أزمة جديدة في ليبيا أخطر من الحرب .. نقص الغذاء
دقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” ناقوس خطر بيئي جديد في ليبيا، محذرة من اتساع التصحر الذي يعيد تشكيل الطبيعة في البلاد، بحيث تستبدل المساحات الخضراء بالمباني الخرسانية بشكل عشوائي وطريقة جائرة خلال الأعوام الأخيرة.
جاء هذا التحذير بعد أشهر قليلة من نداء استغاثة أطلقته المنظمة الوطنية الليبية لمكافحة التصحر التي قالت إن زحف الصحراء بلغ مستويات حمراء حتى إنه بات يشكل تهديداً خطراً للأمن الغذائي في البلاد.
استعادة الأخضر
وأشارت “يونيسيف” في منشورها الخاص بليبيا إلى تصنيف أكثر من 95 في المئة من البيئة الليبية على أنها صحراوية أو شبه صحراوية، مشددة على الحاجة إلى حماية واستعادة المناطق الخضراء باعتباره أمراً بالغ الأهمية، وقالت إنها “تعمل مع الشباب وشركائها لاتخاذ إجراءات لاستعادة وحماية البيئة في ليبيا للأطفال حتى يتمتعوا بمستقبل أكثر اخضراراً”.
وتعتبر ليبيا بشكل عام من البلدان الفقيرة في المساحات المغطاة بالغابات الطبيعية بسبب المناخ الجاف الذي تتسم به معظم الأراضي الزراعية، وتبلغ مساحتها 1.67 مليون كيلومتر مربع منها اثنان في المئة فقط أراض صالحة للزراعة، بما يعادل 3.6 مليون هكتار (36 ألف كيلومتر مربع)، وتمثل الأراضي الرعوية نسبة 7.5 في المئة من إجمالي المساحة الكلية، وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة.
وكانت ليبيا قبل عام 2011 تدعم الفلاحين بنحو 6 ملايين دينار ليبي (4.3 مليون دولار)، بحسب تقارير رسمية، وتوقف هذا الدعم بشكل شبه تام في العقد الأخير.
ونوه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي خلال كلمة في مؤتمر المناخ الذي عقد بمدينة شرم الشيخ المصرية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأن “ليبيا باتت من أكثر الدول حساسية للتغيرات المناخية، بحيث بدأ شح مياه الأمطار، وأن تراجع الموارد المائية في الأعوام الأخيرة ينذر بموجات جفاف حادة تزداد وتيرتها مع الوقت”.
تهديد للأمن الغذائي
وفي نهاية العام الماضي لفت رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة التصحر عبدالغني عون الأنظار إلى تأثيرات خطرة تهدد ليبيا بسبب زحف الصحراء الذي تواجهه، إذ قال لوكالة الأنباء الليبية إن “المشكلة تهدد الأمن الغذائي في البلاد وسط الحروب المتواصلة ونقص التمويل المالي مع تغيير المناخ الذي تسبب في زيادة التصحر”.
هذا التحذير الذي أطلقه عون، دعمته الأرقام الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة “فاو” التي بينت أن نحو 800 ألف شخص، أي ما يعادل 10 في المئة من السكان بحاجة إلى المساعدة الإنسانية العام الماضي.
وأوضح رئيس المنظمة الليبية أن “ليبيا تحتاج إلى ما يقرب من مليار دينار (250 مليون دولار) عبر خطة ثلاثية لإعادة إحياء المشاريع الزراعية وتنفيذ خطط تنمية هذا القطاع المهم والحيوي”.
جفاف جزئي
أما في ما يخص الأسباب التي أدت إلى تفاقم أزمة التصحر وتداعياتها، فشرح عون أن “بلاده تعاني منذ خمسة أعوام جفافاً جزئياً على المنطقة الغربية أثر سلباً في الإنتاج الزراعي والحيواني، إضافة إلى تفاقم ظاهرة الزحف العمراني على بعض المناطق الزراعية وسط تقاعس من السلطات في تطبيق القانون، فضلاً عن عمليات الاعتداء على عمليات الغطاء النباتي وسط غياب الدولة خلال السنوات الماضية مع الحروب المتواصلة منذ عام 2011”.
ودعا عون إلى “ضرورة وقف الزحف الصحراوي وسط مخاوف من حدوث جفاف عام في ربوع البلاد كافة وذلك لشح الأمطار وأزمة تغير المناخ وتراجع مستويات نزول المطر وارتفاع درجات الحرارة”.
مواجهة التصحر
مع تزايد الأخطار الناجمة عن ارتفاع مستويات التصحر وتراجع المساحات الخضراء تحركت اللجنة الوطنية لمكافحة التصحر بداية العام الحالي وشكلت فريقاً فنياً لإعداد تقرير يحدد سبل مجابهة الخطر المحدق وإعداد إستراتيجية لمكافحة الظاهرة وإيقاف الزحف الصحراوي.
وتضمن التقرير والبيان الصادر عن اللجنة الوطنية عدداً من التوصيات التي صاغها الفريق الفني من بينها “التأكيد على ضرورة العمل المشترك والتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص كافة لاتخاذ تدابير عاجلة تحول دون توسع رقعة الجفاف وزحف المد الصحراوي على المناطق الخضراء نتيجة لعوامل عدة أو سلوكات تزيد من نسبة فرص حدوث جفاف عام”.
اللجنة رأت في توصيات تقريرها أن “معالجة هذا الملف تحتاج إلى قيام كل وزارة أو هيئة حكومية بالتزاماتها وبكل جدية من واقع صلاحياتها المخولة بها قانوناً”، داعية إلى “السرعة في تنفيذ توصياتها وذلك للحد من خطر تمدد الزحف الصحراوي وللحيلولة دون وقوع جفاف عام سيضرب عصب الحياة ويهدد الأمن المائي والغذائي”.
مشكلة عالمية
خطر زحف الصحراء أزمة ليست خاصة بليبيا، بل هي مشكلة عالمية تفاقمت خلال الأعوام الأخيرة لأسباب كثيرة، إذ تشير الإحصاءات إلى وصول مجموع المساحات المتصحرة في العالم إلى نحو 46 مليون كيلومتر مربع، يخص الوطن العربي منها نحو 13 مليون كيلومتر مربع، أي ما يقرب من 28 في المئة من جملة المناطق المتصحرة في العالم.
وتختلف حالات التصحر ودرجة خطورته من منطقة لأخرى تبعاً لاختلاف نوعية العلاقة بين البيئة الطبيعية والإنسان، فهناك أربع درجات أو فئات بحسب تصنيف الأمم المتحدة لها.
وتعتبر العوامل البشرية كالاستغلال المفرط والزائد أو غير المناسب للأراضي الذي يؤدي إلى استنزاف التربة وإزالة الغابات التي تعمل على تماسك تربة الأرض مع أساليب الري الرديئة، إضافة إلى الفقر والرعي الجائر من أهم مسببات التصحر.
المعضلة الحقيقية في هذه الأزمة أنه من الصعب جداً إعادة الحياة من جديد إلى الأرض الصحراوية أو المتجهة إلى تصحر شامل، لذلك تطالب المنظمات البيئية الدولية بضرورة المحافظة على الأراضي الخصبة قبل تدهورها والعمل على إزالة أسباب التصحر بالطرق الأكثر فاعلية والأقل كلفة.
عرضة للخطر
وتقول منظمة الصليب الأحمر إن الدول التي تعيش أزمات سياسية وأمنية مثل ليبيا تتأثر بفعل تغير المناخ بدرجة أكبر من غيرها وهي مصنفة ضمن البلدان الأقل استعداداً لمواجهة الأخطار المناخية على مستوى العالم.
ولفتت المنظمة إلى أن “النزاع في ليبيا جعلها أكثر عرضة لاحتمالات تقلب المناخ بسبب ضعف قدرتها على التكيف، الأمر الذي من المرجح أن يفاقم آثار الأخطار الطبيعية على الإنتاج الزراعي، إذ أسفرت محدودية موارد المياه المتجددة والجفاف وتدني جودة التربة إلى إفقار الإنتاج الزراعي، الأمر الذي يجبر البلاد على استيراد نحو 75 في المئة من الغذاء اللازم لتلبية الحاجات المحلية، وذلك وفقاً للبنك الدولي”.
وتشير إلى أن تداعيات هذا الوضع ملموسة وظاهرة في الأسواق المحلية، فيقول المسؤول بمركز مصراتة للبحوث الزراعية جلال القاضي إنه “يجب استثمار مزيد من الموارد في الأراضي الصالحة للزراعة للتخفيف من الآثار، وبإمكاننا رؤية الارتفاع الصادم في أسعار زيت الزيتون على سبيل المثال الذي تضاعف ثلاث مرات على مدى العامين الماضيين نتيجة انخفاض الإنتاج بسبب قلة الأمطار”.