رجب الشرنوبي يكتب لــ”الامة”: كيف إستعدت مصر للعالم مُتعدد الأقطاب؟!

 

شهد النصف الأخير من القرن الماضي إنقسام العالم إلي مُعسكرين شرقي وغربي قادت فيه الولايات المُتحدة الأمريكية العالم الغربي فيما تمكن الإتحاد السوفيتي السابق من قيادة الكتلة الشرقية والوقوف في وجهه الهيمنة الأمريكية علي مدي أربع عقود حتي تمكنت الولايات المُتحدة من تفكيك دول الإتحاد السوفيتي والقبض بيدها علي مقاليد القرار العالمي منذ بداية التِسعينات حتي الآن.

كُل المؤشرات الحالية تُشير أننا علي مشارف عالم تسودة وتسيطر القُطبية الجماعية من خلال كُتل يغلُب عليها تنسيق المواقف بين أعضاء كل كُتلة عكس ماشهدته حالة الإستقطاب السابق من صراع فردي بين أمريكا والإتحاد السوفيتي السابق.

في ظل ماشهده العالم من أحداث كُبري وفي ظل ماطرُأ من تغيُرات علي موازين القوي الدولية خلال سنوات الألفية الجديدة من المتوقع أن تأتي الولايات المُتحدة بصحبة بريطانيا في ناحية وخلفهما دول الإتحاد الأوروبي الذي تراجع دوره كثيراً عما سبق أما القُطب الآخر من المتوقع كذلك أن يشهد قيادة جماعية مُتمثلة في روسيا والصين بصحبة عدد من دول البركس سوف يدعمهم عدد من الدول التي عانت كثيراً من الأحادية الأمريكية المُستبدة في أسيا وأمريكا اللاتينية.

عاشت مصر بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سنوات طويلة في فلك الإتحاد السوفيتي السابق قبل أن تتغير بوصلة علاقتها الخارجية بالكامل في إتجاه البيت الأبيض والعواصم الغربية تحت قيادة بطل الحرب والسلام الرئيس الراحل أنور السادات عقب حرب اكتوبر ثم مباحثات كامب ديفيد وتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل بوساطة أمريكية.

ثلاثون عاماً مثلت سنوات حكم الرئيس الراحل حسني مبارك لم يتغير الوضع كثيراً حيث ظلت العلاقة بين القاهرة وواشنطن تمثل العمود الفِقري وسط تشابكات مصر الخارجية مع بعض التحركات علي إستحياء في إتجاه بعض العواصم الأخري.

منذ العام 2014 إنتهجت مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي إستراتيجية عامة في إدارة شئونها تعتمد علي ثلاثة محاور رئيسية تصب جميعها في العمل علي تحرير القرار الوطني من أي ضغوط خارجية بما يضمن التعايش وسط هذا العالم القادم بأمن وسلام وعلاقات جيدة مع الجميع ودون عداء مع أحد لِحساب الآخر.

منذ اللحظة الأولي بدأت مصر إستراتيجية تنموية طموحة 2030 تشمل كل المحاور اللازمة والضرورية للتنمية الشاملة وتُغطي كل الأنشطة الإقتصادية بهدف الإرتقاء بصلابة وقوة أرضيتها الإقتصادية كما تضمن الإستفادة بما تمتلكة من مُقدرات وموارد طبيعية مصحوبة بخُطة للإصلاح الإجتماعي تتسم بالعدالة والمساواة بين الجميع بما يعكس الرغبة الدؤوبة للقيادة السياسية للإرتقاء بمؤشر جودة الحياة لكل أبناء الشعب المصري.

إعادة تسليح الجيش بالشكل الذي يعيد الكفاءة القِتالية للقوات المسلحة إلي المستوي المطلوب رُغم صعوبة الوضع الإقتصادي في ذلك التوقيت كان واحداً من هذه المحاور الثلاثة التي بدأ العمل فيها بالتوازي في نفس الوقت وأصبح لدي مصر وفي غضون سنوات قليلة أهم جيش في المنطقة وواحد من الجيوش القليلة المُتقدمة علي مستوي العالم.

مع أول جولة خارجية للرئيس السيسي خارج الوطن وكانت إلي غينيا الإستوائية في أفريقيا حتي الآن مصر تتحرك شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وفق قواعد وثوابت صنعتها لِنفسها ولم تُغيرها حتي الآن بما يضمن لها علاقات ناجحة وجيدة مع الجميع يسودها الإحترام المُتبادل والشراكات العادلة طرقت من خِلالها كل أبواب الغُرف الشرقية والغربية لصناعة القرار العالمي.

لم تعد مصر كما كانت تعتمد علي علاقة أُحادية مع هذا الطرف أو ذاك بعد أن أصبحت وبقيادتها الحكيمة الهادئة المُتزنة وبقرائتها الدقيقة لِمُستقبل الأحداث تتمتع بعلاقة قوية مع كل الأطراف الأقليمية والدولية حتي أن بعض العواصم التي إتخذت موقفاً مغايراً من القاهرة بعد ثورة يونيو أصبحت بعد فترة وجيزة تتخذ من القاهرة مِنبراً قوياً مؤثراً.

يُثبت ذلك بما لايدع مجال للشك توافد القادة والرؤساء علي القاهرة للبحث والتشاور حول الكثير من القضايا والملفات المتعلقة بالقارة السمراء والشرق الاوسط والبحر الأبيض المتوسط والتواجد بِثبات وسط المحافل الدولية لعل مايحدث في قِطاع غزة والحقوق الفلسطينية المشروعة والتعاطي المصري المُصاحب لهذه الكارثة الإنسانية خير مثال علي ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى