باسنت محمد تكتب: الرفاهيات علاجا للفقر

 

قد يتعجب القراء الأعزاء من عنوان المقال ولكن مع الاسترسال في القراءة سيزول أي تعجب ولكي أبدأ بداية سليمة أحببت أن أربط الماضي بالحاضر فمن لا يقرأ التاريخ سيعيد نفس الأخطاء

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي استمرت 6 سنوات وأدت إلي مقتل 60 مليون إنسان شهد العالم صراع بين قوتين عظميين لمدة 45 سنة أمريكا والاتحاد السوفيتي اللتان اتحدتا لهزيمة المانيا النازية الإمبراطورية اليابانية وكان وقتها الإتحاد السوفيتي يغطي سدس مساحة الأرض في العالم وهو كان دولة شيوعية مكونة من 15 جمهورية تحت قيادة حزب واحد مقره موسكو وفي المقابل الولايات المتحدة الأمريكية جمهورية ديموقراطية رأسمالية وكانت متقدمة عسكريا و الدولة الوحيدة التي تملك أسلحة نووية وكان لديها قوة صناعية وإقتصادها الأقوى في العالم تقربت من الغرب عن طريق مشروع مارشال بضخ مبالغ طائلة لإنعاش الإقتصاد المنهار بعد الحرب

الإتحاد السوفيتي كان دوره في اوربا الشرقية التي حررها من النازية مثل بولندا والمجر وكانت حكومات شيوعية موالية له هي التي تتولي الأمر.

انقسمت اوربا قسمين شرقية وغربية وكان بينهما ستارا حديديا كما قال تشرشل
كانت الحرب الباردة بين القوتين ليست كالحروب بالأسلحة والدبابات و الصواريخ بل أشد وطأة فقد سيطرتا علي العالم دون طلقة رصاص مثلا طردت أمريكا أي موظف له ميول شيوعية وأصبحت صناعة السينما في هوليوود أداة دعائية ضد الشيوعية وفي المقابل قام الإتحاد السوفيتي بقمع أشكال المقاومة ضده وأخذت أشكال المنافسة بينهما في العلوم والرياضة الصناعات التسليح والفضاء والتاريخ يسرد تأسيس أمريكا لحزب الناتو “منطقة حلف شمال الأطلسي” فأنشأ الإتحاد السوفيتي حلف وارسو “منظمة عسكرية تجمع الإتحاد مع باقي حلفاؤه من الكتلة الشرقية”

وهناك الكثير والكثير من الأحداث ولكن ما يعنيني في هذا المقال هو تلك الهدنة التي حدثت بين القوتين سنة 1959 حيث قررتا التواصل الثقافي فعمل الإتحاد معرض يشرح فيه الثقافة السوفيتية للمواطنين الأمريكان وفي نفس الوقت عملت أمريكا معرضا شرحت فيه الثقافة الأمريكية للمواطنين السوڤيت

الإتحاد السوفيتي عرض الأسلحة والغواصات والمركبات الفضائية والصواريخ وفي المقابل عرضت أمريكا السلع الترفيهية التي تستخدم في الحياة اليومية مثل التليفزيون الملون والكيتشين ماشين والموبيليات الراقية وايضا.. البيبسي ودارت وقتها مناظرة كبيرة معروفة في موسكو بين نيكيتا خروتشوف رئيس الإتحاد السوفيتي الذي وقع في غرام البيبسي من أول رشفة ونائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون سنة 1959

وبرغم ان الإتحاد السوفيتي كان راعيا للفنون والعلوم والآداب والشعب السوفيتي مثقف بطبعه ومع ذلك انبهروا بما قدمته أمريكا وقرر خروتشوف استيراد البيبسي ليصبح مشروب الشعب ولكن هناك صعوبة في ذلك حيث أن عملة الروبل السوفيتي لم تكن مقبولة في التداول العالمي وقتها فجاء الحل بعقد إتفاقية مشروب البيبسي الأمريكي مقابل الفودكا الروسي استمرت الاتفاقية حتي أواخر الثمانينات بعدها تم الإتفاق علي صيغة مختلفة أن تعطي روسيا لشركة بيبسي 17 غواصة هجومية ومدمرة وفرقاطة وطرادا مقابل البيبسي بقيمة 3 مليار دولار وبذلك أصبحت بيبسي أول شركة تجارية تمتلك أسطولا بحريا عسكريا
البيبسي كانت مقابل السلاح

رفاهية الشعوب لها قيمة كبير لو كنتم لا تعلمون الرفاهية تعمل علي الرضا العام للشعب والتي كانت حتي ألفينات هذا القرن تتمثل في القصور واليخوت والمجوهرات الثمينة و السيارات الفارهة ومع إتساع الطبقة المتوسطة في العالم وهي الطبقة التى نالت قدراً كبيراً من العلم و الثقافة ظهرت الرفاهية بأشكال أخري مثل الإقبال علي شراء البراندز أو السلع ذات قيمة عالية ولها ماركات مسجلة في الملابس والساعات والعطور مثل كيلفن كلاين و مايكل كورس وبيرشكا وبيير كاردان وإيف سان لوران وكريستيان ديور وغيرهم الكثير وأصبح مظهرك وإرتدائك لهذه الماركات قد يكون سببا في قبولك لوظيفة مرموقة

أيضا نقطة هامة جدا يجب ألا نغفلها هي أن رفاهيات الطبقات الثرية لا تساهم في الإقتصاد والدخل القومي للبلاد كما تساهم رفاهيات الطبقة المتوسطة فكم ثري سيبتاع يختاً أو قصراً أو مجوهرات أو طائرة خاصة أو ماشابه من هذه الرفاهيات ؟ في مقابل كم مليون شخص يستخدم رفاهيات تنعش الأسواق وتدر دخلا للبلد ؟ الناس حينما تخرج للتنزه يريدون أن يتشبثوا بطبقتهم المتوسطة ويفضلون ألا يتنازلون عن مستواهم فيرتادون محلات الملابس والكافيهات ويشترون ما يميزهم ويأكلون من مطاعم لها شهرة واسعة فهم يرتاحون لذلك

وهذه كلها عناصر إنتاج فمطاعم الدجاج الشهيرة تدر دخلا تشغل عمالة تعمل دورة إنتاج كاملة من علف وسماد وعمال ونقل وتغليف وتصنيع واستخدام أدوات الطبخ والزيوت والأطعمة المختلفة ومحلات الأخشاب لصنع المقاعد و الطاولات النادل الذي يقدم الطعام وشركات الدعاية ومعامل التأكد من صلاحية الطعام وأنها مطابقة للمواصفات.. تشغيل عمالة غير عادية بالتالي القضاء على البطالة كل هذا وأكثر تتخيلون إنه من فكرة محل لبيع الدجاج مثل كنتاكي وكل ما علي شاكلته فما بالكم عن باقي المحلات والمصانع والشركات فماذا لو تعثرت الطبقة المتوسطة ولم تستطع الشراء والحصول علي رفاهيتها ؟

ستغلق المحلات وسيقل إنتاج المصانع إلى أن تغلق ويتم تسريح العمالة وبالتالي لن تُدفع الضرائب للدولة فتزيد الخسائر ويتعثر المجتمع ويزيد الفقر والغضب الشعبي والتذمر.. تذكروا أن شركة بيبسي إمتلكت أسطولا حربيا مقابل تصدير المشروب لدولة عظمي فقط لإرضاء الشعب.. إنها الرفاهية

ومن هنا لابد أن يعرف العالم كله وتعرف حكومات البلاد أن “الرفاهيات علاجاً للفقر”

دمتم بخير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى