أكثر امرأة قاتلة في العالم..مجنونة مدغشقر
خُلقت الأرض من رحم الكمال، وحين أراد الله تزينها بلمسة من الجمال كانت المرأة خير زينة، بها تنبت عيون الرجال بساتين من الحب، وتصبح أياديهم قناديل من الرحمة، وتحت سماء المرأة ولدت أبناء من الرقة والطيبة قادرة بها على أن تفترش قلوب الرجال القاسية كسجادة من الحرير رقيق الملمس، ولأن لكل قاعدة شواذ كانت ملكة مدغشقر، رانافالونا الأولى التي حكمت في القرن الـ19 أحد أبرز السيدات التي شذت عن المألوف، وذلك لشدة قسوتها ودمويتها، التي أودت بحياة نصف عدد سكان بلادها، حيث قدّر عدد سكان حينها نحو 5 ملايين نسمة سنة 1833 ليتراجع إلى حدود 2.5 مليون نسمة بحلول عام 1839.
مجنونة مدغشقر
الملكة رانافالونا الأولى، التي عرفت بمجنونة مدغشقر، سجلت أسمها في التاريخ الدموي للنساء ونافستهم جميعا على لقب المرأة الأكثر قسوة في قتل رعاياها وخصومها، والتي كانت على رأس نظام حكم دموي ديكتاتوري وذلك منذ أن نصبت نفسها على عرش مدغشقر بعد وفاة زوجها الملك راداما الأول، وخلال فترة حكمها التي امتدت إلى ما يقارب الـ 33 عاما استخدمت ما عرف بمحاكمة «تانجينا»، والتي كانت تختبر من خلالها ولاء رعاياها، حيث كانت تأمرهم بتناول 3 قطع من جلد الدجاج مع ثمرة من شجرة التانجينا السامة، واللذان كانا يعدا طعام المذنبين والرعايا لإثبات ولائهم من عدمه، حيث يقوم الفرد بالتهامهم وإذا تقيأهم وخرجت الـ3 قطع يكون بريئًا، وإن لم يفعل يكون مذنبًا ويقتل بأبشع الطرق، وتسببت تلك المحاكمات في مقتل الآلاف من رعاياها، حيث قتل في تلك المجزرة حوالي من 20 إلى 50% من الذين خضعوا للاختبار منذ عام 1820 وحتى 1861 بما يقدر بحوالي 100 ألف شخص.
لا يعرف سوى القليل عن أصول «رانافالونا» ويعتقد أنها ولدت في مدغشقر عام 1788، وسميت «برامافو» وكانت من عامة الناس وليست جزءا من أي عائلة نبيلة، وبدأ صعودها إلى النظام الملكي بعدما علم والدها بمؤامرة تحاك لقتل ملك ميرينا المستقبلي أندريانامبوينيمرينا، فأخبره بذلك، وتم إحباط المؤامرة، وعندما أصبح أندريانامبوينيمرينا ملكا فيما بعد، كافأه بتبني رانافالونا كابنة له، وكمكافأة إضافية تم منح رانافالونا للزواج من ابن الملك راداما، وفي وقت لاحق أصبح راداما الملك راداما الأول، وكانت رانافالونا أول زوجاته الـ 12. ويبدو أنها لم تكن الزوجة المفضلة لديه، وتصادمت أفكارهما وقراراتهما. وهكذا، بدأ الأمير راداما في إيلاء اهتمام أقل لزوجته الأولى، ووجدها مضطربة وصاخبة بشكل مفرط، كما جادلت مع الأمير الذي التزم بسياسات والده ومع مرور الوقت ضعفت علاقتهما، مما أدى إلى زواج بلا أطفال، بخلاف أن «راداما» أعدم عددًا من خصومه المحتملين من أقارب «رامافو»، مما أدى إلى توتر العلاقة بينهما.
وصلت الأمور إلى ذروتها عندما توفي راداما، بسبب تأثيرات ما قد يكون مرض الزهري أو تليف الكبد في صيف عام 1828؛ حسب بعض الروايات، حيث كان يعاني بشكل مروع لدرجة أنه قطع حلقه، وكان موقف رانافالونا محفوفا بالمخاطر وكانت في حينها يتراوح عمرها بين 30 أو 40 عاما، ولكنها استطاعت إقناع الحرس الخاص بتخطي وريث العرش الرسمي «راكوتوبي»، واعتلاء العرش بدلا منه، وبالفعل نصبت نفسها ملكة مدغشقر في 11 أغسطس عام 1828، مدعية بأن زوجها هو من أمر بذلك قبل وفاته، وقتلت «راكوتوبي» وجميع منافسيها، وتوجت في حفل يوم 12 يونيو من عام 1829، لتصبح أول امرأة تتولى العرش منذ تأسيس المملكة عام 1540، وسمى العديد من الملغاشيين فترة حكمها بـ «سنوات الظلام».
أكثر امرأة قاتلة في العالم
خلال فترة حكم مجنونة مدغشقر انخفض عدد السكان من 5 ملايين نسمة إلى 2.5 مليون نسمة، بالإضافة إلى وفاة من 25 إلى 50% كل عام من الجنود الذين تمركزوا في المناطق المنخفضة لتحصل على لقب «أكثر امرأة قاتلة في العالم».
رانافالونا، التي صارت على طريق الوحشية والسادية وسط غياب الإنسانية وموت الضمير، لم تكن تعارض استخدام التعذيب ضد المجرمين والأعداء، بل كانت تأمر بقطع أطرافهم وشقهم بالسيوف نصفين، وإلقائهم في الماء المغلي، وتعليق المذنبين على المنحدرات شاهقة الارتفاع بالحبال لأيام حتى تتهالك الحبال أو يموتون عطشا وجوعا.
الاستحمام على الشرفة
بمرور الوقت، أصبحت الملكة مصابة بجنون العظمة بشكل متزايد واستخدمت أساليب محاكمة غير إنسانية حتى في الجرائم البسيطة مع تقدم عهدها، ومن ضمن الأمور العجيبة التي أشيع عنها أنها اعتادت أن تأخذ حماما عاما على شرفتها مرة واحدة كل عام، وكان ذلك يجذب حشودا كبيرة من المتفرجين تمتد لأميال، وبعد الانتهاء من الاستحمام تسكب الماء على الشرفة لرشها أخيرا على المتفرجين، وكانت تروج أن ذلك هو طريقتها للاتصال بالآلهة الملغاشية القديمة.
على الرغم من فظائع الملكة رانافالونا، تمكنت البلاد من الازدهار مثل فترة حكم والد زوجها، وازدهرت مدغشقر كقوة عسكرية وأكاديمية، وفي 16 أغسطس من عام 1861 توفت رانافالونا عن عمر يناهز الـ 79 أثناء نومها في قصر مانجاكاميادانا. وبعد وفاتها عادت المؤامرات التي قمعها حكمها الوحشي، وفتحت سلسلة من القواعد الضعيفة بشكل متزايد البلاد للاستغلال الأوروبي، وفي عام 1896 أصبحت مدغشقر مستعمرة فرنسية. ولكن الجزيرة اليوم غنية بشكل غير عادي بالفنون التقليدية، ربما لأنها ظلت خالية من التأثير الأوروبي لمعظم القرن التاسع عشر.