الاعلام والقوة الناعمة ما بين الرفض والاستهجان
بقلم الكاتبة: إنجي صفوت الحسيني
عضو إتحاد كتاب مصر
أعتقد أن دور الاعلامي يتلخص في كيفية إدارة حوار جيد، ويستضيف من أجل ذلك أصحاب الخبرة والرأي والرأي الآخر، لكن أن يتفضل الاعلامي باستغلال منصته الاعلامية لتصفية حسابات، أو الهجوم على أشخاص بعينهم أو عرض آراءه كاعلامي رغم ما قد يشوبه من جهل.. فهذا ما قد يمكن تسميته بهرتلة نسميه اعلامية، فليس المعقول الفتي في كل موضوع، وإلا ما فائدة استضافة المخصصين؟
عندنا تم تداول مداخلة الاعلامي” باسم يوسف” مع الاعلامي الامريكي “بيرس مورغان” على قناة Talk TV فيما يخص فيلم كليوباترا والذي تعرضه قناة “نتفليكس”، كان هناك انقسام حول شخص باسم يوسف، وتباينت الآراء؛ فهناك من رأى أن مداخلته ما هي إلا لسحب الأضواء مرة أخرى، وآراء أخرى رأت أن المداخلة كانت غير موفقة وقد يستخدمها الاعلام الغربي بشكل مسيء ، وفي المقابل كان هناك استحسان لحجته القوية وتمكنه من التحدث بلغة أنجليزية سليمة، وفي هذا الشأن، لم يكن يهمني شخص باسم يوسف وهل هو وطني أم لا .. لكن مداخلته أعادت لي تساؤل طالما تسألناه بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ وخاصة بعدما شاهدنا التبني الغربي للخطاب الاخواني، بعد أحداث فض رابعة و بعدما توجه الكثير من العملاء للهروب إلى أحضانهم إلى جانب عمل الكثير من الفنانين أصحاب التوجهات و الرؤى المعادية لمصر بهوليوود .. كان التساؤل :
لماذا لا نمتلك منصة أو بوق اعلامي وطني يخاطب الغرب، و وجهًا يمتلك سرعة الرد و البديهة والكاريزما التي تجعله يتعامل مع اعلامهم؟! فالتوجه الاعلامي يُسهل حركة اللعبة، ويحقق التأثير المطلوب.
أعلم أن هناك عدم رضا عن الأداء الاعلامي فهو يحتاج إلى إعادة تأهيل، لكنه مجرد تساؤل طرح نفسه من جديد ..لم يلق إجابة، ولكنه حمل عبارات الاستهجان والسخرية، فرغم معرفتنا بأدوات اللعبة، إلا أننا كدول عربية لم نستفيد منها، ولم نستغل الاعلام جيدا، وندعمه بالعناصر الوطنية المثقفة التي تمتلك الكاريزما والبديهة والحجة والقادرة على المراوغة والرد، لذلك فأنا لا أملك إلا أن أسجل إعجابي ب “دماغ ” الغربي، فهو يمتلك ” دماغ مصحصحة”، تعرف كيف تتطور وتتقدم، ولديها قوانين، والخطط التي تسعى لتنفيذها ولو بعد مائة عام، باعتماد فكر المؤسسات، واستخدام الاعلام والقوة الناعمة كسلاح لشيطنة شعوبنا وتجميل جرائمهم، والأمر بسيط جدا مجرد فيلم للدور الوطني العظيم الذي تقوم به أمريكا منقذة العالم من الارهاب، ولنبكي جميعنا ( عربي وغربي) على بطل الفيلم إذا مات ونصفق له لو نجح وعاد لزوجته وأطفاله بعدما قتل أولادنا ونخرج من قاعات السينما فرحين لانتصار البطل على الأشرار، ويتحقق الأثر المنشود بقلب الحقائق وتمتلأ الخزائن بما ربحته شبابيك التذاكر.
كل ذلك يحدث وبعض فنانينا يروجون بتصريحاتهم بأنه لا رسالة للفن، وإنهم غير مسئولين عن أية رسائل، فالفن لا يربي كما يقول بعضهم، بل هو دور البيت؛ الآباء والأمهات، وفي نفس الوقت يستضيف الاعلام مطربي المهرجانات، ويأكلون” الفسيخ” على الهواء، ويرقصون إذا لزم الأمر، وقد يتقاذفون بالأحذية عند اللزوم..
حالة من حالات الانفصال التام عن الواقع الذي يعيشه المواطن، والذي ارتاح مع فكرة الفضاء الالكتروني ” يهري” فيه كيفما يشاء، يبحث عن حضارته، يدافع عن تدين مزعوم ، وقيم ضائعة، ويهاجم قرارات حكومية يشعر بأنها ضد مصلحته.. كل ذلك والاعلام والقوة الناعمة يضع بينه و بين المواطن مسافات ضوئية، ويشغل الرأي العام بموضوع تستخف بعقله وآخرها الفرق بين “الصوت الشتوي والصوت الصيفي” من أجل عمل ترند وبروناجندا من لا محتوى!!
هذا المشهد نعيشه منذ سنوات طويلة، ولكنه كافيًا لاستيعاب حالة الاستهجان والسخرية من تساؤلي: ” لماذا لا نمتلك منصة أو بوق اعلامي وطني يخاطب الغرب؟” وهو نفس الاستهجان الذي حمله تساؤل ” لماذا نستورد أفلامهم بدلا من تصدير أفلامنا؟” ليجيب البعض “أين الاعلام ؟ وأين صناعة القوة الناعمة ذات الأغراض الوطنية” .. فهل تراهم على حق؟ أم جانبهم الصواب؟