب الإحتياجات الإنسانيه ترتيبا معنويا حسيا بينما لو نظرنا إلى الهرم مقلوبا فستاتى حينها الإحتياجات الجسدية فى المقدمة أعلى الهرم تليها الحاجه للأمان فالشعور بالمخاوف وعدم الأمان هى سمة عصرنا وتليها الحاجات الإجتماعية ” أحتاج أولا إلى أن أشبع غروري الذي يتغذّى حصريّا على الإعجاب. أمتصّ ألق اللّهفة من العيون وأعكسه لأشعّ به أكثر. لأعيش! ولا بأس إن تضوّر بطني من الجوع، فالنّحافة مطلوبة. اليوم خصري منحوت ومؤخّرتي بارزة من التّمارين. صرت نسخة مطابقة للنموذج الأنثوي الرّائج، لكن ما الفائدة إن كان العالم لن يرى جمالي وبالقياس ، سيطرة التكنولوجيا أو الفضاء الأزرق على حيواتنا يؤكد لنا كل يوم: ما مدى علمنا وتقديرنا للمختفين او العازفين عن الظهور فى الفضاء الأزرق فمن يعرف رجل أعمال ناجح أو رسام حاذق أو كاتب موهوب أو حتى طبيب ماهرإن لم يعرفة جمهور الفضاء الأزرق؟ هل يُعد ناجحا بمقاييس عالمنا اليوم؟
من يهتم اليوم بالغزال الشّارد والجليد الذّائب؟ من يذكر أطفال غزّة وعبّارة دجلة؟ من يذكر مها التي جرفتها السّيول في طريق العودة إلى المدرسه؟ اليوم الكلّ مشغول بالتّرند المستجدّ: جائحة مطموسة الملامح. الهلع رياضة عالميّة.. طوى العلم المسافات وصار العدّاؤون قاب قوسين أو أدنى من كل الأحزان المتراكمة فى أركان البسيطة.
أكدت الرواية بوضوح جلى على فكرة النزعة الإستهلاكية التى أحكمت قبضتها على الإنسان المعاصر …فكل شئ أصبح يمكن التسويق له…و كل الأشياء المادى منها والمعنوى أصبحت تتحول لسلعة يتم الترويج لها …ويسعى الجميع لاهثين فى الحصول على المزيد و المزيد من البضائع والمنتجات …فليست مبالغة أن نصف ذلك بالإستعباد …فأصبح للشراء سطوة وللإقتناء شهوة… “وقفت أمام المرآة حيث تصطف القوارير والعلب لتحيينىّ، أحييها،أحبها، أحب ّ كل أشيائي، هي ملاذي ّوعالمى، أسبح يوميا في محيط شاسع تعترضني فيه المنتجات من كل حدب وصوب. أشياء هنا وأشياء هناك تبحر معي ِ ألتهم بعضها ويسعى البعض الآخر لإلتهامي لكن في مجتمع ّ الإستهلاك المفرط لا يمكن السّباحة عكس التيار. بدأت طقوس الجمال المقدسة …المورينينج روتين عبادة يومية…” أنا مهووسة كليا بعالم التسويق، الإعلانات هى الهواء الذى أتنفسه، لكنى لا أختلف عن أى مواطن آخر، فالإعلانات تلاحق الكل …نحيا تحت قصف إعلانى يومى لا يقتصر على المنتجات الملموسة، بل يشمل كل مجالات الحياة: الفن، السياسة ، الأفكار …وحتى العنف …يروج للعنف اليوم بأحدث تقنيات الديجيتال. كل شئ يُجمل ويُنشر ليباع … 40
الزج بعبارات دعائية يعد ايضا من سمات الروايه الحداثية، “أنتقى دائما الأفضل” ، هذا الشعار لى ولن أبيعه لأى ماركة عالمية!
