د. حسين إبراهيم يكتب: لماذا تقرأ “حول الحكم والإدارة” ؟

 
عدما طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق في أكتوبر ونوفمبر ٢٠١٣، نشر كتاب الحكم والإدارة المجلد الأول لللزعيم الصيني عام ٢٠١٤، ثم نشر المجلد الثاني في عام 2018، ثم تواترت الترجمات الأجنبية لهذا الكتاب، بين الإنجليزية والفرنسية والعربية والروسية والإسبانية والبرتغالية والألمانية واليابانية، وظل في عقلي كباحث ومتخصص في الشؤون الصينية سؤالا ملحا، لماذا تريد الصين أن يطلع القراء الأجانب على هذا الكتاب، سأعطيكم إجابة سريعة تشفى غليل القارئ، ثم أفصلها لتشفى رغبتي في البحث والدراسة كمحب للثقافة الصينية والمجتمع الصيني.
لعب هذا الكتاب دورا مهما في دراسة وفهم الجماهير الغفيرة لأفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، ومن أجل مساعدة القراء داخل الصين وخارجها علي أن يعرفوا ويستوعبوا الجوهر الروحي لأفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية (حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – كلمة الناشر الطبعة الثانية ص ١)، هنا سأطرح سؤال أساسي يعلق في فكر كل قاريء، ما هى الاشتراكية ذات الخصائص الصينية؟ ولما تحتاج لكتاب من مجلدين للحديث عنها؟ .
الاشتراكية بخصائص صينية هو مصطلح شامل يشير لبعض السياسات التى تطبق جوهر الماركسية اللينينية بما يتلائم مع ظروف الأمة الصينية، لذا ففكر الزعيم الصيني شي جين بينغ هو تطبيق للماركسية اللينينية في الظروف الحالية للصين، في حين أن فكر ثعلب الاقتصاد الصيني دينغ شياو بينغ فكرًا مناسبًا للظروف الصينية في ثمانينيات القرن العشرين، وقد ظهر مصطلح الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في عصر دينغ شياو بينغ لتوضح عملية التحول في السياسات الاقتصادية الصينية حيث أدخلت الصين حينها عناصر من اقتصاد السوق بهدف دعم النمو باستخدام الاستثمار الأجنبي وزيادة الإنتاج وخاصة في الريف الصيني، بينما حافظت الحكومة الصينية على التزامها بالأدبيات الماركسية الأصولية.
يتضمن المجلد الأول من الكتاب ثمانية عشر موضوعًا أو لنقل مبحثًا؛ تغطى كافة مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والايكولوجية والاستراتيجية والقانونية إلخ،حتى يقع في يقين القاريء أن بين يديه موسوعة تغطى نواحي الحياة بالمجتمع الصيني، حتى قبل أن يبدأ في تصفح المجلد الثاني والذى يضم بدوره سبعة عشر مبحث.
منذ طرح مبادرة الحزام و الطريق في عام ٢٠١٣، طرحت الحكومة الصينية العديد من المصطلحات والشعارات، أشهرها “الحلم الصيني” وقد تعرض الكتاب لأهمية تحقيق حلم الصين، فمن ناحية “تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية هو الحلم المشترك لأبناء الامة الصينية داخل الصين و خارجها” (حول الجكم و الإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول ص 37)، ومن ناحية اخرى لإنه “لا يفيد الشعب الصيني وحده، بل يفيد شعوب العالم،(حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول ص 61).
حيث”يكمن جوهر حلم الصين في نهضة الأمة وسعادة الشعب، وتتمثل أهداف الكفاح في مضاعفة الناتج المحلي ومعدل نصيب الفرد من الدخل للسكان في الحضر والريف، وإنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة، وتحقيق حلم الصين في النهضة العظيمة للأمة الصينية.”(حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول ص 61)، بالصين حكومة وشعبا “تشدها رغبة للمضى قدما، ويدا بيد على الطريق المؤدي لتحقيق الاحلام الجميلة عبر التضامن الوثيق و المساندة المتبادلة و التعاون الصادق.” (حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول ص 62).
يتساءل القاصي والداني عن سر التضامن والوحدة بين أبناء الأمة الصينية، خاصة بعد أن يعرف القاريء أن الصين تضم ٥٦ قومية وعرق, وبعد تعمق في الثقافة والحضارة والآداب الصينية لأكثر من ٣٥ عاما، أرى إن السر يكمن في أن “الثقافة الصينية الواسعة الأفق والعميقة الغور هى الروح المشتركة لأبناء الأمة الصينية داخل الصين وخارجها” (حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول ص 69).
يعيش في أنحاء العالم عشرات الملايين من المغتربين الصينيين كلهم من اأعضاء الأسرة الصينية الكبيرة، وظل المغتربون الصينيون وراء البحار يتوارثون التقاليد الحميدة للأمة الصينية جيلا بعد جيل، فدعموا القضايا الصينية للثورة والبناء والإصلاح.” (حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول ص 70).
ومن أهم الموضوعات التى جذبت انتباهي في (حول الحكم و الإدارة) المبحث الخاصة ببناء الحضارة الإيكولوجية، أو لننقل العيارة المستقاة من الكتاب “بيئة أفضل لصين جميلة” (حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول ص 223)، حيث اعتبرت الصين أن حماية البيئة قضية تعود بالنفع على الأجيال المعاصرة، فحماية البيئة ومعالجة التلوث مهمة ملحة وصعبة، فواجب علي الأجيال الحالية أن نتخذ موقفًا مسؤولًا إزاء الأجيال القادمة لمعالجة التلوث البيئي وتعزيز الحضارة الإيكولوجية.
ومن هنا أنتج المجتمع الصيني مجموعة حديثة من المصطلحات مثل:”التعافي الإيكولوجي” و “الأمن الإيكولوجي” و”الأسبقية للموارد”، وقد جاءت جميعها تحقيقًا لمبدأ الدولة الصينية “للحفاظ على التوزان بين التنمية الإقتصادية وحماية البيئة، فحماية البيئة هى حماية القوى المنتجة وتحسين البيئة يعني تطوير القوى المنتجة، لدفع التنمية الخضراء والتنمية المنخفضة الكربون وتنمية تدوير الموارد.” (حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الأول ص 225).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى