كامل مراد يكتب: ((وَبالشُّكرِ تَدومُ النِّعَمُ ))
كامل مراد
في الآونة الأخيرة بدأتُ أشعر عند مقابلة بعض الأصدقاء من جيلي أنَّ هناك شكوى مشتركة في حديثهم عن سوء أوضاعهم الماليَّة، وينسبون ذلك إلى قلَّة حظّهم، وعدم اقتناصهم للفرص في مرحلة الشباب، أو لعدم اجتهادهم في الادّخار أثناء ذروة عملهم، وما يزعجني في ذلك أنَّهم ينظرون لغيرهم ممَّن أعطاهم الله من المال على أنَّهم أفضل منهم، وربَّما لا يقصدون الإساءة لهم، لكنَّهم بمقارنتهم هذه ظلموا غيرهم وظلموا أنفسهم؛ لأنَّهم جعلوا السَّعادة مقتصرةً على المال فقط، ونسوا نعم الله التي لا تعدُّ ولا تُحصى، وربَّما ذلك الإنسان الغني الذي يرونه أفضل منهم لديه مرضٌ أو نقصٌ في الأولاد أو لديه حرمانٌ من نعمةٍ مُعينةٍ متوفرةٌ لدى الطَّرف الذي جحد النّعمة، وغالبية النَّاس تنظر للرزق على أنَّه مالٌ فقط، ويغفلون أنَّ الرزق قد يكون في راحةِ البال أو في الصّحة أو في الزوجة الصَّالحة، ويقول تعالى مخاطبًا لنا في كتابه العزيز:
{ وَءَاتاكُم مِنْ كُلِّ مَا سَأَلتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إنَّ الإنسَانَ لَظَلومٌ كَفَّارٌ}، آيةٌ تخبرنا كم هي عظيمةٌ نِعم الله علينا، ولكنَّ أكثر النَّاس يظلم نفسه بجحده لنعم الله عليه.
لذلك يجب علينا أن ننظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس باستمرارٍ، والجزء الفارغ أراده الله فارغًا ليس للحرمان وإنما لحكمة منه سبحانه وتعالى، وعلينا أن نرضى بما أعطانا الله من نعمٍ، ونجعل نظرتنا إلى من هو دوننا في الرزق المادي؛ لكي نحمد الله على ما نحن عليه من نعم، وننظر إلى من هو أعلى منَّا في الدّين؛ لكي نزيد في إيماننا ونرقى بأنفسنا.
ويجبُ ألّا تغرينا المظاهر الخارجيَّة للنَّاس الذين يبدون سعداء أمام غيرهم وبداخلهم ألمٌ لا يعلم به أحدٌ إلَّا الله، وجميع النَّاس تمرُّ بظروفٍ مُتقلّبةٍ في رحلة الحياة فتنقلب حياتهم بليلةٍ وضحاها من سعادةٍ وهناء إلى حزنٍ ونصب، فيجب علينا أن نحمد الله في جميع حالاتنا ونرضى بما قسمه الله لنا، وكلَّما عاش الإنسان منَّا إحساس الرضى والسَّعادة كلَّما ارتاحت نفسه، وتذوَّق طعم النّعمة التي يعيشها، فالسّعادة نسبيَّةٌ بين البشر فمن سَعِدَ بشيءٍ شقي بآخر.
وشاهدتُ في حياتي أشخاصًا بيوتهم سعيدة، رغم أنَّهم بالكاد يوفرون قوت يومهم، لكنَّهم في نهاية اليوم يجتمعون حول مائدةِ طعامٍ بسيطةٍ تمنحهم الدفء، لذلك دعونا نترك البشر مع ظروفهم، فالبيوت أسرارٌ والله أعلم بما يدور بداخلها، ودعونا نرفض فكرة المقارنة مع غيرنا بكافة أمور حياتنا، فالمقارنة لن تزيدنا إلَّا تعاسةً وهمًّا، فأوّل من قارن نفسه بغيره هو إبليس لعنه الله فخاب وخسر، والتَّفكير الزائد بالنَّاس سيؤخر عجلة تطورنا، فدعونا نركّز على تحسين أنفسنا، والرقي بها، والحفاظ على سعادتنا دون تعكير صفوها بالمقارنة الزائفة.