سأتناول الغداء ظهرا في أقرب محل أكلات سريعة ّ ، وسيغيظني شعاره ككل يوم! »تذوقي الفرق؟
وفى السياق ذاته، تهدف الحداثه إلى إزاله كل أشكال الاعاقه عن التواصل فتقذف بالمراد فى وجه القراء بشكل صادم حاد ومباشر، فاللافت على نحو دال أن هذا العمل السردى حداثى من الطراز الأول حيث تجلت مظاهر الحداثة فى العبارات الصادمة التى أعتمدت عليها الكاتبه وألقتها فى وجه قراءها : من أمثله تلك العبارات: ” الهلع رياضة عالميّة” ص 130، فى إشارة إلى الرعب الذى أصاب العالم جراء الكوفيد و معبرة عن القلق العام الذى هو سمة العصر.ومنها أيضا قول البطلة : “همست للحيطان: لا أريد الإنجاب، أعتبرها جريمة نكراء” ، عبارة تجرى على لسان أنثى والإنجاب دائما ما كان ودائما ما يكون وسيظل دوما حلم كل أنثى أن تنجب طفلا تشبع به غريزة أمومتها. فتسترسل ” فلم نتورط فى قدوم وليد يبهجنا حضوره وغيابه محتوم فى أى لحظة، ثم ما ذنبه وهو مختوم بشمع الموت بفعل الولادة يصدر حكمه قبل الصرخة الأولى؟ رؤية فلسفية تأملية جرئية لفكرة الموت والحياة !
وتستكمل جرأتها فىى عبارات مثل ” أنا أنانية! اعتقدت دائما أن أنانيتى أجمل صفاتى” 56 “نفذت بجلدى من بلد تساوى النبات والحيوان فيه مع الإنسان فى انعدام الجدوى والأهمية أو ربما تأخر عنهما الإنسان بأشواط” 54،55
تصدمنا مرة بقولها” لا أحبّ القراءة ولا أحب الكتب، ستندثر الكتب قريبا. ، الهاتف يشتت انتباه أعتى القرّاء، ولم يعد لأحد الصّبر الكافي ليتوه بين كلّما ت في عصر الصّورة والاستهلاك السّريع، فحتى فيديوهات اليوتوب الطّويلة زاحمها التّيك توك إلى درجة أنّ شركة جوجل عازمة على إطلاق خدمة الشّورتز ومع ذلك يستمرّ عشّاق الأوراق العطنة في المكابرة.
العبارة الشائعه تقول ” المختصر المفيد” وأنا يمكننى وصف عبارات “نسرين المؤدب ب ” المختصر البليغ” قلصت إستخدامها اللغوى إالى أقصى درجة ولكنها كانت تصيب الهدف بهذه الكلمات القليلة وكأنها تخرج من مدفعية ثقيلة “رتقت غشاءها ونسيتنا جميعا”
• أنا الأنانية التى تتباهى بأنانيتها
• وكدت أصرخ أن لك ابنة جميلة وأن اسمها حورية وأنها غادرة مثلك
• سوءالحظ الذى يلم شمل المصائب
• هكذا قيل لى أن الطيبة عكس الذكاء
• «لن أموت لأنّي ببساطة فكرة لم تُولد بعد”
• من السّهل أن تخسر في لحظة الرّغبة في الحياة
• بغتة، كبرت الشاشه وعظمت حتى إلتهمتنى
عبارات مختصرة بليغة صادمة تقذف بها الكاتبه فى وجوهنا بين الحين والآخر لتكشف لنا واقعنا اليومى وما آلت إليه حياه الإنسان المعاصر فى زمن النزعة الإستهلاكية والتى تعد المظهرالأول والأقوى والأوضح لحداثية الرواية .فنجد تعبيرا منفردا عن قضية صداقة البيئة والحفاظ عليها “لحسن حظّي ولسعادة الغابات” بدلا من الإشارة من قريب أومن بعيد لأهمية عدم قطع الأشجار من أجل إنتاج الورقيات “إختصرتها فى كلمتين “سعادة الغابات” ، حداثة فى التعبير واللغة والقالب والإشارة والموضوع.
كتابه عميقه تحمل الكثير من المراره،مراره فقد الام لأبنتها اولا ثم مراره فقد البنت لامها يصاحبها شعور بالندم وتأنيب الضمير ويا له من شعور موجع” كنت سخيفة وتجاهلت أمى من أجل إهتمام عابر وعلاقات واهية تشد وثاقها بعض اللايكات حيث تعودت أن أنثر صورى على أسفلت يدوسه الغرباء، فأستزيد لأجنى مزيدا من الأرقام 126.رصدت الكاتبه هنا هوس العالم اليوم بالأرقام، فالتعبير عن الحب ومشاطرة الأحزان والمشاركه فى الضحك والبكاء والأحتفال والتأييد أو الشجب كلها باتت عمليات محسوبة رقميا ، فنحن نقع فى فخ الرقمنه يوما بعد يوم بعيدا عن جودة المحتوى، أو أصالته أو جدواه.
لجأت الكاتبه إلى اللغه المصفاه ، فتحاشت الصور البلاغيه المستفيضة الشرح فتصفى اللغه لتعود إلى حالتها الجنينية بعيدا عن فنون الزخرفه والتوشية. غير انها ليست أداتية فقط تؤمن بالتواصل فى ادنى مستوياته ، اى تعيين الأشياء ، والأشخاص والأحداث .تقارب الصور المرئية التى توصل المعلومه بكلام مختصر وأحيانا أخر، للغه بعد تأملى تهتم بالكشف عن أغوار نفس الراويه والشخصيات الأخرى التى تدور فى فلكها ، فهى وسيله للتعبير عن العلاقه بينها وبين الآخر والعالم ولأنها كذلك فإن الكاتبه أرادتها مصفاه دون بلاغه اى دون وساائط .مباشره كأنها تعيد بذلك الألق للحياه العاديه المطموره تحت الركام
مرة أخرى …بساطة سردية، المختصر البليغ.
من أوضح مظاهر الحداثة فى الرواية هى الإشارة إلى الحروب الحداثية فحروب عصرنا هذا تمحورت من الدبابة والصاروخ إلى الإلكترون والفيروس فكان ظهور الفيروس التاجى “كورونا” مظللا خلفية الأحداث فأشارت أننا أمام حروب إلكترونية وحروب مائية ،فالسوشيال ميديا وسيطرتها على الإنسان وحرب الماء التى ستكون أقسى الحروب وأشدها ضراوة “فحتى الماء يصل إلى هنا بصعوبة. − لا أفهم كيف يطوي الماء كيلومترات إلى العاصمة ولا يقوى على المضيّ أمتارا حتّى بيوت القرية فى إشارة منها إلى انعدام العداله فى توزيع الماء ربما.
الماء هو العنصر الإلهى على الأرض و هو فينا وحولنا ومنه الموت والحياة ولكننا لا ننتبه إلى قوانينه ونميل بغرائزنا إلى الإستنتاجات البديهية فليس عبثا أن ترتبط به كل أساطير الخلق، من المصرية إلى الهندوسيه ومن التوراة إلى القرآن.
برعت نسرين المؤدب فى توظيف رمزية الماء اختارت الكاتبه الغوص في الماء كرمز أساسى بكل ما يخص الماء من خصائص وظواهر وعلاقات وأسماء وآيات قرآنية وألفاظ ومتعلقات جميعها مرتبطة بالماء. فالبطلة أسمها “مى” و أمها إسمها “حورية” والتى ذكرنى إسمها بحورية البحر أو عروس البحر الmermaid ، واسماء الفصول كلها إرتبطت بشكل أوبآخر بالمياه فهذا فصل “الينبوع” ، وهذا فصل معنون ” طوق نجاه” وهو الذى يلجأ إليه الغارقون فى المياه وفصل يشخص الماء ويجعل له ذاكرة، وفصل “العطش” وهو إحتياج الإنسان للماء وفصل “القطرة التى تفيض الكأس”. حتى فى الحلم إختارت الكاتبة زهرة ” نيلوفر” “ورأيتنى فى الحلم نائمة كحورية حقيقية على ورقة نيلوفر” 29 والنيلوفر نبات مائي معمر ذو جذور عميقة وهو ينبت في المياه الراكدة. له ساق أملس يطول حسب عمق الماء فإذا ساوى سطح الماء أورق وأزهر وزهرة النيلوفراو اللوتس مشهورة في الحضارة الفرعونية وكان يرى في الصور المرسومة على المقابر الفرعونية، ووجدت بقايا منه في مقبرة رمسيس الثاني وكان أيضا يتخذها الجيش المصري القديم علماً له.
“زريعه إبليس” كما صورتها لنا الكاتبه هى روايه الذات العائمة الطافيه على سطح من المشاعر الغير مستقره والواقعه تحت تأثير الماء فى كل قطره دراميه بها، فالماء هو الرمز الذى أنغمست فيه الكاتبه عن آخرها وهنا يطول الحديث، فالرواية إستخدمت الماء إستخداما شعاريا فبحر الرواية عميق يبحر بالقارىء لبلاد ما وراء الموج فأسرار الماء لا نهاية لها وهذه حقيقة علمية ” لم يبح الماء بعد بكل أسراره يا حورية” 29 فالماء ،من الناحية العاطفية، يمكن أن يرمز إلى العمق أو المشاعر المتغيرة أو الحزن. الماء هو أيضًا تمثيل عالمي للحياة حيث لا يمكن لأي نبات أو حيوان أن يعيش بدونه.وروحانيا يستحضر الماء أفكار التطهير والإحياء والتجديد والتحول. ومن الناحية النفسية، يرمز الماء إلى الأفكار العميقة أو المراوغة. عندما يقول أحدهم بالإنجليزية something is as “deep as the ocean ” , أن شيئًا ما «عميق مثل المحيط»، فمن المحتمل أن يكون المقصد هو وصفه بأنه غامض أو مبهم. فمن صفات الماء أيضا العمق، مما يعني أنه لا نهاية له – فأنت لا تعرف أبدًا متى ستصل إلى القاع. وكذلك يتصف الماء بالتغير فظاهرتى المد والجزر غالبًا ما ترتبطان بتقلبات المزاج وتقلبات المشاعر. كمثال أدبي، تستخدم توني موريسون فى رواية “الحبيب” عبارات مثل “موجة الحزن” و «كعكة الجليد الممزقة بعيدًا عن السطح الصلب للتيار» لنقل مشاعرشخصياتها العميقة فى الرواية .وكذلك فعلت نسرين المؤدب
أعيدى! قلت إننا فى ثلاجة كبيرة تحت الماء!
الماء يرمز إلى الدموع والحزن العميق. ماذا يخرج من أعيننا عندما نبكي ؟ الماء. غالبًا ما يرتبط عنصرالماء بالمشاعر والبكاء. فعندما تمطر في مشهد سينمائي، من المرجح أن تكون الشخصية الرئيسية حزينة. ذلك لأن الطقس الكئيب المرتبط بالمطر يثير الندم أو الحزن.
يتمتع الماء بصفات مثيرة للإهتمام. فهو يعد من القوة الهادئة بالرغم من أنه يبدو لطيفًا وناعمًا، إلا أن الماء هو أحد أقوى العناصر على وجه الأرض. يتضح هذا في كيفية عثور الماءعلى طريقه حتى فى المساحات الأكثر إنغلاقًا. إذا كانت هناك فتحة، فسوف تمر المياه – تمامًا كما تتسرب إلى الشقوق الصغيرة أو تغمر مساحات كبيرة.كما فى قوله تعالى : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء”
كما أن إحدى سمات الماء انها تعكس أيضا فكرة المثابرة والتصميم. مثل المياه التي تتبع طريقها بلا هوادة، وإيجاد طريقها بغض النظر عن العقبات، يمكن للناس أيضًا إظهار هذه المثابرة في جهودهم عند مواجهة التحديات، كما تفعل المياه، يمكن للمرء أن يجد طرقًا للتغلب على أهدافه والوصول إليها. يتردد صدى هذا مع بطلة الرواية “مى” فهى لم تستسلم فى حياتها او تذعن كما فعلت جدتها وأمها. بل تمردت وثارت على تقاليد المجتمع وموروثاته ورسمت لنفسها طريقا جديدا بعيدا عن التابوه الذى دفن المجتمع فيه أمها وجدتها .
الماء هو رمز عالمي للحياة عبر الثقافات في الماضي والحاضر. وكما هو معروف ، الماء ضروري للحياة كلها – لا شيء يمكن أن يعيش بدون ماء. لهذا السبب، غالبًا ما يتم استخدامه للرمز إلى النمووالحيوية
يمثل الماء بشكل مجازي التدفق والتغير فلنفكر برهة في الأمر: متى آخر مرة رأيت فيها الماء ثابتًا تمامًا ؟ الماء يتحرك باستمرار، فلنتأمل ديمومة حركة الأمواج فى البحار أو جريان الماء فى الأنهار او جريانها فى البحيرات او هبوطها من الشلاالاات وكيف يتحرك يمكن أن يرمز إلى مشاعر أو مشاعرالإنسان الدائمة التحرك والتغير حركه الماء هى حركة الحياة .
كما نجد في المسيحية، الماء علامة على النقاء والقداسة. يُستخدم الماء لتنظيف الأشياء حرفياً وروحياً. على سبيل المثال، يستخدم المسيحيون الماء لتطهير الناس من الخطية أثناء المعمودية، وغسل أي عيوب ليعطوا أنفسهم لله. ” ألق بنفسك فى الماء ليطهرك” . تعتبر العديد من المسطحات المائية مقدسة دينياً لهذا السبب بالذات. في الهندوسية، على سبيل المثال يقال أن الإستحمام فى نهر الغانج يساعد فى التحول الروحى وتطهير الذنوب وفى الثقافة الإندونيسية ترمز بعض الأنهار إلى الخلود ومحاربة الشيخوخة لمن يسبحون بها.
