محادثات قطر وطالبان.. هل تنجح صفقة المساعدات مقابل الاعتدال؟
محادثات قطر وطالبان.. هل تنجح صفقة المساعدات مقابل الاعتدال؟
سلط مركز “ستراتفور” للدراسات الاستراتيجية والأمنية الضوء على المحادثات “السرية” التي أجراها زعيم حركة طالبان، أمير ما يسمى بإمارة أفغانستان الإسلامية، هبة الله أخوند زاده، مع رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وانعكاس ذلك على إمكانية تخفيف طالبان لسياساتها المحلية المتشددة، التي ترسخ عزلتها الدولية.
وذكر المركز، في تحليل نشره موقع الإلكتروني أن المحادثات، التي جرت في مدينة قندهار جنوبي أفغانستان في 12 مايو/أيار، ناقشت حل الخلافات الرئيسية بين طالبان والمجتمع الدولي، بما في ذلك حظر طالبان على تعليم الفتيات والقيود المفروضة على توظيف النساء، ومكافحة الجماعات المتطرفة العنيفة في أفغانستان.
وهذا الاجتماع هو الأول بين أخوند زاده ورئيس حكومة أجنبي، إذ لعبت قطر دورًا رئيسيًا في المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان، التي أدت في النهاية إلى انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في عام 2021.
وقبل تلك المفاوضات، استضافت الدوحة مكتبًا غير رسمي لطالبان في أحد التمثيلات الخارجية القليلة للحركة بعد الغزو الأمريكي في عام 2001.
ويتناسب الحفاظ على العلاقات مع طالبان مع إستراتيجية القوة الناعمة الأوسع لقطر، التي يُنظر إليها على أنها وسيط وميسر للمصالح الإنسانية في المنطقة، بحسب “ستراتفور”، مشيرا إلى أن قطر لديها أيضًا علاقات دبلوماسية وإنسانية مع جماعات أخرى معزولة، مثل حماس في قطاع غزة.
وكقائد أعلى لطالبان، يواصل أخوند زاده قيادة الحكم المتشدد في أفغانستان، رغم أن الحركة أبدت بعض الاستعداد للتنازل عن قيود اجتماعية معينة خلال المحادثات مع رئيس الوزراء القطري.
لا مساومة
وهنا يشير “ستراتفور” إلى أن أخوند زاده معروف بالتشدد وعدم المساومة، الأمر الذي جعله يتصادم مع قادة طالبان الأكثر برجماتية، وهو ما كان واضحًا بشكل خاص في مارس/آذار 2022، عندما تراجعت طالبان فجأة عن تعهد أصدرته وزارة التعليم، التابعة للحركة، قبل أيام من إعادة فتح المدارس الثانوية لجميع الطالبات. ونُسب قرار اللحظة الأخيرة بمنع الفتيات من العودة إلى المدارس آنذاك إلى أخوند زاده.
وعلى مدار العام الماضي، منعت طالبان أيضًا النساء من الالتحاق بالجامعات، وكذلك من العمل في منظمات الإغاثة والأمم المتحدة، وهي السياسات التي يُعتقد أن أخوند زاده يدعمها.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أمر أخوند زاده بتطبيق التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية، بما في ذلك القيود المفروضة على النساء والفتيات، التي أثارت انتقادات عامة نادرة من قادة أكثر براجماتية في طالبان، وأدت إلى استمرار الخلاف الداخلي على نطاق واسع حول السياسات المحلية للحركة.
ومع ذلك، أظهرت طالبان بعض الاستعداد للتنازل عن تطبيق سياسات معينة، مثل حظر عمل النساء في منظمات الإغاثة.
وأفادت العديد من مجموعات الإغاثة أنه منذ الإعلان عن حظر عمل النساء بها، في ديسمبر/كانون الأول 2022، سمحت طالبان عمومًا لموظفات المساعدات بمواصلة العمل في أدوار الصحة والتعليم والدعم المكتبي.
ولإيضاح رغبة طالبان في التحلي بالمرونة النسبية مع بعض القيود الاجتماعية، أفاد الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين أنه في اجتماع، عُقد في مايو/ أيار الماضي مع طالبان في كابول، وافقت الحركة على السماح للموظفات في المنظمة باستئناف العمل في قندهار.
وذكر رئيس المجلس أنه إذا تمكنت منظمته من تحقيق استثناء إقليمي في قندهار، الموطن الروحي والمركز السياسي لطالبان، فـ “ينبغي أن تكون قادرة على تكراره في مكان آخر” حسب قوله.
تعيين مؤقت
في 18 مايو/أيار الماضي، وبعد عدة أيام من محادثات أخون زاده مع آل ثاني، عينت طالبان مولوي عبد الكبير كرئيس وزراء مؤقت لأفغانستان، ليحل مؤقتًا محل المتشدد الملا، محمد حسن أخوند، البالغ من العمر 78 عامًا.
وأعلنت طالبان رسميًا أن تعيين عبدالكبير “مؤقت” ويعود إلى حالة رئيس الوزراء السابق الصحية، لكن بعض المراقبين تكهنوا بأن القرار صدر بسبب الخلافات الداخلية في طالبان، وأن التحرك لاستبدال المتشدد بعبد الكبير، الذي لعب دورًا بارزًا في التفاوض على اتفاقية الدوحة 2020 مع الولايات المتحدة، قد يشير أيضًا إلى تحول نحو مزيد من الانفتاح.
ومع ذلك، فإن منصب رئيس الوزراء المؤقت في الحكومة الأفغانية التي تقودها طالبان ليس له تأثير سياسي ذي مغزى، بحسب تحليل “ستراتفور”، ويرجع هذا بشكل خاص إلى حقيقة أن أخوند زاده هو الزعيم الأعلى والسلطة النهائية على قرارات طالبان، ولذا من غير المرجح أن يؤدي تعيين عبدالكبير وحده إلى إحداث تغييرات كبيرة في سياسات الجماعة.
ويشير مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية إلى أن النسخة الدينية التي تتبناها الدولة في قطر هي السلفية المتشددة، والتي لا يتم فرضها بشدة في البلاد ولكنها تمنح الدوحة صلة دينية بطالبان “قد تسهل المناقشات للتخفيف من التفسيرات المتشددة للإسلام لكسب كميات محدودة من الإغاثة الإنسانية”.
وتشير المحادثات المبلغ عنها مع قطر إلى أن زعيم طالبان على استعداد لمناقشة القضايا الرئيسية، وربما النظر في إصلاحات هامشية، لكن من غير المرجح أن يقدم تنازلات كبيرة بشأن أي سياسة داخلية متشددة في أي وقت قريب.
وأظهر أخوند زاده عمومًا القليل من الاهتمام بحقيقة أن سياسات طالبان المتشددة في أفغانستان تسببت في عزلتها الدولية وفرض عقوبات عليها، وأكد باستمرار أنه لن يسمح للدول الأجنبية بالتأثير أو التدخل في سياسات الحركة وحوكمتها، وأنه سيواصل إعطاء الأولوية لتطبيق وفرض تفسير صارم للإسلام.
غير أن إبداء طالبان بعض المرونة “الضيقة” في بعض السياسات، مثل حظر عمل النساء في منظمات الإغاثة، يشير إلى أن أخوند زاده قد يكون على استعداد للنظر في حل وسط محدود بشأن بعض القضايا الأخرى والقيود الاجتماعية المتشددة أيضًا.
وقد يؤدي الضغط المتزايد من قادة طالبان الأكثر برجماتية وما يترتب على ذلك من تفاقم للخلافات الداخلية إلى دفع أخوند زاده للنظر في بعض التنازلات من أجل الحد من التدهور التام لوحدة طالبان، خاصة إذا أسفرت المحادثات مع قطر عن عروض بزيادة المساعدات الإنسانية أو الاقتصادية في مقابل الاعتدال، بحسب “ستراتفور”.
وبينما أصدر أخوند زاده تصريحات تفيد بأن طالبان تسعى إلى إقامة علاقات إيجابية مع دول أجنبية، فقد شدد أيضًا على أن الحركة لن تجري مثل هذا التواصل إلا إذا كان يتماشى مع تفسيره للشريعة الإسلامية.