الحرب تضرب صحة السودان.. مرضى ضائعون وأدوية مفقودة

فاقمت الحرب في السودان أزمة البلاد الصحية مع خروج نحو 25% من مستشفيات العاصمة عن الخدمة، ونزوح المرضى إلى مختلف الولايات بحثاً عن علاج، وذلك وسط عجز في الإمدادات الطبية مع تحذيرات رسمية من “فجوة محتملة” في أدوية الأمراض المزمنة.

وقال وزير الصحة السوداني هيثم محمد، السبت، إن 3 ولايات سودانية هي الخرطوم وجنوب ووسط دارفور، تعاني من أزمة في الخدمات الصحية بسبب القتال الدائر منذ 15 أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وأدت الاشتباكات إلى “خروج 30 مستشفى في الخرطوم عن العمل”، وذلك من أصل 130 مستشفى في العاصمة التي تعتبر قبلة المرضى من جميع أنحاء السودان في ظل مركزية النظام الصحي، بحسب وزير الصحة الذي اتهم قوات الدعم السريع بالاستيلاء عليها.

وبخلاف هذا العدد، خرجت مستشفيات مركزية أخرى عن العمل مثل مستشفى علاج الأورام (الذرة)، مستشفى القلب المركزي، المعمل المركزي، فضلاً عن المركز الرئيسي للإمدادات الطبية، وكلها مراكز طبية تعد بمثابة محرك للنظام الصحي في البلاد.

نقص الأدوية

وكشف وزير الصحة أن المخزون الدوائي لأمراض الكلى والدم يكفي فقط لمدة تتراوح بين شهر إلى شهرين، مع توقعات بحدوث فجوة في أدوية الأمراض المزمنة، لافتاً إلى أن وزارته تعمل على معالجة هذه المعضلة مع الشركاء الدوليين.

وأضاف محمد أن المخزون الاستراتيجي من الدواء “خارج سيطرة الوزارة”، مرجعاً السبب إلى “تواجد قوات الدعم السريع في المركز الرئيسي للإمدادات الطبية وصعوبة الوصول إلى المكان”.

وذكر أن الوزارة تعمل على توزيع نحو 530 طناً من المساعدات الطبية في جميع الولايات باستثناء ولايات دارفور “بسبب الأوضاع الأمنية”، والخرطوم “في ظل وجود مخزون جيد من الأوية مقارنةً بأعداد المرضى القادرين على الوصول لتلقي العلاج”.

وتعد المستهلكات الطبية الخاصة بأمراض الكلى والقلب والسرطان الأعلى استهلاكاً، بجانب أدوية الأمراض المزمنة وأكياس الدم.

ولفت محمد إلى توافر نحو 70% من مخزون ولايات دافور في المستشفيات باستثناء ولاية جنوب دارفور التي شهت إحراق المخزون الدوائي، بحسب قوله.

وأكد مقرر اللجنة العليا للطوارئ الصحية ومسؤول الإمداد الدوائي إنابة عن وزارة الصحة، الدكتور الفاتح ربيع، أن “الأوضاع الصحية مستقرة في كافة الولايات عدا ولايات الخرطوم ووسط وجنوب وغرب دارفور”.

نزوح المرضى

ودفع عجز مستشفيات العاصمة المرضى ومرافقهيم إلى النزوح بحثاً عن العلاج والأمان في ولايات أخرى، وهو ما تؤكده وزارة الصحة التي أشارت إلى “تحويل معظم عمليات القلب وعلاج الأورام السرطانية وغيرها إلى ولايات الجزيرة ونهر النيل”.

وأفادت وزارة الصحة بأنها “تعمل على توفير المعينات اللازمة لاستمرار العمل في مستشفيات الولايات في ظل الضغط الناتج عن وصول المرضى من الخرطوم إلى الولايات”.

سعة محدودة

وقالت مصادر صحية إن أكثر من 7 آلاف مريض فشل كلوي وعشرات الآلاف من مرضى السرطان واجهوا صعوبات بعد انتقالهم إلى ولايات أخرى، موضحة أن أبرز العراقيل تتمثل في السعة الاستيعابية المحدودة لمراكز العلاج التي لا يستطيع أى منها تقديم الخدمة لأكثر من 150 مريضاً في أفضل الأحوال.

كما تواجه المراكز الطبية في الولايات المختلفة معضلة أخرى مرتبطة بقطع غيار الأجهزة الطبية التي يستوردها القطاع الخاص، وصعوبات في إرسال فرق الصيانة إلى الولايات، فضلاً عن قلة الأخصائيين وضعف تدريب العاملين.

متطوعون في الأقاليم

ومع أن أقاليم السودان ظلت لسنوات طويلة تشكو نقص الأطباء والعيادات الخاصة والمستشارين في المستشفيات، لكن يحسب لهذه الحرب أنها دفعت مئات الأخصائيين والاستشاريين إلى الأقاليم للمساعدة، حيث شهدت معظم المستشفيات والمراكز هناك مئات الأطباء.

وقال دكتور محمد توم، الذي كان يعمل مديراً لقسم الطوارئ في مستشفى كبير بالخرطوم، إنه وآخرين أسسوا قسماً للطوارئ في مستشفى الأمير عثمان دقنة بولاية البحر الأحمر، معتبراً أن “هذا القسم هو الأول من نوعه في الولاية”.

وقدَّم توم وزملائه تصوراً إلى عدد من مستشفيات ولاية البحر الأحمر لشرح آلية تأسيس أقسام للطوارئ.

كما برز دور عدد من لجان المقاومة والنشطاء في العاصمة والولايات من أجل المساعدة في تسيير عمل المستشفيات والمراكز الطبية.

وتجاوزت أعداد القتلى جرَّاء الحرب نحو 800 قتيل، في حين لا تملك وزارة الصحة إحصائيات بشأن أعداد من لقوا حتفهم نتيجة عجزهم عن تلقي العلاج، وذلك في ظل انتشار كثير من القصص عن مرضى الفشل الكلوي والسرطان والحالات النفسية المستعصية التي لم تصل إلى المستشفيات.

وتعمل عدة منظمات دولية على توفير الإمدادات الطبية والخدمات الصحية في السودان، مثل الصحة العالمية واليونيسف وأطباء بلا حدود والمؤسسة الطبية الدولية IMC، بالإضافة إلى مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية والإغاثة والهلال الأحمر القطري ومنظمة قطر الخيرية وجمعية الهلال الأحمر الكويتي وصندوق إعانة المرضى الكويتي.

تنديد بالمضايقات

ونددت منظمة “أطباء بلا حدود” في بيان، الثلاثاء، بالمضايقات، التي تعرّض لها طاقمها وباحتلال مقراتها الطبية، والمرافق التي تدعمها في السودان، ونهبها.

ودعت المنظمة جميع الأطراف المتنازعة إلى ضمان سلامة وتسهيل وتنقل العاملين في المجال الطبي والمرافق الصحية، وإتاحة المرور الآمن لسيارات الإسعاف والساعين إلى الحصول على الرعاية الصحية.

ووفق البيان، لا تتعرض “أطباء بلا حدود” وحدها لهذه الأعمال، إذ وثقت منظمة الصحة العالمية حتى 22 مايو الجاري، 38 هجمةً على مرافق الرعاية الصحية منذ اندلاع النزاع.

“كارثة بمعنى الكلمة”

واندلع القتال بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”، بينما كان يتم وضع اللمسات الأخيرة على خطط مدعومة دولياً، للانتقال إلى إجراء انتخابات ديمقراطية.

وكان السودان يواجه بالفعل ضغوطاً إنسانية شديدة قبل اندلاع الصراع الذي أجبر أكثر من مليون شخص على الفرار من ديارهم، وهدد بزعزعة استقرار المنطقة.

وتقول الأمم المتحدة إن عدد من يحتاجون المساعدة قفز إلى 25 مليوناً، أي أكثر من نصف سكان السودان.

وكان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط أحمد المنظري، قال مطلع مايو، إن الأزمة الصحية التي كان السودان يعانيها، تحولت إلى “كارثة بكل معنى الكلمة”، في ظل نقص العاملين والمستلزمات الطبية وانتشار الأوبئة.

وأوضح المنظري أنه قبل المعارك الأخيرة “مرّ النظام الصحي في السودان كما هو معروف بسنوات من الأزمات المختلفة، ما عرّضه للكثير من الهشاشة والضعف الحقيقي، ضعف بكل ما تعنيه الكلمة من حيث البنى التحتية في عموم السودان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى