غلاب الحطاب يكتب: نون والقلم وما يسطرون
أول واجبات الدولة حماية المجتمع من الأخطار التى تهدد وجوده وأمنه، أو تعرض مصالحه وقيمه ومؤسساته للخطر، وترتبط فلسفة التجريم والعقاب دائما بعادات الشعوب ومدى تطور الأخلاق والعقيدة الدينية فيها، فالقوانيين الجنائية ترتبط إلى حد بعيد بظروف المجتمع وقيمه الخلقية من حيث الزمان والمكان، والنظام القضائى فى أى مجتمع يقوم بدور الحارس للقيم التى يحرص المجتمع على ترسيخها.
ولقد سبقت مصر دول العالم المتحضرة عندما عرفت أن للجريمة مفهوما أخلاقيا واجتماعيا، وقد كان البحث عن الحقيقة وحماية البرئ وتقنيين العقوبات عن الجرائم هى الأدوات الأساسية لاحتواء الجرائم والقضاء عليها.
إذا فلسفة العقاب تهدف إلى التصدى للجريمة، وان تقوم بدور الردع كوظيفة أساسية للعقوبات،
والسؤال الذى يفرض نفسه، هل حققت العقوبات التى نص عليها قانون العقوبات المصرى وما طرأ عليه من تعديلات أو ما شرع من تشريعات خاصة لمواكبة التطور الهائل فى تكنولوجيا المعلومات حققت الردع الكافى للمجرميين
؟
للأسف وبكل تأكيد أن ما تم تقنينه من عقوبات لم تكن كافية بطبيعتها، ولكن ليست العقوبات وحدها المعول عليها فمهما بلغت تلك العقوبات من قسوة ولم تجد ضمائر متقدة فلن يفلت أى مجتمع من مستنقع الجريمة.
إذا لا بد من وسائل أخرى جنبا إلى جنب مع قانون العقوبات ومن أهم هذه الوسائل تنمية الضمائر والعمل على تنقية النفوس وزرع سنابل الأخلاق وإعلاء قيم الحق والعدل والخير لتعلوا على نوازع الشر والغرائز غير محمودة.
ولو ضربنا الأمثال على أن فكرة الردع لن تتحقق بالعقوبات الجنائية فقط، فقديما كان جمع من الناس يجتمعون فى ساحة لمشاهدة تنفيذ أحد العقوبات البدنية على أحد المجرمين وكانت عن اقترافه لجريمة سرقة، وما أن بترت يديه وتطايرت دماؤه على ثياب أحد المشاهدين للحدث ليفاجأ الجميع أن هذا الشخص يرتكب جريمة سرقة فى ذات اللحظة التى يرى فيها دماء المذنب تلطخ ثيابه.
وحديثا، سمعنا وشاهدنا على الهواء مباشرة الحكم بالإعدام على قاتل زميلته الجامعية ورغم ذلك لم تمر أيام ويقوم أحد الأشخاص بقتل فتاة رفضت الزواج منه وبنفس طريقة المجرم الأول، والأكثر من ذلك وفى ذات التوقيت تقريبا ارتكب أحد رجال القانون بمشاركه آخر جريمة قتل زوجته، وكل يوم ترتكب العديد من الجرائم ، وآخر هذه الجرائم ما ارتكبه أحد سائقى برامج النقل الذكى ما تسبب فى مقتل فتاة ورغم القضاء عليه بعقوبة قاسية إلا أن تلك العقوبة لم تكن رادعة لغيره من السائقين العاملين بذات البرنامج ، الذى تم القبض عليه فى محاولة خطف واغتصاب
إحدى الفتيات التى كانت تستقل السيارة قيادته، ومازالت القضية قيد التحقيق.
الأمر الذى ينذر بالخطر الجسيم ويضع المجتمع كله فى مأزق يحتاج للخروج منه إلى تكاتف كل أطراف المجتمع السياسية والتشريعية والقضائية والدينية والإعلامية ووضع حلول عاجلة لتجفيف منابع الجريمة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال مجموعة من البرامج التوعوية ، للتعريف بخطر الجريمة وعواقبها الجسيمة على الفرد والأسرة والمجتمع ككل.
وعلى المشرع اختيار العقوبات المناسبة وتحديث قانون العقوبات بما يتلائم مع التطور الهائل لأساليب الجريمة، فلم تعد للوسائل التقليدية وجود.
ونعود للخطر المستحدث وهو ارتكاب بعض سائقى برامج النقل الذكى لبعض الحرائم على مستخدمى هذه البرامج فى التنقل هربا من جشع سائقى التاكسى التقليدى ليجدوا أنفسهم كمن يستجير من الرمضاء بالنار ،
وعلى المشرع فورا عاجلا غير آجلا ان يعيد صياغة قانون برامج النقل الذكى ويهتم بالفرد قبل اهتمامه بتحيصل الرسوم والضرائب من هذه الشركات ولا بد أن تكون هناك عقوبات رادعة للقائمين على إدارة تلك الشركات حتى تقوم هذه الشركات من توفيق أوضاعها والعمل على تحديث برامجها وإدخال بعض التقنيات الحديثة على سيارات الخدمة واختيار أكفأ السائقين خلقا وعملا، بدلا من مجرد المنافسة بين هذه الشركات لاستقطاب أكبر عدد من السيارات والسائقين بغض النظر عن خبرة السائق وتأهيله ونوع السيارة ومدى صلاحيتها، وإلزام هذه الشركات بتأهيل سائقيها نفسيا وخلقيا وصحيا بالكشف الدورى واستبعاد من تجد لديه أية هنة تؤثر على سلوكه ومسلكه.
وعلينا جميعا أفرادا ومؤسسات أن يضطلع كل منا بدوره فى حماية هذا المجتمع، فلا أمان لفرد فى مجتمع غير أمن تحوطه الجريمة وتؤرق مضجعه