ميدل إيست آي: معارك السودان قد تقوض جهود السلام في ليبيا
قال تحليل نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إن الأزمة السودانية الحالية التي تحولت إلى حرب شرسة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قد تعرقل جهود التوصل إلى صيغة انتخابات وتقاسم سلطة وسلام في ليبيا، وهي الجهود التي كان يشرف عليها المجتمع الدولي.
واعتبر التحليل، الذي كتبه الأكاديمي والسياسي الليبي جمعه القماطي، أنه لا يمكن عزل الصراع المستمر في السودان عن جيران البلاد، خاصة ليبيا التي تشترك في حدود الجنوب الشرقي مع السودان الذي يعاني من عدم وجود ضوابط حكومية، ما يسمح بالحركة المفتوحة عبره.
الحدود السودانية الليبية.. ملعب مفتوح
وقد تمكنت الجماعات المسلحة من السودان وتشاد من استغلال الفراغ في المنطقة الشاسعة من جنوب ليبيا وإقامة وجود قوي هناك.
واستخدمت الجماعات العسكرية التشادية جنوب ليبيا لشن هجمات على حكومتها، وتاريخيا فعلت الجماعات السودانية الشيء نفسه.
الجماعة المسلحة السودانية الرئيسية ذات الوجود العسكري القوي في جنوب ليبيا هي الجنجويد، التي تنحدر من القبائل العربية في منطقة دارفور في السودان.
وأدت هذه المجموعة إلى ظهور قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف أيضًا باسم حميدتي.
تم تجنيد قوات الجنجويد للقتال إلى جانب قوات الجنرال خليفة حفتر في ليبيا منذ أن بدأ حملته العسكرية عام 2014 للسيطرة على البلاد بالقوة.
وقد نسقت الإمارات مع حميدتي لإرسال هؤلاء المرتزقة لدعم قوات حفتر العسكرية، حيث اكتسب حميدتي مكاسب مالية من إرسال مقاتلين إلى حفتر، على غرار الترتيبات التي أجراها مع الإمارات في اليمن، كما يقول الكاتب.
هناك قوة عسكرية أجنبية أخرى منخرطة بشدة في المنطقة هي مجموعة المرتزقة الروسية “فاجنر”، التي أرسلت آلاف المقاتلين إلى ليبيا لدعم حفتر، والسيطرة على منشآت نفطية حيوية وقواعد عسكرية في الشرق والجنوب.
استخدم “فاجنر” ليبيا كنقطة انطلاق استراتيجية للانتقال إلى تشاد ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.
يُعتقد أن “فاجنر” دخلت السودان منذ بضع سنوات وأقامت علاقة قوية مع حميدتي وقوات الدعم السريع التابعة له، حيث تعاونت في الأنشطة في وسط أفريقيا وتعدين الذهب في السودان.
يُعتقد أيضا أن أعضاء قوات الدعم السريع وفروا الحماية للتجار الروس الذين سعوا لشراء الذهب من عمال المناجم في السودان، حيث يستفيد حميدتي، الذي يسيطر على غالبية عمليات تعدين الذهب في السودان، مالياً من بيع الذهب لروسيا والإمارات.
حركة المقاتلين
ويحذر الكاتب من أنه إذا استمر القتال في السودان لفترة طويلة، فقد يمتد بسهولة إلى جنوب ليبيا وربما جيران آخرين، ما قد يؤدي إلى نشوب حرب إقليمية.
ويؤكد القماطي أن هناك تقارير موثوقة عن وجود خط إمداد طويل من المقاتلين والأسلحة والوقود نظمته الإمارات وحفتر ومجموعة “فاجنر” عبر الحدود الجنوبية الشرقية لليبيا إلى السودان لدعم قوات الدعم السريع، وقد يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراع أكثر وإغراق السودان في حرب طويلة مدمرة، مع عواقب على المنطقة بأكملها، وإشراك ليبيا بشكل مباشر في الصراع.
حفتر مستفيد في كل الحالات
ويرى أن أحد التداعيات المحتملة للتنقل المنتظم للمقاتلين بين السودان وليبيا هو أن ديناميكيات وجود قوات الدعم السريع في ليبيا يمكن أن تتغير، فقد يدعو حميدتي العديد من هؤلاء المقاتلين للعودة إلى السودان لتعزيز فرصه في كسب الحرب.
وفي غضون ذلك، قد تدفع هزيمة قوات الدعم السريع الآلاف من مقاتليها إلى الفرار إلى ليبيا هربًا من مطاردة الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان. ويقول القماطي إنه من الناحية النظرية، يمكن أن يستفيد حفتر من كلا السيناريوهين.
فإذا انتصر حليفه حميدتي في الحرب وسيطر على السودان، فقد يعزز ذلك موقف حفتر ويشجعه بشكل أكبر داخل ليبيا، ما يجعل إنهاء الصراع في ليبيا أمرًا بعيد المنال.
وعلى العكس من ذلك، قد تؤدي هزيمة حميدتي إلى دعم حفتر بتدفق مقاتلي الجنجويد الذين لجأوا إلى ليبيا.
أيضا، قد يؤدي النزوح الجماعي المحتمل للاجئين السودانيين إلى جنوب ليبيا إلى حدوث أزمة إنسانية، خاصة أن الجنوب يفتقر إلى الهياكل الحكومية والخدمات الأساسية لتلبية احتياجات أعداد كبيرة من اللاجئين.
وقف جهود السلام
ويرجح الكاتب ان تتعطل عملية السلام الهشة والبطيئة في ليبيا أكثر، مع وجود معالم وأهداف محددة للتوحيد المؤسسي ولم تتحقق الانتخابات كما هو مخطط لها، خاصة مع تحويل المجتمع الدولي تركيزه لاحتواء الأزمة في السودان، بدلاً من حل النزاع في ليبيا.
وكانت الأمم المتحدة والغرب يضغطون في ليبيا لتوحيد المؤسسة الأمنية وإنشاء قوة مشتركة تملأ الفراغ الأمني في الجنوب وتعمل على بسط سيطرة الدولة ولعب دور في كبح جماح “فاجنر” والجماعات المسلحة الأخرى في الجنوب الليبي.
ولكن مع اندلاع الصراع في السودان، وما ورد عن مشاركة حفتر ومجموعة “فاجنر” في دعم قوات الدعم السريع، من المرجح أن تتعرقل الجهود المبذولة لتشكيل قوة ليبية مشتركة وإخراج “فاجنر” من ليبيا، يقول الكاتب.
الانتخابات الليبية
تم اقتراح إجراء انتخابات جديدة لتجديد الشرعية السياسية في ليبيا بحلول نهاية عام 2023، وقد أقنع المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، أصحاب المصلحة المترددين، خاصة مجلس النواب في بنغازي والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، للشروع في خطط الانتخابات والاتفاق على الأساس التشريعي اللازم.
لكن من المرجح الآن أن تستخدم هذه الأطراف المترددة العنف وعدم الاستقرار في السودان المجاور كذريعة مخادعة للتهرب من أي التزام بالانتخابات من أجل إطالة قبضتها على السلطة، بحسب القماطي.
وبالتالي، يشير التضمين المحتمل للصراع السوداني بالنسبة لليبيا إلى مزيد من التأخير في الانتقال السياسي، مع عدم احتمال إجراء الانتخابات هذا العام، ما يزيد من مخاطر حدوث المزيد من الاستقطاب السياسي وعدم الاستقرار، واحتمال إضعاف أي آفاق للنمو الاقتصادي، للسنوات القادمة.