الإيكونوميست: إيران تملك قنابل نووية “عند الطلب”
الامة – ترجمات
سلطت مجلة “الإيكونوميست” الضوء على تطورات البرنامج النووي الإيراني بعد 5 سنوات من إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، انسحابا أحاديا من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، لتقييد القدرات النووية الإيرانية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية، مشيرة إلى أن إيران لم تقف مكتوفة الأيدي طوال السنوات الماضية.
وذكرت المجلة البريطانية، في تقرير ترجمه “الخليج الجديد”، أن صور الأقمار الصناعية الأخيرة تؤكد أن إيران تبني منشأة نووية في جبال زاجروس، بالقرب من موقع التخصيب الحالي في نطنز.
وأضافت أن الصور تظهر أن المنشأة عميقة جدًا تحت الأرض لدرجة أنها ستكون غير معرضة للخطر حتى أمام أقوى قنبلة في أمريكا لخرق المخابئ، حسب تحليل مركز “جيمس مارتن” لدراسات عدم الانتشار النووي في كاليفورنيا.
وأورد تحليل المركز أنه تم حفر 4 مداخل في سفح الجبل، عرض كل منها 6 أمتار وارتفاعها 8 أمتار، وأن عمق المنشأة هو 80-100 متر تحت سطح الأرض.
وكان الأمريكيون قد طوروا قنبلة تعرف باسم gbu-57، يمكنها اختراق 60 مترًا تحت سطح الأرض قبل أن تنفجر، لكنها لم تعد كافية لتدمير مخبأ إيران الجديد.
ويعتقد معهد العلوم والأمن الدولي (ISIS)، وهو مؤسسة فكرية في واشنطن، أن أعمق جزء من المنشأة الإيرانية يمكن استخدامه كقاعة لعدد صغير من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي يمكنها إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة بسرعة؛ لجعل إيران قادرة على اختراق نووي لا يمكن إيقافه.
ومهما كانت انتقادات الصفقة النووية لعام 2015، المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي أعدتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، بالشراكة مع الأعضاء الأربعة الآخرين الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي (مجموعة 5 + 1)، فقد ضمنت أن الأمر سيستغرق من إيران حوالي عام لإنتاج مادة انشطارية كافية لجهاز نووي. أما الآن، فمن المحتمل أن تحقق إيران ذلك على الفور.
ومنذ قرار ترامب المتهور بإلغاء “أسوأ صفقة على الإطلاق”، حسب تعبيره، وتجديد العقوبات التي كانت مصممة لممارسة “أقصى ضغط” على النظام الإيراني، أدخلت إيران أجهزة طرد مركزي أكثر سرعة ووسعت بشكل كبير من قدرتها على تخصيب اليورانيوم.
استنادًا إلى تقرير التفتيش ربع السنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية (iaea) ، وهي هيئة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة ، يقدر فريق معهد العلوم والأمن الدولي أن إيران يمكن أن تنتج ما يكفي من الأسلحة النووية لصنع سلاح نووي في غضون 12 يومًا.
وتحتاج إيران فقط إلى استخدام 3 مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة ونصف مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، بحسب المعهد.
أسلحة إضافية
الأكثر إثارة للقلق هو أنه إذا استخدمت إيران كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، فيمكنها إنتاج 4 أسلحة نووية أخرى في غضون شهر، حسبما أوردت المجلة البريطانية، مضيفة: “في غضون شهرين آخرين، وباستخدام مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب (أي أقل من 5% من اليورانيوم المخصب)، يمكن أن تحصل على ما يكفي من المواد لسلاحين إضافيين. وسيستغرق اختبار ونشر قنبلة لنظام تسليم خام، مثل طائرة أو سفينة، حوالي 6 أشهر”.
وبذلك يمكن لإيران إطلاق رأس حربي صاروخي نووي في غضون عام أو عامين، وهو ما سبق أن حذر منه الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، بشهادته أمام الكونجرس في 29 مارس/آذار.
لا يعني ذلك أن إيران على وشك أن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية كاملة، لكن يعني أن بإمكانها إنتاج أسلحة نووية “عند الطلب” إلى حد كبير.
ورغم المحادثات المكثفة غير المباشرة بين أمريكا وإيران، برئاسة كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوسيب بوريل، والتي استمرت لعدة أشهر في فيينا العام الماضي، فإن محاولة بث الحياة في الاتفاق النووي مع إيران لم تسفر عن شيء.
وبحلول سبتمبر/أيلول الماضي، كان الجانبان أكثر تباعدًا، إذ رفض الإيرانيون قبول تحقيق جديد تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أنشطتهم النووية السابقة، وأصروا على منحهم ضمانات بأنهم سيستمرون في الاستفادة من تخفيف العقوبات، بما في ذلك التعويض المالي، في حالة انسحاب الإدارة الأمريكية المستقبلية مرة أخرى من الصفقة.
ويعتقد علي أنصاري، مدير معهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز بإسكتلندا، أن الإيرانيين لم يكونوا أبدًا “صادقين بشأن العودة إلى الاتفاق النووي”، وأن محادثاتهم “كانت مفاوضات من أجل مفاوضات” حسب تعبيره.
ويوافق إميل حكيم، الخبير في أمن الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، على أن الإيرانيين “قرروا أنهم خارج الاتفاق بالفعل بحلول الوقت الذي وصلت فيه إدارة بايدن إلى البيت الأبيض”، مشيرا إلى أنهم “كانوا يلعبون لعبة معقدة مع وكالة الطاقة الدولية”.
الغزو الروسي
ويعتقد الخبيران أن ناقوس نهاية للاتفاق النووي كان غزو روسيا لأوكرانيا العام الماضي، من خلال انخراط روسيا وإيران بعلاقة دفاعية أوثق بكثير، ما قضى على أي آمال باقية في استعادة عملية مجموعة 5 + 1.
وأزال ارتفاع أسعار الطاقة بعض الضغوط الاقتصادية الفورية على إيران، حسبما يرى الأنصاري، مشيرا إلى أن “إيران افترضت أن روسيا ستنتصر في أوكرانيا، ما من شأنه أن يعزز رواية إيران عن التراجع الغربي ويحسن شروط العقوبات من خلال استغلال الانقسامات بين حلفاء أمريكا الأوروبيين. وبينما تحطمت هذه التوقعات، تعتقد إيران أن بإمكانها تقوية موقفها في علاقتها مع روسيا الأضعف”.
فيما يعتقد حكيم أن التقييم في معظم دول مجلس التعاون الخليجي الست، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، هو أن “روسيا المعزولة، حريصة على شراء طائرات مسيرة وصواريخ من إيران، وستكون أكثر استعدادًا لنقل أنظمة الأسلحة عالية التقنية، التي يمكن أن تسد فجوات كبيرة في مخزون إيران، مثل صواريخ أرض-جو المتطورة إس -400 وطائرة مقاتلة روسية ذات قدرة عالية من طراز سوخوي 35.
وتلفت المجلة البريطانية إلى أن دوائر صنع القرار في واشنطن تريد من دول الخليج أن تفعل المزيد من أجل أمنها، خاصة في وقت تتورط فيه الإدارة الأمريكية في التعامل مع الحرب في أوكرانيا، فضلا عن تنافسها المستمر مع الصين. ويعتقد العديد من مراقبي الخليج أن أمريكا بدأت بالفعل في حزم حقائبها في المنطقة.
وإضافة لذلك، أصبح عرب الخليج أقل اهتمامًا بالملف النووي الإيراني من اهتمام أمريكا أو إسرائيل، إذ باتوا يعتبرون إيران بالفعل قوة نووية بحكم الأمر الواقع، كما أنهم ليس لديهم الخبرة الفنية للتفاوض مع الإيرانيين بشأن القيود النووية، حتى لو أرادوا ذلك.
وما يقلق عرب الخليج أكثر، حسبما يرى الحكيم، هو صواريخ إيران وطائراتها المسيرة وميليشياتها، وعلى النقيض، تشعر إسرائيل أنها تستطيع التعامل بشكل جيد مع هذه التهديدات، بينما أعلنت مرارا وتكرارا أنها لا تستطيع التعايش مع إيران ذات القدرة النووية.
توازن مرهق
ونتيجة الوضع الحالي هو نوع من “التوازن المرهق ولكنه مع ذلك خطير”، بحسب توصيف المجلة البريطانية، مشيرة إلى أن القوى الإقليمية تحاول كسب بعض النفوذ على إيران من خلال الاستثمار في اقتصادها، والقيام ببوادر حسن النية، مثل إعادة قبول ربيب إيران السوري (بشار الأسد) في جامعة الدول العربية.
ورغم إبرام اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، التي أدت إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع 4 دول عربية، إلا أن الحكومات في الخليج تعرف أن تأثيرها ضئيل على ما قد تقرره إسرائيل بشأن إيران.
وبينما تضغط إيران من أجل الحصول على صواريخ إس-400 التي تغير قواعد اللعبة، والطائرات النفاثة الحديثة من روسيا، وتدفن “شلالات تخصيب اليورانيوم” في أعماق أكبر تحت الأرض، قد ترى إسرائيل أن نافذة تحركها تتجه نحو الإغلاق.
واعترف الجنرال هيرزي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بذلك، في 23 مايو/أيار، قائلا: “حققت إيران تقدمًا في تخصيب اليورانيوم أكثر من أي وقت مضى”.
لكن إسرائيل لديها قيود خاصة بها، إذ ربما تحتاج إلى ناقلات جوية من طراز KC-46 Pegasus، لشن هجوم على إيران، وهو ما سيكون صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر، خاصة أن شركة “بوينج” الأمريكية أعلنت أنها لن تتمكن من تسليمها حتى عام 2025.