انفتاح جزائري على “بيزنس” الطلاب الأجانب
تراهن الجزائر على استقطاب مزيد من الطلاب الأجانب، ضمن استراتيجية جديدة تهدف إلى تعزيز جاذبية المؤسسات الجامعية وإقحامها في المنافسة على المستوى الدولي وتحقيق معدلات ربح اقتصادية، بعد مرورها بأحلك فترة في تاريخها، خلال العشرية الأخيرة، جعلتها تتذيل الترتيب العالمي أو البقاء خارجه في بعض الأحيان.
ومحاولة لاستدراك فترة التراجع، وضعت السلطات الجزائرية خطة عمل من ثلاث مراحل بدأت بتعزيز استعمال اللغة الإنجليزية في الجامعات كلغة تدريس ونشر البحوث العلمية، ثم شكلت لجنة لتحقيق ما سمته “مرئية الجامعة وإعادة تصنيفها”، والمرحلة الثالثة استحدثت وسم “أدرس في الجزائر”.
وتسعى وزارة التعليم العالي الجزائرية من وراء هذه الاستراتيجية إلى استقطاب طلاب جدد من جنسيات عدة ومرافقتهم وتشجيع التدريس باللغات الأجنبية، استناداً إلى معايير تتعلق بظروف استقبالهم ومدى التزام الدليل المرجعي الذي تمت صياغته بالتنسيق مع وزارة الخارجية. ومن شأن وسم “أدرس في الجزائر” إظهار إمكانات الجامعات الجزائرية عالمياً، وجعلها مرئية على المستوى الدولي، وإتاحة مواقعها الإلكترونية عبر التمثيليات القنصلية في الخارج لتسهيل الولوج إليها.
ومنذ حصولها على الاستقلال سنة 1962 استقبلت الجزائر حتى اليوم 63 ألف طالب أجنبي يمثلون 62 جنسية مختلفة، فيما تحصي الجامعات خلال الموسم الدراسي الحالي 8500 طالب من دول عدة أغلبها عربية وأفريقية، ومن المرتقب استقبال 1600 طالب جديد العام المقبل.
ثلاثة محاور
أما وسم “أدرس بالجزائر” فقالت وزارة التعليم العالي إنه مقسم إلى ثلاثة محاور، الأول يخص أساليب التدريس (البيداغوجيا)، ويرتكز على تنوع اللغات والمقاييس والشعب ونوعية الشهادات التي يمكن منحها، والثاني يتعلق بالحوكمة وما تتطلبه من رقمنة وتخصيص مصلحة متخصصة لاستقبال الطلاب الأجانب وتوجيههم وتسهيل إجراءات التسجيل في المنحة والإقامة. ويرتكز المحور الثالث على حياة الطالب الدولي بالحي الجامعي بما يخلق تنافسية بين الأحياء الجامعية لتقديم بيئة أفضل لاستقطابهم وفي النهاية يعود بالفائدة على أبناء الدولة.
وتقدم الحكومة الجزائرية نوعين من المنح للطلاب الأجانب، أولهما في إطار اتفاقيات التبادل بين البلدان في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وعلى رأسهم أبناء الدول العربية كالأردن والسودان وموريتانيا وتونس، وثانيهما منح تضامنية مع بلدان أفريقية في شكل حصص موجهة بحسب كل بلد وتتولى مسؤوليتها وزارتا الخارجية والتعليم العالي.
وقال المسؤول بوزارة التعليم العالي الجزائرية توفيق قندوزي، في تصريحات صحافية، إن وسم “أدرس في الجزائر” الخاص بمرافقة الطلاب الأجانب في المؤسسات الجامعية هدفه تعزيز وجودها على المستويين القاري والدولي، وتحسين ترتيبها وتصنيفها عالمياً، عبر جذب هؤلاء الطلاب الأجانب لها.
هل تنجح الجزائر في تفعيل مقاربتها بالساحل الأفريقي؟
وكان مدير التعاون والتبادل الجامعي بوزارة التعليم العالي الجزائرية، الطاهر صحراوي، قال إن بلاده تكثف من تحركاتها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الطلاب الأجانب بهدف الانخراط في المنافسة العالمية، لأن الطالب الدولي أصبح استثماراً سياسياً واقتصادياً، مبرزاً أن هذا المسعى يستوجب تضافر وتعاون مختلف القطاعات المعنية ببلاده. ولفت الانتباه إلى ضرورة مراعاة مؤشرات الحوكمة والبيداغوجيا والبرامج التكوينية والنوادي العلمية والإيواء والإطعام.
في السياق ذاته، أوضح ممثل مديرية التعاون والتبادل الجامعي الجزائرية عضو لجنة التحضير لمشروع وسم “أدرس بالجزائر”، محمد مدور، في تصريحات سابقة، أن هذه المؤشرات قسمت على سلم من 40 درجة، إذ يستوجب على المؤسسات الجامعية أن تحقق ما بين الـ15 و39 درجة لتتمكن من الحصول على هذا الوسم بنجمة واحدة، وفي حالة تحقيق 40 درجة كاملة فتنال نجمتين.
سلم يعيد ترتيب وتصنيف المؤسسات الجامعية بحسب الجودة، بغية إدراج كل المعلومات المتعلقة بها على منصة رقمية، حتى يتسنى للطلاب الدوليين الاطلاع على مختلف المعلومات والتفاصيل ليتمكنوا من اختيار المؤسسة الجامعية التي يرغبون في الالتحاق بها.
عزلة سلبية
المتخصص الجزائري في الاقتصاد والجيوبولتيك، سيف الدين قداش، قال بدوره إن وسم “أدرس في الجزائر” كرؤية تنفيذية يعكس التوجه نحو انفتاح الجامعة على مدخلات ومخرجات الاقتصاد، لإخراجها من عزلتها السلبية التي بقيت محصورة فيها وجامدة فقط في ميدان التكوين والتأطير دون أن تصبح قوة اقتراح أو ابتكار أو استثمار.
وأوضح قداش لـ”اندبندنت عربية” أن التوجه الجديد يأتي لإحداث قطيعة مع التراكمات السابقة، من خلال دعم الابتكار والمؤسسات الناشئة والذكاء الاصطناعي ومراكز الدراسات وتشجيع البحث العلمي التكنولوجي والاقتصادي برفقة المؤسسات الاقتصادية المنتجة والقطاعات المهتمة.
وأضاف أن الجزائر دولة استراتيجية بمساحة واسعة، وواحدة من كبرى دول شمال أفريقيا في وفرة المؤسسات الجامعية بأكثر من 114 جامعة ومؤسسة، فضلاً عن كونها مركزاً محورياً لدول كثيرة تحيط بها بخاصة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
ويوجد بالجزائر كذلك 65 ألف أستاذ جامعي، وتتوافر في جامعاتها مقاعد دراسية، فيما يتبنى وزير التعليم العالي كمال بداري أولوية للاستثمار في التوجه نحو استقطاب الطلاب الأجانب، تفعيلاً للدبلوماسية العلمية التي من شأنها جعل البلاد تربح اقتصادياً وتعليمياً من خلال تأطير طلاب دول صديقة وشقيقة وغيرها.
وبحسب قداش فإن الجامعة الجزائرية تسعى إلى توفير الدراسة باللغة الحية (الإنجليزية) من خلال تطوير مستوى الأساتذة الجامعيين لإتقانها، فضلاً عن تدريس اللغة العربية والعلوم الدينية للطلاب المسلمين والمهتمين من الطلاب الآخرين.
وكشف عن أن وزارة التعليم العالي جهزت دليلاً توجيهياً ومنصة رقمية لتسجيل الطلاب الأجانب يتوفر لدى سفارات الجزائر في الخارج، وسيكون هؤلاء الطلاب سفراء لبلدانهم وسيتشبعون بالثقافة والقيم الجزائرية وستكون فرصة لنقل صورة إيجابية عنها.
ويرى الإعلامي الجزائري قديري مصباح إمكانية مساهمة هؤلاء الطلاب الأجانب في تحسين التبادلات الاقتصادية والتعاملات السياسية بين الجزائر ودولهم مستقبلاً، لأن منهم من سيتولى مناصب مسؤولية في بلدانهم وبإمكانهم اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية.
وأصبح من الضروري الأخذ في الاعتبار هذا المؤشر العالمي والانفتاح على العالم الخارجي، إذ إن العشرية السوداء (1990 – 2000) أثرت كثيراً في سمعة الجزائر وصورتها ومنها مؤسسات التعليم العالي وجعلتها لفترة من الزمن منغلقة على ذاتها، وهي الفرصة التي استغلتها بعض الدول لممارسة الدبلوماسية العلمية في أفريقيا، وفقاً لمصباح.