الحوار الوطني واللواء الحوفي


بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي

من عظمة مصر وأهلها أن سائر البلاد –كما ورد في الأثر– تحرسها الملائكة إلا مصر فيحرسها الله مباشرة وليس أدل على ذلك من تلك الهالة الربانية التي تحيط بها منذ بدء الخليقة حيث خصها الله سبحانه وتعالى بالذكر في الكتب السماوية الثلاثة ولم يتجل جل جلاله إلا على أرضها الطاهرة …… لذا حفظها بحفظه وأحاطها بعنايته وجعلها في معيته إلى قيام الساعة أما خاتم أنبيائه وآخر رسله (ص) فلم يثن على جند في الأرض كما أثنى على جندها ، ولم يوص على أحد كما أوصى على أهلها .
الشاهد هنا أن بلدا بهذه المكانة العظيمة لا تبيد أبدا قد تمرض لكنها لا تموت .. وقد تتعثر لكنها سرعان ما تقوم وقد تتخلف عن الركب لكنها يوما ما لابد وأن تتقدم الصفوف فمصر بشهادة أعدائها إذا قامت سادت وإذا استيقظت نام جيرانها والدليل على صحة ذلك أن ما تعرضت له مصر من أعداء الداخل والخارج على مدى آلاف السنين .. من ظلم واستبداد ونهب للمقدرات وأزمات وأحقاد ومؤامرات لو تعرضت له دولة أخرى لما قامت لها قائمة إلى يوم القيامة … هذا ما نؤمن به ونعتقد ، وهذا ما نزهوا به ونفتخر ، وهذا ما أخبرنا به التاريخ الذي لا يكذب لكن هذا الإعجاز الإلهي لن يتحقق بالدعاء أو التمني ، بل لابد من الأخذ بالأسباب والتي تتلخص بإيجاز في الصبر والأمل والعمل الجاد .
وتأسيسا على هذه المقدمة وانطلاقا منها ….. نبدأ كلامنا عن مؤتمر الحوار الوطني الذي تُعلق عليه الدولة شعبا وحكومة وقيادة آمالا كبيرة …… والذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي للاستماع للرأي والرأي الآخر حول مختلف القضايا الوطنية بداية العام الماضي وبدأت أولى جلساته تحت شعار “بناء الجمهورية الجديدة” في أرض المعارض … بمدينة نصر يوم 3 مايو الجاري … ولا يختلف عاقلان على أهمية إجراء هذا الحوار … من أجل تحقيق التوافق العام على مجمل القضايا الوطنية بين جميع الأطياف المصرية، أما الجهلة والعملاء والخونة الذين سفكوا دماء أبناء قواتنا المسلحة والقضاء والشرطة فلا اعتراف بهم ، ولا صلح معهم ، ولا مكان لهم ، ولا حوار بيننا وبينهم .
ولسنا في حاجة إلى القول أن أول هذه القضايا الوطنية وأهمها على الإطلاق هي الأزمة الاقتصادية الراهنة .. فالأوطان كما نعلم جميعا لا تبنى بالكلام بل بعقول وسواعد وأموال الرجال .. فمصر التي تبدوا للناظرين على الخريطة كواحة آمنة مستقرة … وسط غابات مشتعلة من الجهات الأربعة …. ليست في حاجة إلى حوار سياسي يبدأ بالكلام وينتهي به تشارك فيه النخبة والمعارضة، وشخصيات متهمة بتلقي تمويل أجنبي من منظمات دولية مشبوهة، بقدر ما هي في حاجة إلى حوار اقتصادي يشارك فيه خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال الشرفاء وأصحاب رؤوس الأموال الوطنية …. من أجل تقديم حلول جذرية لهذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة في دولة تمر بلحظة تاريخية فارقة .
وبناء عليه …. ورغم أن الحوار الوطني مازال في بداية جلساته والحكم عليه مرتبط بما ستؤول إليه نهايته وما سيقدمه من توصيات نتمنى جميعا أن تكون على مستوى الظروف والتحديات التي تواجه الدولة في هذه المرحلة …. أقول ما الفائدة التي تعود على البلد من كلمة عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق ……. التي طرح فيها عددا من التساؤلات ولم يقدم حلولا تذكر ؟ .. ثم أين كان مبدأ فقه الأولويات الذي يتساءل عنه الآن عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق ؟ …. حينما كان جزءً من نظام الرئيس المخلوع الذي جعل ملف التوريث في مقدمة أولوياته ، وعرف عهده بالفساد والظلم والاستبداد وتزاوج السلطة مع المال ، وكان شغله الشاغل النهب والسلب والسرقة .. فعاش حرامي ومات حرامي بحكم محكمة بات ونهائي والغريب أن العديد من الشخصيات المشاركة سارت على نهج عمرو موسى في نقل تساؤلات بعض المواطنين دون إبداء رأي أو تقديم اقتراح أو فكر جديد .. وكأنهم اتفقوا على تفريغ مؤتمر الحوار الوطني من مضمونه الأساسي .. ومن ثم تحويله إلى مكلمة لا محل لها من الإعراب في هذه المرحلة بالذات .
إذا شئنا فعلا لهذا الوطن الخروج من هذه الأزمة بسلام ، والتقدم والنمو والازدهار يجب علينا أن ننحي جانبا أحلامنا الشخصية ، ونتجاوز قضايانا الخلافية وأن نقف جميعا صفا واحدا خلف قيادتنا السياسية .. التي طهرت أرض سيناء من إرهاب العملاء والمأجورين والخونة … وأعادت اكتشاف عبقرية موقع مصر الجغرافي كقلب العالم ، ورمانة ميزانه وقبلته الآمنة … وحولت قناة السويس من مجرد ممر مائي إلى محور تجاري ، وصناعي وخدمي عالمي ….. وقضت على الحلم القديم للعدو الصهيوني في إنشاء قناة بن جيريون كبديل لقناة السويس .. نتيجة للجهود المكثفة التي تبذلها الدولة لتحويل سيناء من صحراء جرداء إلى قاعدة اقتصادية عظمى تتنافس على الاستثمار فيها الدول الكبرى ….. وبدأت ترجمة هذه الجهود على أرض الواقع …….. بتنفيذ مشروع السكك الحديدية لنقل البضائع من ميناء طابا إلى ميناء العريش ….. ويمثل هذا المشروع ضربة استباقية دفاعا عن قناة السويس حيث أصبح استغناء العالم عنها الآن ضربا من الخيال .
وقبل الختام أقول مصر التي أصبحت لاعبا رئيسيا لا يمكن الاستغناء عنه على المسرح الدولي … وشريكا اقتصاديا مهما مع الدول الكبرى .. من خلال اتفاقيات التبادل التجاري سواء بالعملات المحلية أو بنظام المقايضة التي عقدتها مع كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل .. وأصبحت أول دولة في أفريقيا تنتج الهيدروجين الأخضر .. ونوعت تسليح قواتها المسلحة … وقلبت موازين القوى في المنطقة والعالم عندما فاجأت الجميع مؤخرا بامتلاك أسطول من سلاح الدرونز صناعة مصرية خالصة .. أقول دولة بهذه القوة ليست في حاجة إلى مكلمة تؤدي إلى توسيع الفجوة وتعميق الخلافات بين المؤيدين والمعارضة ، بل في حاجة إلى تضافر الجهود وتوحيد الصفوف لاستكمال المسيرة الوطنية التي بدأت عجلتها في الدوران منذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السلطة ولا يمكن لأية قوة أن توقف انطلاقها نحو التقدم والازدهار ، وتحرير الاقتصاد الوطني من سطوة الدولار ، والتعنت الأمريكي في رفع الفائدة والذي أدى إلى هروب الأموال الساخنة لكن من دواعي سرورنا أن المؤشرات الاقتصادية كافة تؤكد على أن الدولار ذاهب إلى مزبلة التاريخ لا محالة .. وسيتحول عما قريب إلى مجرد ذكرى .
وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر القيمة الوطنية المحترمة … والقامة العسكرية المعتبرة صديقي الوفي سيادة اللواء محمد الحوفي … الذي أشار علي بالكتابة حول مؤتمر الحوار الوطني …… ولولاه ما كتبت نظرا لانشغالي هذه الأيام طوال الوقت وهكذا دائما وأبدا ما تشير علينا مثل هذه القامات الوطنية الكبيرة بكل ما هو وطني ومفيد وإيجابي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى