الشاعرة السورية “رجاء شعبان”: أتمنى الآن أن تتوقّف الحروب في غزة ولبنان وسوريا ويعم السلام.
كل عمل ابداعي هو علامة فارقة للمؤلف لأنه يجسّد مرحلة جديدة مختلفة الطرح والفكرة .
المبدع يحمل جينات الإبداع وما عليه إلا تفعيلها حسب الحدث والاجتهاد.
أتمنى الآن أن تتوقّف الحروب في غزة ولبنان وسوريا ويعم السلام.
حوار – سيلفا سيبور
كاتبة وشاعرة سورية مفعمة بالحب متجددة بالحضور والثقافة تمتلك الجرأة والقوة في آن واحد ولها من النجاح ما يستحق التوقف عنده إذ إن الإبداع هوية ملازمة لها، أينما خطت قلمها الذهبي حلقت في عالمها الخاص فحولت الورق إلى جمال وترجمت أفكارها قصائد أدبية مخلدة لترسم اسمها بين المبدعين.
ضيفتنا الكاتبة والشاعرة السورية “رجاء شعبان” أهلاً بكِ …
ـ لنبدأ من البداية…كيف تقدّم رجاء شعبان نفسها للقارئ؟
أنا رجاء شعبان أحب القراءة والكتابة شغفي وحلمي.. كان جميلاً جداً أن أصل لهذا الحلم وألامس هذا الشغف وأحضنه ويحضنني وأتغلغل به ويتغلغل بي وأمزجه ويمازجني عبر الحبر والورق والقلم والسطور… فنشّكل عالماً الجميل في هذا العالم عن هذا العالم وبعيداً عن هذا العالم منطلقاً من هذا العالم.
ـ مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة من أين كانت هذه الخطوة ؟ ومن كان الداعم الأساسي لك خلال رحلتك؟
– نعم دائماً هناك خطوة أولى… ولكن قبل الخطوة يوجد شيئاً اسمه المشي… يأتي معنا هاجساً تقليدياً وأساسيّاً وحاجة ماسّة وضرورة لتعلّمه.. فنتدرّب ونحاول ويساعدنا الآخرون إلى أن نتقن المشي ونمشي… فنأخذ طريقنا الخاص ونجري وقد نكتشف طرقاً مغايرة عن الآخرين.. وقد تتقاطع معها وهكذا.. أما عن دربي الذي اخترته أو اختارني والذي هو الكتابة فكانت أولى خطواته مع تدرّجي على درب الحياة لأتعلّمه ويجري بدمي ويكبر معي وينضج بسنّ المراهقة كجسدي في سن الخامسة عشرة من عمري إذ بدأت بوادره تظهر وأولى ثماره تتمظهر وتتجلّى ببعض الحروف والجمل والسطور وصولاً إلى المقاطع الشعرية والقصص التعبيرية لأرى وأصف وأتفاعل مع الحياة كأية شجرة يداعبها النسيم فتتمايل وتلقّحها الريح فتثمر في بطن التجارب لتلد من رحم المواقف صور وتشابيه وتعابير تكون لحناً كلحن السماء الذي أرادها نبضاً وأغنيةً على الأرض.
أما عن الداعم الأساسي خلال رحلتي… فهي الكتابة نفسها والإيحاء ذاته والأدوات الجميلة المرافقة من المشاعر والأحاسيس والمطالعة والفكر…. عدا عن الشخصيات المرافقة لكل مرحلة، فلكلّ مرحلة هناك محبّون.. داعمون.. مساندون… بالكلمة أو الوجدان.. لكن المرافق الدائم لي والداعم الأساسي لشخصي هو شخصي وتمسّكي بشغفي وعدم يأسي من شيء اسمه القلم وتعبيره وتأثيره سواء لي أو لغيري.
ـ ماهي الكتابة بالنسبة لكِ؟ وما أبرز ما خطه قلمك في الكتابة؟
الكتابة بالنسبة لي تعبير دائم وحركة مستمرة من صلب حياتي لا أفصلها عنّي كأيّ نشاط أساسي مثل الأكل والشرب والتحرّك والعمل والنوم…
وبالنسبة ما خطه قلمي… خطّ الكثير… وتقريباً كلّ شيء شعرتُ به ومررت فيه وخرجت منه وحيّرني أو أبكاني وأفرحني ودعاني لأعقد جلسات مع حالي ومع القلم على صفحات الحياة أحادثها وأناقشها وأشكو لها وأبكي بين أحضانها وأضحك لها..
خطوت الأشعار والأقاصيص وصولاً إلى الكنه الذي أحبه: الرواية… هذا المجال الفسيح الدافئ والرحلة العابقة البعيدة التي كنت دائماً أحلم بالقيام بها… والحمدلله بدأت برحلتي بها وانطلقت عبر دروبها.
ـ المنعطفات هي من تصنعنا أما الطرق السالكة فلا تؤدي إلى شيء ، كيف واجهتِ عقبات النجاح ؟
الطرق السالكة هي الأساسية في كل شيء وهي تلد المنعطفات.. الطرق السالكة في الحياة هي نحن وتجربتنا فيها والمنعطفات هي الدافع الأساسي لاضطرار تغيير المسار الثابت والأساسي أو المستقيم لمتابعة السير… المنعطفات هي تغيير الإتجاه أو الالتفاف حول طريق بدأ يظهر غير سالك… فننعطف لنتابع.. أما الدرب فهو ذاته باستقامته والتفاتاته…
فأما عنّي لم أفصل بين الطريق والمنعطف، علمت أنّ الحياة ليست طريق مستقيم دائماً، هذا ما لفت نظري لهذه العبارة التي قالها يوماً دكتور في الجامعة يدعى أديب خضور… هو باحث بشؤون الإعلام على مستوى الوطن العربي… وحين نطق بهذه العبارة من ضمن الدرر التي كانت تسقط منه تلقائياً ونلتقطها هذه العبارة التي جاءتني كرسول ووحي من السماء عبر هذا الباحث العظيم… من يوماً هضمتُ هذه الفكرة وكلما واجهتني صعوبة وما أكثرها… تذكرت هذه الحكمة الرائعة والبالغة…. إلى أن تعلمت كيف أُنضِج المصاعب وأعتبرها حطباً ووقوداً لطبخي ومنافعي في الحياة…. فكلّ شيء بإمكانك أن تحوله إلى طاقة للاستفادة منها حسب صنعك بها ونظرتك حولها كيف تستفيد منها ولا تزهد فيها وتعتبرها عبئاً ثقيلاً..
فواجهت عقبات الحوادث على الطرقات وتعثّر إكمال المسير بعدم الانسحاب والتمسك بالرحلة ذاتها مع البحث الدائم عن البدائل لحلّ المعوقات والالتفات حول الدروب السالكة بالبحث الدائم وعدم الملل أو الاستماع لأحاديث الغير حول فحوى الأحلام… فما تراه حلماً قد يكون سخفاً بعين غيرك وهكذا… فلكلٍّ أحلامه ودربه.. يجب عدم الانصات كثيراً للمهولين للأحداث أثناء الوقوع والتمسك بالمتابعة أثناء الوقوف ومتابعة السير وعدم التخلي عن الهدف أو الاستهتار به واسترخاصه وعدم خذلان التعب القديم وبيعه بالرخص أثناء الحاجة.
ـ لديكِ أكثر من رواية أيهما الأقرب إليكِ والتي شكلت علامة فارقة بمخزونك الإبداعي؟
– نعم لدي ثلاث روايات مطبوعة، الأقرب جميعهن لأنهن كلهن بناته، لكن بإمكاني أن أقول أن روايتي الاولى: لا عشق بعدك، هي ابنة عاطفتي التي أحب، يعني ابنة قلبي الأساس.. أما روايتي الثانية: رسالة مطوّلة إلى عزيزي الرجل هي ابنة وجداني .. وروايتي الثالثة: على تلّة البربهان هي ابنة روحي!
وفي النهاية كلهن بنات شخصي.. شخصيتي المتفرّعة بالقلب والفكر وأغصان الروح. وكل رواية سأنتجها سأحبها وتكون غالية لكل كياني.. فأنا أكون كتبتها بحب… وغدت ثمرة يانعة من ثمار القلب والروح والعقل. نحن شخصيات مطوية ضمن شخصية وعوالم مخفية تظهر من خلال ابداعاتنا… ونحبّ ما يظهرنا ويشير إلينا من الداخل ويعرّفنا على عوالمنا… ويضوّي دهاليز حياتنا ويزيح العبء عن ظهورنا… إنها منتجات الكتابة وثمارها اليانعة الشهية التي زرعناها في أرضنا لنا ولغيرنا من الأجيال.
وكل عمل ابداعي هو علامة فارقة للمؤلف لأنه يجسّد مرحلة جديدة مختلفة الطرح والفكرة.
ـ يتميز شعرك بالعمق والإيحاء والجمال، من أين تستوحي كتاباتك ،ما مصدر إلهامك ؟
الوحي الأول لي الطبيعة ومحبّتها وتأمّلها والاستفادة من صورها ورؤيتي لها، الطبيعة خامة الإبداع والجمال والتجارب ومحاورة الناس والتفاعل مع المجتمع أيضاً وحي آخر للإبداع… عموماً المبدع يحمل جينات الإبداع وما عليه إلا تفعيلها حسب الحدث والاجتهاد ولحظة الوحي الحاسمة واليقظة الدائمة والاستعداد لالتقاط صور هذا الإيحاء الذي يأتي عبر مشاهدة أو ذكرى أو صورة أو حدث يحصل.
ـ حبذا لو تُهدينا بعض الأسطر من إحدى قصائدك ؟
منزلي أنت يا حبيبي
“لو تهدّمت بيوتي
وانعدمت منازلي
تبقى أنت منزلي وسكني وبيتي يا حبيبي
أفترش الأرض
وألتحف السماء
ويغطّيني التشرّد
شرط أن أشعرك بقلبي ملتحفاً
متدثّراً بروحي
تهبني معاني الصبر
وابتسامة الحكمة
وروعة الإحساس بالغِنى أثناء الفقد
يا حبيبي…
يا من أنت ثروتي
وكنوزي التي لا تنفد
ربّما أنا لا أشكرك دائماً
وربما حين يخذلني غبار رمشي
وأطردك خارج عيوني
أصاب بالرمد والعمى
وأتعثّر بالأشياء
فلأنّك الوحيد بقلبي أشتمك
ثم ما ألبث أن أنهض بيدك
فأنظر متأسفة
غير قادرة على النظر بوجهك
لكنّي أكون أمتّن حبّك كأني للمرة الأولى أعرفك وأهيم بك
وأجدد حبي لك
كأنه زهرة تفتّحت للتوّ
يا حبيبي…
يا معبري وملاذي
ووسادتي
وملاءاتي التي تحميني من عيون الشرّ
لأنام بحلم
أنت حارسي وملائكتي
وربيع عمري…
وأزهاري المتفتحة في كلّ المواسم
أنت تغريدتي يا حبيبي
فسامحني إن أسأت الالتجاء لذراعك
ذراعيك المفتوحتين دائماً لاحتضناني
والتي تُنهضني حين أسقط
يا وداعة سحريّة من عالم الغيب
تأتيني على هيئة ابتسامة رجل
تقبّل انكساري يا حبيبي
يا جبران خاطري
ومطر وجداني
الذي سيسعد الجميع
بعد ان يطوف فرحاً”
ـ كيف ترين المشهد الشعري العربي اليوم ؟ وهل من تطور وتجريب في الكتابة الشعرية خصوصاً مع موجة النشر عبر العالم الافتراضي؟
المشهد الشعري غني وجميل… ودائماً هناك تطور وتجدد وتنوع للتجارب الشعرية… ربما نسمع بها أو لا… لكن عدم سماعنا بها لا يمنع من وجود تجدد دائم وتطور مستمر لجماليات التجربة الشعرية… والعالم الافتراضي لا يصنع شاعر لكن يساهم في وصول تجربة الشاعر لأوسع شريحة بالمجتمعات عبر العالم وليس عبر المجتمع المحلي ذاته…. فالعالم الافتراضي لا يقلل من تجربة الشعر أو يكثرها… هو وسيلة وأداة للعرض والانتشار… تساعده في الانتشار أكثر وبالوصول بشكل أسرع لكنّها لا تخلق منه مبدع… هي خادم أمين إن عرف المبدع كيف يستخدمها… ومركبة جميلة تأخذه مواقع وأماكن ونزهات مميزة.
ـ لمن تقرأ رجاء شعبان ومن الشخصيات التي أثرت بكِ ؟
كنا نقرأ للجميع ممن نحصل عليه من متوفرات من الكتب، ولا ننسى فضل الكتب المدرسية التي عرّفتنا على خيرة الكتّاب والشعراء ودخلنا من خلالها عالم المعرفة والعلم… أما فيما بعد ربما ينطلق الكاتب بخصوصية ما حول نوعيّة الكتب التي يقرأها ويبدأ يفضّل بعضها ويخصص منها ما يتوافق مع ذوقه أو يغذّي عالمه.. قرأت لغادة السمان ومي زيادة ونازك الملائكة وفدوى طوقان واليزابيل الليندي وأنطون تشيخوف وديستوفسكي وباولو كويلو وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغسان كنفاني وإحسان عبد القدوس وطه حسين.. . وقرأت مقتطفات هناك وهناك… وقرأت لقيس بن الملوح وأبو فراس الحمداني وبشارة الخوري وأبو القاسم الشابي… قرأنا ونقرأ… وأقرأ الآن لمحمد الحفري ومحمد الطاهر ومازن الشريف… وروايات عالمية متفرقة هنا وهناك… القراءة لا تتجزأ… كالرحلات جميعها هامة وضرورية وتخلق في وقتها… وقبل كل شيء قرأت وأحببت قصص القرآن… وإن بقينا سنقرأ لأسماء جديدة غير معروفة الآن وهكذا….
ـ حكمة اتخذتِها قاعدة في حياتك بعد رحلة عمل وحياة؟
حكمتي المفضلة لكونفوشيوس أحبها: أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام.
وحكمة أعتنقها تقول: الزنبق الأبيض الذي يزدهر في الوادي بعيداً عن الأنظار لا يحتاج أن يبرر نفسه لأحد فهو يعيش فقط من أجل الجمال.
ـ ما هي مشاريعك القادمة ؟
مشاريعي رواية جديدة حول أسلوب آخر في الحب الصوفي.. أنتهيت منها ولكني في مرحلة المراجعة والتدقيق… ورواية أكتبها هي مزيج بين الماضي والحاضر، إضافة لديوان قصائد نثرية.
ـ ماذا تتمنى رجاء شعبان؟
أتمنى الآن أن تتوقّف الحروب في غزة ولبنان وسوريا ويعم السلام وتعود الحياة طبيعية تنهض من جديد حينها نفكر بأمنيات أخرى من سفر ومقابلات وزيارات لأماكن وبلدان وكتابة أعمال جميلة تمثّل الحياة الحقّة وتمجّدها.
_ كلمة أخيرة تختمي بها اللقاء؟
أشكركم أنتم الصحافيين والإعلاميين – رسل المحبة والكلمة- عصافير المواقع والنشر وابتسامة كل ناجح بعد التعب.. رسالتكم سامية… وأشكر جميع المنابر والصحف والوسائل التي ما زالت تحترم الكلمة وتدافع عن استمرارية الحياة بالفكر ونشر عبقه.
وشكراً لك سيلفا الجميلة…وعلى أسئلتك الناعمة مثلك.
Silva
Silva A Saïbour
كل عمل ابداعي هو علامة فارقة للمؤلف لأنه يجسّد مرحلة جديدة مختلفة الطرح والفكرة .
المبدع يحمل جينات الإبداع وما عليه إلا تفعيلها حسب الحدث والاجتهاد.
أتمنى الآن أن تتوقّف الحروب في غزة ولبنان وسوريا ويعم السلام.