يمكن أن يمثل الماء أيضًا الدورة المتكررة للولادة والحياة والموت. “أنا مى يا حورية، ابنتك ، وهج الأنثى فيك ، ينبوع الحياة ونواة الكون، نحن هنا فى الخلية المائية الأولى حيث تبدأ الحكاية. .. حكايتلى وحكايتك ، هنا سر الحياة الأعظم! 30
وفي العديد من الأديان، يمثل الماء الشفاء والبدايات جديدة. مع طاقتها التي تمنح الحياة، يتم استخدام المياه بشكل شائع لترمز إلى الصحة والنشاط. على سبيل المثال، تقول أسطورة ينبوع ا لشباب (التي نشأت في القرن الخامس قبل الميلاد أن الماء له خصائص سحرية يمكن أن تشفي أي مرض، حتى التقدم فى العمر. في ثقافة الأمريكيين الأصليين، المياه هي 1 من 4 اتجاهات على عجلة الطب أو الطوق المقدس، والتي تستخدم لممارسات الشفاء التقليدي.
الماء إنعكاسي الخاصية أيضا ، فالماء مرآة للوعي الذاتي وغالبًا ما يستخدم هذا الانعكاس في الأدب والثقافة الشعبية لتمثيل السطحية أو الخداع أو قدرة الشخص على التغيير. على سبيل المثال، ضع في اعتبارك المشهد في ديزني مولان حيث يحدق مولان في انعكاسها في بركة من الماء. في هذه اللحظة، تدرك مولان ما يجب عليها فعله: التنكر كرجل وبدء رحلتها الجديدة، وتحويل وتجسيد نفسها الحقيقية.في الأساطير اليونانية، يقع نرجس في حب انعكاسه بعد أن نظر في بركة من الماء، مؤكدا على غرور البشرية.
الماء هو استعارة أدبية للعقل الباطن. مثل المياه العميقة، فإن العقل الباطن لغز – لا أحد يعرف ما يكمن تحته. إنه أمر لا يمكن التنبؤ به وواسع ومتغير باستمرار، مما يجعل الماء تمثيلًا مثاليًا. يمكن أن تتفاقم الأفكار والسلوكيات اللاواعية د تذكر، على غرار كيفية ظهور أي شيء تحت الأمواج. أحد أشهر الأمثلة على ذلك هو تمثيل المياه في موبي ديك هيرمان ميلفيل. في الرواية، يمثل البحر المفاهيم المضطربة والجميلة والمجنونة للنفسية البشرية. الماء له ثلاثة أشكال: السائل، الصلب، والغاز.فهو العنصرالذى لديه القدرة على التحول والتغير
في الأساطير، الماء هو رمز للمعرفة والحقيقة. في أغلب الأحيان، يتم استخدام الماء في الحكايات الأسطورية والفولكلور لتمثيل الحكمة العالمية. على سبيل المثال، في الأساطير الإسكندنافية، تنمو شجرة Yggdrasil من بئر Urd، وهي بئر عميقة مليئة بالمعرفة وأسرار الكون. في الفولكلور الأيرلندي، تصور قصة سنان “Senann “وهى إمرأة تتبع تيارًا مائيا لمتابعة المعرفة.
ثم تسترسل الكاتبه رحلتها مع الماء فى أربعه فصول متتالية توضح المراحل الأربعه لدوره المياه فى الكون مع إلحاق رسم بيانى علمى يشرح مراحل الماء حتى يسيل مطرا بدءا من مرحلة “التبخر” ثم “التكاثف” ثم “التساقط” ثم ” السيل” وهذا أمرا مألوفا فى الأبحاث والكتب أو الدوريات العلمية أما فى رواية أدبية إنسانية جدا فهوأولا أكدعلى حداثيه الرواية من حيث كسرها للمألوف بيد أنه لم يفقدها متعتها الأدبيه أوالتشويقية ، بل بالعكس أثار شهيه القارئ لمعرفه المزيد عن أسرار الماء ثم ركوب “زورق من ورق” فى الفصل قبل الأخير فى إشاره إلى النجاة ثم الأمل فى الفصل الأخير بعنوان “بداية أخرى “.
زريعه إبليس روايه الذات العائمه غير المستقره والواقعه تحت تأثير صورتها الدراميه المائيه، فالرواية تضرب فى أعيننا ضوءا ساطعا لنستفيق امام تحولات عميقه وهائله فى حيواتنا الحديثة ناهضه بالتجربه الانسانيه نحو عوالم أكثر شفافيه وأقل فجاجه تستثير فى القراء التأرجح بين الواقعيه المرجعيه والرمزية والشاعرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى