شحّ المياه يفاقم الأمراض في مدن جنوب ووسط العراق
تتفاقم معاناة العراقيين في المدن التي تشهد انخفاضاً كبيراً بمناسيب المياه في نهري دجلة والفرات وما يتفرع عنها من جداول، وتحديداً محافظتي ديالى وبابل، نزولاً باتجاه محافظات جنوب البلاد، فإلى جانب تراجع المستوى المعيشي والاقتصادي من جرّاء شحّ المياه ونفوق الحيوانات ومنها الجاموس الذي يُعد مصدر رزق آلاف العوائل في مناطق “الأهوار” في جنوب البلاد، بات انتشار الحشرات الضارة والأمراض الجلدية والتنفسية أمراً واضحاً ومؤثراً على حياة العراقيين في تلك المناطق.
والأحد الماضي، كشفت إدارة مستشفى البيطري في محافظة ميسان، جنوب العراق، عن حاجتها لأكثر من 500 غالون من مادة “الدلتامثرين” المخصصة لمكافحة انتشار القراد الناقل الرئيسي للحمى النزفية حتى تتمكن كوادرها من إجراء مسح وحملة شاملة لجميع الحظائر في المحافظة، من جرّاء نقص المياه الذي أدى إلى زيادة حالات المصابين بالحمى النزفية التي تؤدي إلى وفاة المصاب.
ونقلت وسائل إعلام عن باسم العريبي، وهو مدير المستشفى قوله إن “ميسان ووفقا لإحصائية مثبتة لدى المستشفى فيها أكثر من 300 ألف رأس غنم وماعز و175 ألف رأس بقر وجاموس ونحتاج لإجراء حملة واحدة 500 غالون”، مبيناً أنه “إذا أردنا أن نجري حملتين للقضاء بشكل تام على مواقع انتشار القراد الناقل للحمى النزفية فإننا نحتاج إلى 800 غالون من مادة الدلتامثرين لتمكين مفارز المستشفيات في ميسان من رش وتغطيس الحيوانات وتعفير الحظائر للقضاء على بيوض القراد ومنعه من التكاثر”.
كما تدخل محافظة ذي قار، جنوب العراق، حالة تأهب وهلع، بعد تسجيل حالات عديدة بالإصابة بأمراض جلدية بعضها “غريب” وفقاً لمصادر محلية، وأكثرهم المصابون من الأطفال، بسبب شحّ المياه في الأنهر والأهوار، من ضمنها مناطق الإصلاح وسيد دخيل والعكيكة الواقعة على ضفاف نهر الفرات، في حين شهدت مدينة الغراف الواقعة على فرع من فروع نهر دجلة، تصاعداً في حالات مرضية تنفسية وأخرى جلدية.
واكد عدد من الناشطين العراقيين في مجال البيئة أن “جفاف الأنهر وتراجع كميات المياه التي يعتمد عليها ملايين العراقيين، أديا إلى ظهور مشاكل بيئية وصحية، منها الحشرات الضارة والناقلة للأمراض، إضافة إلى أمراض معدية وأخرى جلدية”.
وقال الناشط وعضو جمعية “الجبايش” للسياحة البيئية، حسين الأسدي، إن “الحالة البيئية في أي بلد هي حالة تكاملية، أي أن أي خلل يحصل في أي طرف من أطراف الحالة سيؤدي بالضرورة إلى ظهور مشاكل، بالتالي فإن انخفاض مناسيب المياه أدى إلى تضرر الثروة الحيوانية وتراجع المستوى المعيشي، وفي بعض المناطق في جنوب البلاد، هناك مجاعة حقيقية تحدث حالياً”.
وأضاف الأسدي أن “هذا التراجع في المياه بالأنهر والأهوار، سبب تراجعاً في حصص المدن بمياه “الإسالة”، وهي المياه الحكومية المخصصة للاستخدام والشرب، إلى أكثر من نصف الكمية”، مؤكداً أن “التغيرات المناخية أصبحت اللاعب الرئيس في تفاقم أمراض العراقيين، في مدن تعاني بالأصل من تراجع مستوى الرعاية الصحية”.
وأرجع الأسدي سبب “تزايد حالات الإصابة والوفيات بالحمى النزفية في أرياف العراق، إلى تراجع مناسيب المياه الذي أدى إلى تبدل البيئة العراقية وتحولها إلى مصدر لولادة الأمراض والفيروسات المعدية”، موجها انتقاده للحكومة العراقية بالقول إنها “لا تستجيب لآلام العراقيين في المدن الأكثر تضرراً من أزمة شحّ المياه، حتى أنها لم توفر في الميزانية المالية أية مبالغ لمساعدة الشرائح المتضررة من التغييرات المناخية”.
وسبق أن أشارت منظمات إغاثية دولية، إلى أن وجود تهديد حقيقي يستهدف أكثر من 7 ملايين مواطن في العراق، جراء فقدان الوصول لمياه الفرات بالإضافة إلى الجفاف، وغياب المياه المغذية لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ومصائد الأسماك ومنشآت توليد الطاقة ومصادر مياه الشرب التي جفت في العراق، ما يؤدي إلى ظهور حالات مرضية جديدة في بلاد الرافدين.
كما لفت طبيب الأمراض الجلدية في محافظة ديالى، عمر العنبكي، إلى أن “شحّ المياه والجفاف وانحسار الأراضي الخضراء والانبعاثات البيئية من نفوق الحيوانات بأعداد كبيرة، تؤثر سلباً على الواقع الصحي للعراقيين في تلك المناطق، ومنها ظهور أنواع خطيرة من البكتيريا والفيروسات التي تتسبب بأمراض مثل الجرب والكوليرا والتيفوئيد والزحار الأميبي، وغيرها من الأمراض”.
وأكمل العنبكي ، قائلاً إن “انحسار المياه في الأهوار وغيرها، أدى إلى انتشار القوارض، التي أدت هي الأخرى إلى إصابة عدد من العراقيين بأمراض منها اللشمانيا الجلدي”، موضحاً أن “دوائر الصحة في المحافظات الأكثر تضرراً بالأزمة البيئية والمناخية تسجل يومياً حالات مصابة بهذه الأمراض، وقد تزداد هذه الحالات مع استمرار الأزمة”.
أما عضو لجنة الصحة في البرلمان العراقي ماجد شنكالي، فقد أكد أن “نينوى وديالى ومدن الجنوب عامة، تعاني من مشاكل على المستوى الصحي والبيئي، بسبب شحّ المياه، وقد رصدنا ذلك بشكلٍ واضح”، مضيفا ، أن “الحكومة العراقية تحتاج إلى الانتباه أكثر لهذا الملف، وأن تعتبره من أولويات عملها خلال المرحلة المقبلة”.
وخلال السنوات العشر الماضية، فقد العراق بسبب شحّ المياه، نحو نصف مساحة الأهوار، بسبب التراجع بالمياه وعدم توصل الحكومات العراقية إلى حلول نهائية بشأن حصص العراق المائية مع تركيا من جهة، وإيران التي قطعت أغلب الروافد المائية التي تنطلق من أراضيها وتصب في نهر دجلة.
يشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي، كانا قد أعلنا في وقت سابق أن العراق من أكثر دول العالم تأثراً بتغير المناخ، ما يعني أن الزراعة في البلاد قد تكون عرضة لأجواء متطرفة صيفاً وشتاءً، والأمر يستدعي مواجهة تبعات الأزمة.