خطوة قد تقلب لبنان.. هل تغادر «يونيفيل»؟

خطوة قد تضطر «يونيفيل» لاتخاذها قد تقلب لبنان، وهي القوة التي تضبط إيقاع الأمن في جنوبه وعلى حدوده مع إسرائيل.

ففي أسوأ السيناريوهات، قد يضطر مجلس الأمن الدولي لسحب قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان، المعروفة اختصارا بـ«يونيفيل»، وذلك في ضوء الاعتداءات المتكررة عليها من قبل إسرائيل.

طرح يظل محتملا في ظل التصعيد المستمر ودخول البعثة الأممية على خط نار تل أبيب في جنوب لبنان، وأيضا في وقت يبدو فيه الغضب الأوروبي عاجزا عن «تحصين» القوة التي تساهم فيها العديد من دول القارة العجوز بقوات.

وأمس الجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أطلق النار في اتجاه “تهديد” قريب من موقع لقوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان، في سياق “حادث” أسفر عن إصابة عنصرين في اليونيفيل،

وأكدت «يونيفيل»، باليوم نفسه، إصابة اثنين من عناصرها من الكتيبة السريلانكية في انفجارين قرب نقطة مراقبة حدودية، في ثاني واقعة تفيد القوات الأممية بوقوعها خلال يومين، إذ جرح عنصران تابعان لها الخميس، ما استدعى إدانات دولية.

أسئلة وسيناريوهات
تساؤلات عديدة فجرتها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على «يونيفيل»، وما إن كان ذلك قد يدفع نحو سحبها، وما هي التبعات قانونية تقع على عاتق الجهة التي تستهدف قوات دولية.

أيا من هي الجهة المخولة للقيام بذلك، وما إن كان يمكن للأمم المتحدة سحبها دون قرار من مجلس الأمن، وإن كان نعم، متى يمكنها اتخاذ مثل هذا القرار؟

يرى أستاذ القانون الدولي، محمد محمود مهران، أن هناك احتمالات متعددة تواجه عمل قوات «يونيفيل» في لبنان في ضوء التطورات الأخيرة والاعتداءات المتكررة عليها.

ويقول مهران إن «القوات قد تستمر في أداء مهامها مع تعزيز إجراءات الحماية، أو قد يتم تعديل تفويضها للتكيف مع الوضع الراهن، وفي أسوأ السيناريوهات قد يتم النظر في سحبها».

وأوضح أن «قرار سحب قوة حفظ السلام يعود حصريًا لمجلس الأمن الدولي، باعتباره الجهة الوحيدة المخولة باتخاذ مثل هذا القرار، لأنه الهيئة التي أنشأت البعثة وحددت تفويضها».

وحول التوقيت الذي يمكن فيها اتخاذ قرار سحب القوات، أشار الخبير إلى أنه يتم النظر في سحب القوات عندما يرى مجلس الأمن أن البعثة لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها.

أو عندما تصبح سلامة أفرادها في خطر جسيم لا يمكن تخفيفه، وشدد مهران، في الآن نفسه على «أن سحب القوات لا يعني تلقائيًا إنهاء القرار الذي جاءت على أساسه، بل يظل ساريًا ما لم يقرر مجلس الأمن إنهاءه صراحة».

وفي ما يتعلق بإمكانية سحب القوات دون قرار من مجلس الأمن، أوضح أستاذ القانون الدولي أنه من الناحية النظرية يمكن للأمين العام للأمم المتحدة في حالات الطوارئ القصوى اتخاذ قرار مؤقت بإجلاء القوات لأسباب أمنية، لكن هذا الإجراء يكون مؤقتًا ويتطلب موافقة لاحقة من مجلس الأمن.

تبعات خطيرة
بحسب الخبير، توجد تبعات قانونية خطيرة على الجهة التي تستهدف القوات الدولية، مضيفا أن «استهداف قوات حفظ السلام يعد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية».

كما لفت إلى أنه يمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات دولية على الدولة المسؤولة.

وأكد مهران أهمية الحفاظ على وجود «يونيفيل» في لبنان، نظرا لأهمية الحفاظ على الاستقرار في جنوبه، ما يستوجب دعم هذه البعثة وضمان قدرتها على أداء مهامها في بيئة آمنة.

ويتفق مع مهران، أستاذ القانون الدولي بالعاصمة الفرنسية باريس، الدكتور مجيد بودن، قائلا إن الجهة التي تستهدف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان – وهي إسرائيل- عليها أن تتحمل التبعات القانونية لعملها.

وأضاف بودن أن هذا العمل يوصف بأنه «خرق للقانون الدولي الإنساني لأن قوات حفظ الأمن ليست مساهمة في حرب وليست طرفا ولكنها موجودة لحفظ السلام وفصل الأطراف المتنازعة».

وتابع: «من هنا، فإن استهدافها هو استهداف لعملية السلام بأكملها وكذلك استهداف للأمم المتحدة ولمجلس الأمن وقراراته، وبالتالي فإن لهذا العمل عواقب كثيرة جدا وكبيرة».

وبالنسبة لـ«بودن»، فإن «الاعتداءات على قوات يونيفيل دفعت بالعديد من الدول وعلى رأسها فرنسا ومعها إسبانيا وإيطاليا للتحذير وطلب منع إمداد إسرائيل بأسلحة تستعمل في غزة وفي لبنان».

ولفت إلى أن ذلك يأتي أساسا للحفاظ على سلامة المدنيين والبنية التحتية وقوات الأمن التابعة للأمم المتحدة.

وكما سابقه، أكد أستاذ القانون الدولي أن قرار سحب القوات من لبنان والحفاظ عليها يقع حصرا في يد مجلس الأمن، وأن القرار يجب أن يتخذ بالإجماع بدون استخدام حق الفيتو (النقض) من إحدى الدول الدائمة العضوية.

واستبعد الخبير حصول هذا السيناريو «لأنه إذا وقع سحب قوات أممية، فإن ذلك يعني فتح المجال لإسرائيل لدخول لبنان بدون أي عملية صد».

وأوضح أن «هذا الاحتمال غير وارد لا حاليا ولا في المستقبل المنظور».

منع الحصار
بدوره، أكد أستاذ القانون الدولي بجامعة القدس، الدكتور أمجد شهاب، أنه منذ تأسيس وتكليف بعثة «يونيفيل» عام 1978، فإن مجلس الأمن هو الذي يصوت سنويا على تجديد ولايتها».

وأوضح شهاب أن «للبعثة العديد من الوظائف على المستوى البري والبحري لمنع إسرائيل من فرض أي حصار على لبنان».

كما أشار إلى أنه «في خضم أحداث ٢٠٠٦ المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، قرر مجلس الأمن تعزيز التفويض العام الممنوح ليربط مسألة انسحاب يونيفيل بالمجلس سواء بأعضائه الخمس الدائمين أو العشرة غير الدائمين».

و«يتم ذلك عبر التصويت بأغلبية الثلثين أو أكبر من ذلك، على أن لا تستخدم إحدى الدول دائمة العضوية حق الفيتو»، بحسب الخبير الذي لفت إلى أن تعرض البعثة للخطر والقصف قد يجبرها فقط على نقل مكاتبها إلى مدينة صور في انتظار التهدئة والعودة لمراقبة الحدود بعد اتفاق سياسي على تطبيق قرار ١٧٠١.

أستاذ القانون الدولي بجامعة القدس يشير أيضا إلى أن هناك توجها من الحكومة اللبنانية الآن بالتوجه لمجلس الأمن لإصدار قرار جديد يعطي تفويضا أكبر للبعثة في مراقبة وقف أي انتهاكات ترتكب من الجانب الإسرائيلي، خاصة في ظل محاولات الاجتياح البري والتصدي لمحاولة محاصرة لبنان برا وبحرا وجوا.

وعن استهداف تلك القوات، اتفق شهاب مع سابقية من الخبراء القانونيين بأن هذا له «العديد من التداعيات القانونية على هيبة الأمم المتحدة ودورها في الحفاظ على احترام قانون مجلس الأمن».

واستبعد شهاب سحب هذه القوات التي تساهم فيها خمسين دولة بقواتها، لافتا إلى أن البعثة هي الوحيدة القادرة على المساهمة بشكل كبير جدا في إيجاد مخرج سياسي بعد ضغط الحكومة اللبنانية بهذا الاتجاه وإجبار حزب الله على العودة لما بعد نهر الليطاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى