ثورة 30 يونيو .. ملحمة شعب عظيم

لكل دولة لحظة تاريخية عبقرية وفاصلة، يحتفي بها الشعب، ويشعر بالفخر لانتماءه لها، ومشاركته في صناعتها.. و”30 يونيو” أهم اللحظات المصرية.

إذ تتجاوز ثورة 30 يونيو/حزيران، مسألة احتكار طائفة بعينها لصناعتها أو قيادتها، فكل طوائف الشعب شاركوا في تلك الملحمة، بداية من البسطاء والعمال والحرفيين، إلى الطلبة والمهنيين، مرورًا بالأسرة المصرية التي شاركت فيها بكل مكوناتها، وقادة الأحزاب والمفكرين والإعلاميين.. الكل شارك في صناعة الحدث واللحظة العبقرية رافضًا للإخوان شكلاً وموضوعًا.

وفي 30 يونيو/حزيران 2013 تدفق ملايين المصريين للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة احتجاجا على حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، بعد سلسلة أزمات اقتصادية وسياسية.

ولا يعود الفضل لـ”ثورة 30 يونيو”، في أنها أفشلت مشروع الإخوان لتفتيت وإسقاط دول المنطقة ونهب ثرواتها فقط، بل في إعادة اللحمة الوطنية المصرية مرة ثانية بعد فترة من الاستقطاب الحاد وتمزق نسيج الوطني على أيدي عناصر الإخوان.

“الضمير المصري”
كانت الثورة تعبيرًا عن الضمير الجمعي للمصريين، الذي رفض الجماعة ووقف ضد إرهابها.. كانت لحظة أجمع المصريون فيها على ضرورة التخلص من حكم الإخوان ومندوبهم في قصر الرئاسة، مهما كلفهم من ثمن.. لحظة تستحق تسجيل يومياتها والنماذج البطولية التي شاركت فيها وصنعتها.

وفي قلب الثورة وأحداثها، تبرز صفحة النماذج الشعبية البسيطة التي شاركت في صنع اللحظة التاريخية، وحكايات أيام الاحتجاج والوحدة ضد حكم الإخوان الإرهابية.

المحرك الحقيقي
يقول محمد بدر، مواطن مصري يعمل فني تكيف وتبريد وأحد البسطاء الذي شاركوا في الثورة، “هذه ثورة صنعها الناس وليس السياسيين ولا المثقفين من طلبة الجامعة فقط، فكل العمال والحرفيين شاركوا فيها”.

وتابع في حديث لـ”الأمة”، “في الأيام التي سبقت 30 يونيو/حزيران، كنت متخوفا من عدم استجابة الشعب لدعوتنا، فالشعب المصري اعتاد أن تكون ثوراته يوم الجمعة، يعني يوم العطلة”.

وأوضح “كان المعلن أن موعد الثورة يوم الأحد، وهو ثاني أيام الأسبوع، وهذا يعني أن الحرفيين وعمال اليومية لن يشتركوا معنا؛ فالظروف الاقتصادية لا تسمح لهم بخسارة يوم عمل”.

ومضى قائلا “المشاعر الوطنية الجارفة كانت أكبر من أي تكلفة، لقد شاهدت بأم عيني مجموعة من الحرفيين في منطقة شعبية وهم يجمعون جنيهات بسيطة من بعضهم البعض لتأجير مكبر صوت للهتاف ضد الإخوان”.

تلاحم الطلبة والعمال
بدر قال “رأيت هؤلاء الحرفيين بمكبر الصوت الذي حصلوا عليه من أموالهم، يوم 28 يونيو/حزيران، وهم قادمون من شارع جانبي في منطقتهم الشعبية، ويلتحم معهم مجموعة من الطلبة، في بروفة على 30 يونيو”.

فيما يسرد طارق البشبيشي الكاتب والباحث المشارك في الثورة منذ ساعتها الأولى، مظاهر رصدها في كتابه “كنت إخوانيًا وأصبحت مصريًا”، أن يوم 30 يونيو يوم مجيد من أيام مصر، هتف الشعب وهتفنا معه من قلوبنا يسقط حكم المرشد وليس حكم محمد مرسي فقط”.

وتابع “هتفنا مطالبين بسقوط الإخوان (فكرة ومشروع وتنظيم)”، وعدد المشاهد الإنسانية قائلا في حديث لـ”الامة”: “ثورة 30 ثورة بيضاء لم تشهد سرقة أو تحرش أو أي سلوك متدن”.

ومضى قائلا “لقد رأيت بعيني (كشاهد عيان وليس ككاتب) بعض الرجال المعروف أنهم (فتوات الحتة) يشكلون كردونًا حول المظاهرات التي اشترك فيها النساء، وقاموا بحمايتهن خوفًا من تهديدات الإخوان باقتحام المظاهرات”.

ويرصد البشبيشي أحد أهم المظاهر الشعبية في الثورة، ويقول إن “بعض عمال المقاهي كانوا يتطوعون بتقديم المياه والمشروبات دون الاهتمام بتحصيل الأموال من الناس، فمنهم من يدفع ومنهم من لم يكن يملك ما يدفعه”.

البشبيشي يقول أيضا، إن “غرض الاتهامات التي تروجها الإخوان، تشويه أعظم حدث في تاريخ مصر المعاصر بعد 6 أكتوبر/تشرين الثاني 1973 الذي عبرنا فيه القناة، وهو يوم 30 يونيو الذي عبرنا فيه عقبة الإخوان للأبد”.

النساء والعائلات
وخلال الثورة، كانت ربات المنازل عنصرًا مهما في الحراك الشعبي، فخروجهن أعطى الثورة الشرعية الشعبية، إذ كن يلتحقن بأزواجهن في المظاهرات في فترة ما بعد الظهر إلى المساء، ويعدن إلى البيوت في المساء”.

أبو سليم، هكذا عرف نفسه، وهو سائق تاكسي، فيقول “طول عمري أشوف ( أرى) أن الثورة والمظاهرات توقف حالنا وما بتجبش نتيجة (لا فائدة منها)، لكن ما شهدناه في عام حكم الإخوان، دفعني للاشتراك في المظاهرات ضدهم ولأول مرة في حياتي”.

وعن سر هذا التحول، قال “أنا حمايا (والد زوجتي) رجل كبير ومريض، ولكني وجدته يتحامل على نفسه ويشترك في المظاهرات التي سبقت 30 يونيو”.

وتابع “قال لي كلمة لن أنساها: من يخشى على مستقبل البلد دي ينزل يشيل (يزيح) الإخوان هيخربوها”، مضيفا “الحقيقة الشجاعة دبت في عروقي وقلت مش (غير) معقول يكون العجوز خايف على مستقبل أولادك أكثر منك، وشاركت في الثورة”.

هذه القصص الشعبية الصادقة والمعبرة عن وجدان الشعب أكثر من أن يتم حصرها، وتؤكد حقيقية واحدة واضحة كالشمس وهي أن ثورة 30 يونيو كانت قرارًا أصدره بسطاء المصريين، وحكموا بحتمية إزاحة جماعة الإخوان الإرهابية من حكم مصر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى