خبير أمني يحذر السعودية من التورط في اتفاقية دفاعية مع أمريكا
سلط بلال صعب، مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط والأستاذ المساعد ببرنامج الدراسات الأمنية في جامعة “جورج تاون”، الضوء على إمكانية إبرام اتفاقية دفاع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، كأحد شروط الرياض للتطبيع مع إسرائيل، مرجحا صعوبة تحقق ذلك.
واعتبر صعب، في تحليل نشره بموقع “وور أون ذا روكس” وترجمه “الخليج الجديد”، أن تلبية الولايات المتحدة للشرط السعودي “سيكون خطأ فادحا”، لأن إبرام معاهدة تحالف دفاعي مع السعودية “ليس واقعيًا سياسيًا ولا حكيمًا من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لواشنطن” حسب رأيه.
وبرر صعب تقديره بأنه سيكون من الصعب على أي رئيس أمريكي، ديمقراطي أو جمهوري، إقناع إدارته، أو الكونجرس والشعب الأمريكي، بالدخول في تحالف مع نظام ملكي مطلق لا يشعر الأمريكيون تجاهه إلا بقدر ضئيل من التقارب.
فعندما تصبح السعودية حليفًا دفاعيا وفق هكذا معاهدة، سيكون ذلك بمثابة قفزة على الشركاء المهمين للولايات المتحدة، الذين يتمتعون بالديمقراطية، مثل تايوان، والذين هم “أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية” حسبما يرى صعب.
وأضاف أن “اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة ليست شيئًا تستطيع الرياض تحمله، كما أنها ليست شيئًا تحتاجه”، كما أنها “ليس ما تتطلبه العلاقة الأمنية الأمريكية السعودية لتصبح أقوى”.
وبدلاً من ذلك، يرى صعب أن “هناك حاجة حقيقية إلى تعاون أمني أكثر فاعلية بين الجانبين، وهو التعاون الذي يدعمه موقف عسكري أمريكي جديد وأكثر مركزية في المملكة، يتضمن مكتب تعاون أمني وقاعدة تشغيلية متكاملة في المملكة.
ويشكك صعب في أن القادة السعوديين قد درسوا بالكامل الالتزامات التي ستصاحب اتفاق دفاع مع واشنطن، إذ تأتي معاهدات الدفاع مصحوبة بالتزامات متبادلة جدية، تتفق بموجبها الأطراف الموقعة على أنها ستدافع عن بعضها البعض في حالة وقوع هجوم مسلح ضد أي منهما، ولا يوجد دليل على أن السعودية مستعدة للقتال مع الولايات المتحدة في حالة اندلاع حرب مع إيران.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بالمسؤوليات القتالية فقط، إذ سيتعين على السعودية أيضًا الالتزام بالتشاور الفعال والشفاف والمتسق وتبادل المعلومات مع واشنطن بشأن مختلف السياسات والقضايا الأمنية التي تؤثر على المصالح الأمريكية.
ويتضمن ذلك العلاقات العسكرية مع الصين وروسيا، والتي من شأنها تجاوز الخط الأحمر الأمريكي وتهديد التحالف الدفاعي المحتمل، في حين أعلنت السعودية وشركاء إقليميين آخرين أنهم لا يريدون ولا يستطيعون الاختيار بين الصين والولايات المتحدة.
وبافتراض أن واشنطن تمكنت من تحقيق إجماع سياسي على معاهدة تحالف دفاعي مع السعودية، وأن الرياض مستعدة لقبول كل شروط هذا التحالف، فلن يتحقق اتفاق كهذا دون تعاون أمني أكثر فعالية بين الجانبين بشأن الهدف المركزي للسعودية، المتمثل في إقامة دفاعات أقوى ضد هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية الإيرانية، حسبما يؤكد صعب.
ويشير مدير برنامج الأمن والدفاع بمعهد الشرق الأوسط إلى أن واشنطن قامت بتنظيم هذا التعاون مع الدول المنخرطة في حلف شمال الأطلسي، وأضفت الطابع المؤسسي عليه، على مدى سنوات عديدة، ما مكنها من أن تشكل تحالفًا كاملاً، جاء نتيجة طبيعية لتقارب استراتيجي دائم وعمل جماعي.
ويأسف صعب لحقيقة أن الولايات المتحدة لديها علاقات أمنية وثيقة وشبه حصرية مع السعودية لما يقرب من 8 عقود، ومع ذلك لم يتمكن كلا الجانبين من تطوير تعاونهما الدفاعي، ويعزو ذلك إلى الافتقار إلى “القيم الديمقراطية المشتركة”، باعتبارها عنصر أساسي لقبول الدول في حلف الناتو.
وإزاء ذلك، يرى صعب أن التحالف الدفاعي الذي يصل بالسعودية إلى مستوى دول حلف الناتو بعيد المنال، لكن “هناك مجال كبير لتعزيز التعاون الأمني مع المملكة العربية السعودية الذي لا يتطلب قيمًا مشتركة” حسب رأيه.
شراكة أفضل
فما تحتاجه كل من الرياض وواشنطن هو نهج أكثر تنسيقًا للأمن، والذي يمكن بناؤه من خلال العمل معًا على عناصر مشروع إعادة الهيكلة الدفاعية الجارية بالمملكة، وإجراء تخطيط طوارئ مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية.
وكل ذلك يتطلب التزامًا سعوديًا بتنفيذ إصلاح دفاعي وموقف أمريكي فعال لدعم هذا الالتزام، حسبما يرى صعب، مقترحا في هذا الصدد أن تقوم الولايات المتحدة ببناء بنية تحتية استشارية جديدة في المملكة، تتطلب عنصرين رئيسيين، لا يوجد أي منهما حاليًا، وهما: قاعدة تكامل الدعم التشغيلي، ومكتب تعاون أمني.
ومن شأن هكذا بنية أن تضمن التنسيق بين مؤسسات الأمن القومي السعودية، بما فيها وزارة الدفاع ووزارة الحرس الوطني ووزارة الداخلية، وبين وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية، إضافة إلى تقديم مشورة مستنيرة، مصممة محليا خصيصًا للسعودية، على عكس الاستشارات المنسوخة من النظام الأمريكي.
وحال تحقق ذلك، ستتمتع الولايات المتحدة بوضع هائل في السعودية، يشمل بعثة التدريب العسكري الأمريكية، ومجموعة تصل إلى 40 منظمة أمريكية تسعى لأنشطة شبيهة بالتعاون الأمني مع وزارة الدفاع السعودية والحرس الوطني السعودي.
ويرى صعب أن هناك سبب للتفاؤل بشأن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية، فعلى الجانب الأمريكي، أدى الدبلوماسي المخضرم، مايكل راتني، اليمين كسفير للولايات المتحدة بالمملكة في 21 مارس/آذار الماضي، وهي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، بحسب صعب، “لأنها تنهي الغياب الدبلوماسي الأمريكي في الرياض”، إذ كان آخر وجود لرئيس بعثة دبلوماسية أمريكية بالسعودية في يناير/كانون الثاني 2021.
ولدى راتني أدوار حاسمة ليلعبها، إذ يمكنه المساعدة في تنسيق إصلاح التعاون الأمني الأمريكي في المملكة، وهو ما سيتطلب، من بين أمور أخرى، التفاوض مع الحكومة السعودية، حيث لا يمكن للولايات المتحدة أن تخضع لإعادة تنظيم كاملة لوجودها في المملكة دون موافقتها.
ويؤكد صعب على أن مزايا التعاون الأمني هائلة لكل من واشنطن والرياض، مشيرا إلى أن القيادة السعودية حريصة على رؤية موقف أمريكي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بخطتها للتحول الدفاعي.
وناقش وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان (شقيق ولي العهد) هذه المسألة بالذات مع المسؤولين الأمريكيين في أحدث لجنة للتخطيط الاستراتيجي المشترك بين الولايات المتحدة والسعودية في مايو/أيار 2022.
وكلما كانت السعودية قادرة على ردع العدوان الإيراني والدفاع عنه بشكل أفضل، قلّت مساهمة الولايات المتحدة في هذه المهام، ما يمنح واشنطن الفرصة لنقل المزيد من الموارد من المنطقة إلى المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا، بحسب صعب.
غير أن مساعدة الولايات المتحدة للرياض تتطلب نظرة سعودية جديدة بشكل أساسي على التعاون الأمني الأمريكي وإعادة هيكلة برنامج المساعدة والتدريب العسكري في المملكة.
ويخلص صعب إلى أن تسليح القوات السعودية وتدريبها أمر مهم، لكنه ليس كافياً، إذ يجب على الولايات المتحدة أن تساعد الرياض في إيلاء اهتمام أكبر لحوكمة الدفاع وبناء القدرات المؤسسية والاستثمار فيها، مشيرا إلى أن تحليله لا يعني أن صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية ليس لها أي ميزة أو لا ينبغي السعي وراءها، بل يعني أن أي اتفاق دفاع أمريكي سعودي من غير المرجح أن يؤدي إلى ترقية العلاقات الأمنية بين البلدين بشكل فعال.