منابر التفاوض ما بين الحلول الممكنة والإسقاطات النفسية..الدول العربية نموذجاً..!!
تقرير: عبد القادر جاز
الملاحظ أن معظم المفاوضات ما بين الحكومات والمعارضة في الدول العربية لم تثمر نتائجها، بل ويسودها الغموض في مخاطبة جذور الأزمة، يرى البعض أن عملية التفاوض في أي منبر تتسم بتطويل المسائل الخلافية دون مراعاة للأزمة التي ألقت بظلالها السالبة على واقع المواطن المغلوب على أمره، هل يعني ذلك أن تمديد عمر الجلسات ناتج عن عدم قدرة الأطراف للتوصل إلى اتفاق، أم أن أجندات المحاور تظل هاجسا يفشل التحاور؟ لماذا لا يضع أطراف الحوار النقاط الخلافية موضع الجد لتقييم مدى تقاطعها مع مصلحة المواطن أم أن الانطباعات النفسية للمتحاورين سيدة الموقف في طرح ومناقشة الأزمة؟
سياسة المماطلة:
أكد د. بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض السورية أن أسلوب تطويل المسائل الخلافية في عملية التفاوض تنتهجها بعض الأطراف الضعيفة والعمياء عن الحق، ووصفها بأنها لا تملك الحجة، ولا الشرعية مما يجعلها تنتهج سياسة المماطلة والتسويف من أجل تعطيل الحلول والمعالجات اللازمة، مشيراً إلى أن هذا أسوأ ما تقوم به أحدى الأطراف المتفاوضة في القضايا الوطنية المصيرية، معتبراً أن ذلك يراهن على مصير الشعب والوطن ويضرب آمال الشعب بعرض الحائط لتحقيق مصالحه الشخصية، موضحاً أنهم في العملية التفاوضية السورية ممثلين لهيئة التفاوض السورية كهيئة سياسية تمثل نطاق واسع من قوى الثورة والمعارضة، وتحمل مطالب ثورية معترف بها من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، مجدداً التزامهم التام بمتطلبات الأمم المتحدة للتوصل إلى حلول وفقاً لبيان جنيف والقرار (2254) الذي أشار إلى أن المأساة السورية قضية وطنية عليا، وفيها مصائر الملايين من السوريين، مستطرداً بقوله: بالضرورة ندرك حجم الخطورة بوعي تام دون أي مماطلة تؤدي إلى ازدياد الأوضاع المأساوية على المواطنين، مبيناً أنهم طالبوا النظام السوري بالالتزام والتطبيق بالشكل الكامل والصارم لحيثيات هذا القرار، معرباً عن أسفه بأن النظام السوري يُحاول إغراق المعارضة والمجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتفاصيل، ويرفض وقف العنف والتفاوض لإجراء اجتماعات اللجنة الدستورية، فضلاً عن المضي قدما باتجاه الحل السياسي وفقاً للقرارات الدولية، متهماً النظام السوري باختراع الحجج اللا معقولة واللا منطقية والتي لا علاقة لها بالقضية السورية من أصله، مقراً بأن النظام السوري صحيح أنه نجح في التعطيل بالقوة على حساب دمار وزيادة الكوارث الإنسانية والأمنية والاقتصادية وغيرها، منوهاً أن هذا سيسجله التاريخ وصمة عار، ولن يستطيع الاستمرار إلى الأبد مهما كان الأمر.
القواعد الإلزامية:
قال بدر إننا في هيئة التفاوض السورية لم نقم بتعطيل أي عملية تفاوضية مع النظام السوري، مؤكداً تجاوبهم مع كل القرارات الدولية، ومشاركتهم الجادة في أعمال اللجنة الدستورية، التي كان من المفترض يكتب دستورها الجديد خلال ستة أشهر من بدء أعمال اللجنة، مرجحاً تهرب النظام السوري من ذلك وعدم تقديمه لأي بنود دستورية مكتوبة، وأردف بقوله: إنهم طالبوا الأمم المتحدة بضرورة وضع قواعد إلزامية تمنع أي طرف من تعطيل العمل. مشيراً في هذا الخصوص إلى مواصلة النظام السوري التعنت والمماطلة إلى درجة رفضة المشاركة في الاجتماعات شريطة تنفيذ الأمم المتحدة للمطالب الروسية، معتبراً أن هذه المطالب ليست لها علاقة بالقضية السورية، مبيناً أن ذلك يعد خرقا لكل الأسس الوطنية تحقيقا لمصلحة الحلفاء، مؤكداً أن أجندات المحاور تظل هاجسا يغض مضاجع النظام السوري، لأنه يدرك نهاية المفاوضات بهئية حكم إنتقالية ذات صلاحية كاملة، وتقود إلى مرحلة تفرض الأمن وتعيد هيكلة الأجهزة الأمنية وتقرر لدستور جديد، فضلاً عن الدعوة إلى مؤتمر وطني شامل يحدد مستقبل البلاد، معترفاً بأن عقلية النظام الشمولي الأمني على استعداد لتعطيل كل شيء مهما كان تأثيره سلبياً، أو كارثياً على المواطنين، قائلاً إن مثل هذه العقلية لا ترى ملايين السوريين المهجرين والمشردين في أصقاع الأرض، وحاجتهم للعودة بكرامة وأمان وحرية.
الاجتماعات الصفرية:
أشار بدر إلى أن بدايات التفاوض وضعنا النقاط غير الخلافية والمتفق عليها لنبني عليها خطوة خطوة، معرباً عن أسفه أن النظام السوري رفض حتى تثبيت هذه النقاط المتفق عليها، باعتبار أن أي حور في سوريا يجري بعيدا عن القرارات الأممية والمجتمع الدولي، فضلا عن بدء الاجتماعات من الصفر عبر وعود واهية لا معنى لها، دون أية التزامات تذكر، مبيناً أنه على ضوء ذلك رفضنا كلياً حينما قال النظام السوري إن طرف المفاوض لا يمثل السوريين، بالرغم من وجود قرارات أممية تؤكد بأحقية المطالبة بحقوق الشعب السوري. مشيراً إلى أن النظام السوري يريد الاستئثأر بالسلطة على حساب الشعب المكلوم، كاشفاً خلال الـ13 عاماً من عمر المأساة السورية وضع النظام دستوراً على مقاسه منح الرئيس صلاحيات مُطلقة وغير قانونية، واستخدام أسلحة دمار دمرت أكثر من نصف البني التحتية السورية، وجعل العملة تتدهور وتنهار بخسارة تصل إلى أكثر من 95% من قيمتها، فضلاً عن تهجير أكثر من نصف مليون مواطن، مؤكداً أن النظام السوري لم يعترف بأن هناك معارضة، ولا المواطنين محتاجين إلى تغيير وصولاً إلى دولة ديمقراطية بديلة للدولة الأمنية الشمولية.
تردد التنازلات:
أكدت الأستاذة أورنيلا سكر الصحفية المتخصصة في العلاقات الدولية أن الأجندات السياسية الخفية أو المعلنة لكل طرف من الأطراف المتفاوضة هي التي ستؤدي إلى تعقيد وتطويل أمد المفاوضات، مستطردة بقولها: قد يرى أحد الأطراف أن تطويل المفاوضات يخدم مصلحته في كسب الوقت لترتيب الأوضاع، أو انتظار التغيرات الإقليمية، أو الدولية قد تطرأ في ذلك الوقت، منبهة بأن انعدام الثقة بين الأطراف قد يؤدي إلى الحذر الزائد لتردد في تقديم التنازلات وصولاً إلى الحلول السريعة الممكنة، على سبيل المثال: المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة التي استمرت جلساتها لعدة سنوات دون الوصول إلى حلول نهائية للأزمة السورية، مؤكدة أن هذا التطويل أدي إلى استمرار معاناة الشعب السوري الذي يواجه أوضاعاً إنسانية صعبة للغاية على حد تعبيرها.
تعمد الإطالة:
أوضحت أورنيلا أن تمديد عمر جلسات التفاوض نتيجة لعدم القدرة على التوصل إلى الاتفاق المرضي بين الأطراف المتنازعة، مبينة أن هناك صعوبة حقيقية في التوصل إلى حلول ناتجة عن تعقيدات القضايا المطروحة وتباين المواقف بشكل كبير، فضلاً عن الأجندات الخاصة بكل طرف يسعى إلى تحقيقها، ما يجعله يتعمد إطالة المفاوضات لتحقيق مكاسب معينة، أو انتظار الظروف المواتية، فمثلاً: مفاوضات السلام بين الإسرائليين والفلسطينيين تكررت الاجتماعات دون الوصول إلى اتفاق نهائي، مرجحة أن السبب ناتج عن عدم القدرة على تجاوز العقبات الأساسية يتمثل في وضعية القدس، أو الأجندات السياسية التي تسعى للاستفادة من الوضع الحالي.
المواقف العدائية:
أكدت أورنيلا أن أولويات الأطراف المتفاوضة قد لا تضع مصلحة المواطن في المقام الأول، وأردفت قائلة قد تكون هناك ضغوط خارجية تؤثر على مسار المفاوضات وتوجهها بعيداً عن مصلحة المواطن، مضيفة أن الإنطباعات النفسية والشخصية للمتحاورين يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في سير المفاوضات، فضلاً عن مواقف الأطراف الشخصية أو العدائية تؤثر على قدرتهم على التفاوض بموضوعية وفعالية، على سبيل المثال: مفاوضات السلام في اليمن بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي حيث تؤثر الانطباعات النفسية والمواقف الشخصية لقادة الأطراف على سير المفاوضات.
تعقيدات الأمور:
اعتبرت أورنيلا أن هذا يؤدي إلى تعقيد الأمور وعدم التركيز على النقاط الخلافية التي تهم المواطن اليمني من أجل توفير الأمن والغذاء والرعاية الصحية، موضحة أن عملية التفاوض في المنابر المختلفة تتأثر بعدة عوامل من بينها: الأجندات السياسية، والحسابات الاستراتيجية، وقلة الثقة، والانطباعات النفسية للمتحاورين، مبينة أن هذه العوامل قد تؤدي إلى تطويل أمد المفاوضات، وإغفال مصلحة المواطن، مؤكدة أنه من الضروري أن يضع المتفاوضون مصلحة المواطن نصب أعينهم، بجانب الجدية والموضوعية للتوصل إلى الحلول السريعة الفعالة نموذجا:
المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بشأن برنامج الأسلحة النووية، مشيرة إلى أن تطويل هذه عمر المفاوضات بسبب الأجندات السياسية والخلافات الكبيرة، فضلاً عن انعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين