الحرب في السودان تدخل شهرها الثالث.. تحذيرات من كارثة إنسانية

دخلت الحرب في السودان شهرها الثالث، الجمعة، ولا بادرة تلوح في الأفق على حل، كما تتعثر جهود التوصل إلى سلام بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومخاوف من اندلاع عنف عرقي في دارفور، وسط تحذيرات أممية من “كارثة إنسانية” جديدة.

وأدَّى القتال بين الطرفين، الذي وصفه دبلوماسي أميركي في وقت سابق من الأسبوع بأنه سلوك “انتحاري”، إلى نزوح 2.2 مليون شخص وأودى بحياة ما لا يقل عن 1000 شخص، وهو رقم يقول المسعفون إنَّه أقل من الواقع، بحسب “رويترز”.

وأوقف القتال حركة الاقتصاد، ودفع بملايين السودانيين في هاوية الجوع والاعتماد على المساعدات الخارجية، وأدَّى لتدمير النظام الصحي.

توسع القتال
بدأ القتال في قلب الخرطوم في 15 أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع اللذين أطاحا معاً بالرئيس السابق عمر البشير إثر احتجاجات شعبية في عام 2019. وذلك عقب خلاف على دمج قوات الدعم في الجيش في إطار انتقال ديمقراطي جديد.

واتَّسع نطاقُ القتال منذ ذلك الحين ليطال مدناً رئيسة في غرب البلاد، وشهدت مدينة الجنينة غرب دارفور أسوأ حلقات تمدد القتال، حيث رصد نشطاء سقوط 1100 شخص وقالت الأمم المتحدة إنَّ 150 ألفاً فروا إلى تشاد.

وعلى الرغم من بدء الطرفين محادثات في مدينة جدة برعاية سعودية أميركية في 7 مايو الماضي، وتوقيعهما “إعلان جدة” في 12 من الشهر نفسه، إلا أنه تم تعليق تلك المفاوضات بسبب اتهامات متبادلة بانتهاك ما أسفرت عنه المفاوضات من هدنات مؤقتة.

وأعربت السعودية والولايات المتحدة، الأحد الماضي، عن استعدادهما لـ”استئناف المباحثات بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، بمجرد أن يُظهر الطرفان تقيدهما بما اتفقا عليه في إعلان جدة”.

تطورات دارفور
ومع استمرار المواجهات، يخشى مراقبون أن يشهد الصراع تحولاً عرقياً قد يفاقم الوضع لا سيما في إقليم دارفور.

واتهم خميس أبكر، والي غرب دارفور، قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، الأربعاء، بتنفيذ إبادة جماعية في الجنينة.

وبعد ساعات، قُتل أبكر بطريقة وحشية، ووجهت جماعة التحالف السوداني المسلَّحة التي كان يقودها، الاتهام لقوات الدعم السريع بقتله أثناء احتجازهم له.

ونفت قوات الدعم السريع مسؤوليتها، قائلة إنَّ أبكر لجأ بالفعل إلى القوات لكن عناصر قبلية متمردة قامت “باختطاف الوالي واغتياله بدم بارد”.

وبحسب وكالة “رويترز”، يهدُّد مقتل أبكر الذي ينحدر من قبيلة المساليت، بتوسيع دائرة القتال في الجنينة التي أصابها القتال بالشلل فعلياً.

مطالب بتحقيق دولي
وأدانت قوى الحرية والتغيير في السودان، الخميس، “بأشد العبارات” اغتيال أبكر ودعت إلى إنهاء الصراع في مدينة الجنينة وتشكيل بعثة إقليمية ودولية لحماية المدنيين.

وطالبت القوى، في بيان، بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة بمشاركة إقليمية ودولية “للتحقيق في الحادث وكل الانتهاكات التي وقعت في مدينة الجنينة وتحديد وتقديم كل مرتكبي الانتهاكات للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب”.

ودعت إلى “إنهاء الصراع في الجنينة الآن وفوراً لمنع الأوضاع من الانفلات المتنامي بوصفها حالة باتت تمثل تهديداً للسلم والأمن في البلاد والإقليم”.

وقالت إنَّ الأمر “بات يتطلب التعامل مع الأوضاع في ولاية غرب دارفور عبر تدابير استثنائية عبر بعثة إقليمية ودولية مناط بها حماية المدنيين في الولاية، بجانب العمل على إنهاء الحرب التي تدور في البلاد”.

توتر عرقي
كما اندلع القتال في عواصم ولايات دارفور الأخرى، بما في ذلك نيالا والفاشر وزالنجي ومدينتي الأبيض وكادوقلي في كردفان، ما يهدد بإثارة توتر عرقي مختمر منذ فترة طويلة.

وقال مدير الإعلام في حكومة إقليم دارفور، موسى داود، الأربعاء، إنَّ عدد الضحايا في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور بلغ أكثر من 1000 شخص، مشيراً إلى أن الضحايا ينتمون إلى الطرفين المتحاربين في المدينة، وهما قبيلة المساليت وجماعات من قبائل عربية بالمنطقة.

وأضاف داود أنَّ “كل المؤسسات الصحية الآن في المدينة خرجت من الخدمة تماماً”.

وأشار إلى أن منطقة كُتُم في ولاية شمال دارفور تتعرض لقصف مكثف واشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لافتاَ إلى أن “أكبر مخيمات النازحين في دارفور، وهو مخيم كساب، تضرر كثيراً جراء القتال، وسقط به عدد كبير من الضحايا، كما فر معظم النازحين إلى مناطق أخرى”.

وقال سليمان بالدو، من برنامج تتبع الشفافية والسياسة السودانية: “كلما طال أمد الصراع، قد ينتهي به الأمر بأخذ بعد عرقي وإقليمي في أجزاء من البلاد”.

تحذير أممي
وأمام هذه التطورات، اعتبر مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن جريفيث، الخميس، أنَّ إقليم دارفور الذي يعيش سكانه “كابوساً” يتجه نحو “كارثة إنسانية” جديدة على العالم منعها.

وقال جريفيث، في بيان، إنَّ إقليم “دارفور يتجه سريعاً نحو كارثة إنسانية. لا يمكن للعالم أن يسمح بحدوث ذلك. ليس مرة أخرى”، بحسب ما نقلته “فرانس برس”.

وشهد هذا الإقليم في بداية الألفية الثالثة حرباً أودت بحياة نحو 300 ألف شخص، وأجبرت أكثر من 2.5 مليون شخص على النزوح.

تعثر الدبلوماسية
تأتي هذه التطورات في ظل تعثر جهود دبلوماسية إفريقية لاحتواء الصراع، بسبب اتهامات بعدم الحياد.

ودشَّنت الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد)، وهي منظمة إقليمية في شرق إفريقيا، هذا الأسبوع جهود وساطة برئاسة كينيا للجمع بين حميدتي وقائد الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في اجتماع قالت إثيوبيا إنها ستستضيفه.

لكن وزارة الخارجية السودانية اتهمت في بيان، الخميس، كينيا بإيواء قوات الدعم السريع، وقالت إنها تفضل تولي جنوب السودان قيادة المبادرة.

وأبلغ البرهان، الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة، رئيس الدورة الحالية لمنظمة “إيقاد”، رفض الخرطوم تولي كينيا رئاسة اللجنة الرباعية بشأن السودان، باعتبار أنَّ كينيا “ليست محايدة وتأوي قيادات من متمردي الدعم السريع”.

وأكَّد البرهان دعم السودان لمبادرة المنظمة الرامية لإيجاد الحلول الممكنة من أجل إحلال السلام في السودان.

اتهامات لكينيا
جمال الشيخ سفير السودان في إثيوبيا، قال، الخميس، إنَّ بلاده لا تعتبر كينيا طرفاً محايداً يصلح لرئاسة اللجنة الرباعية المعنية بالسودان، معتبراً أنه “وفقاً لكثير من الدلائل التي رصدناها، هناك قيادات من الدعم السريع تتحرك بحرية وبدعم وتيسير من كينيا”.

وأضاف الشيخ أنَّ موضوع رئاسة الرئيس الكيني وليام روتو للجنة “لم يتم مناقشته بين الرؤساء، لا في الجلسة المغلقة ولا في الجلسة التشاورية بينهم، وإنما تم فقط تضمينه، دون نقاش في البيان الختامي للقمة”، في إشارة إلى قمة رؤساء دول “إيقاد” التي عُقدت أخيراً في جيبوتي.

وتضم اللجنة الرباعية في عضويتها كل من إثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان وكينيا.

واستنكر السفير السوداني اختيار كينيا لرئاسة اللجنة من الناحية الإجرائية، قائلاً إنه “جرى تجاوز رئيس جيبوتي رئيس المنظمة، وسلفا كير ميارديت رئيس جنوب السودان نائب رئيس المنظمة، واختيرت كينيا وهي عضو فقط”، لرئاسة لجنة تضم رئيس القمة ونائبه.

وتابع: “سنقبل برئاسة جنوب السودان ونتعاون معها، ونقبل (أيضاً) برئاسة إثيوبيا أو جيبوتي”.

“مفاوضات جديدة”
ومع تعثر المساعي الإفريقية، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إنَّ مبادرة الوساطة “الأميركية-السعودية” يمكن أن تمهد الطريق لسلام دائم.

وأضاف: “مستعدون وراغبون في الدخول في مفاوضات جديدة وسنحترم أي وقف لإطلاق النار”.

وأوضح في حوار مع وكالة “نوفا” الإيطالية للأنباء أن “مبادرة الرياض وواشنطن لديها القدرة على تمهيد الطريق لتحقيق سلام دائم. دعونا نأمل أن تنتهي الحرب في أسرع وقت ممكن. نحن نؤمن إيماناً قوياً بالحاجة إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لأسباب إنسانية يمكن أن يكون بمثابة جسر لحل دائم لهذا الصراع”.

واعتبر حميدتي أن التزام ودعم المجتمع الدولي لحل النزاع في السودان “خطوتان حاسمتان لضمان مستقبل أفضل للشعب السوداني”.

وتابع: “القوات المسلحة السودانية فشلت حتى الآن في الالتزام بوقف إطلاق النار المتفق عليه ووقف إطلاق النار المؤقت الذي توسطت فيه الولايات المتحدة والسعودية”.

واعتبر حميدتي أنَّ “المفاوضات مع الجيش السوداني فشلت لعدم وجود مندوب واحد من الجيش قادر على اتخاذ موقف موحد على طاولة المفاوضات”.

تطورات ميدانية
ميدانياً، قال سكان في الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري، الخميس، إنهم رصدوا اشتباكات وقصفاً مدفعياً وغارات جوية قرب مناطق سكنية.

وفي الخرطوم، اتهم السكان عناصر قوات الدعم السريع و”عصابات مسلحة” بنهب المنازل، وقال وليد آدم، من سكان شرق الخرطوم، إنَّ رجلين أحدهما يرتدي زي قوات الدعم السريع، ظهرا عند باب منزله ببندقيتين من طراز كلاشينكوف، و”عبثوا بمنزلي وسرقوا أموالي”.

وقالت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، وهي وكالة حكومية، إنَّ ضحايا معظم حالات الاغتصاب التي وثقتها والتي قالت إنها تمثل 2% فقط من الحالات الفعلية، ارتكبها رجال يرتدون زي قوات الدعم
السريع.

ونفت قوات الدعم السريع مسؤوليتها وتقول إن المجرمين والموالين للبشير اشتهر عنهم سرقة الملابس العسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى