بعد قطيعة نحو 45 عاما.. هل اقترب التطبيع بين مصر وإيران
يبدو أن مصر وإيران تقتربان بشدة من استئناف علاقتهما الدبلوماسية على مستوى السفراء بعد نحو 45 عاما من القطيعة، لاسيما في ظل تحركات أوسع لإعادة رسم العلاقات بين دول عديدة، خاصة مع اتجاه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب بدلا عن القطب الأمريكي الأوحد.
ومنذ أن أطاحت “الثورة الإسلامية” في إيران عام 1979 بالشاه محمد رضا بهلوي، توترت العلاقات بين طهران والقاهرة، التي دُفن فيها الشاه عام 1980 وترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، ولاسيما السعودية.
وزاد التوتر بإطلاق الحكومة الإيرانية على أحد شوارع العاصمة طهران اسم خالد الإسلامبولي، وهو ضابط في الجيش المصري قاد فريقا اغتال الرئيس المصري محمد أنور السادات (1970-1981) خلال عرض عسكري في القاهرة عام 1981.
وفي السنوات الأخيرة اتهمت القاهرة وعواصم أخرى إقليمية وغربية، بينها الرياض وتل أبيب وواشنطن، طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، بينها اليمن ولبنان والعراق وسوريا، بينما تقول إيران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.
وفي إشارة ضمنية إلى طهران، في ظل ملفات خلافية خليجية إيرانية، أعلنت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارا منذ عام 2014 استعداد مصر لمساعدة حلفائها العرب الخليجيين عسكريا إذا واجهوا تهديدا خارجيا.
وقطعت السعودية (ذات أغلبية سنية)، في يناير/ كانون الثاني 2016، علاقاتهما مع إيران (ذات أغلبية شيعية)؛ إثر اقتحام محتجين لسفارة المملكة في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع آخرين، بينهم سُنة، بتهم منها الإرهاب.
لكن مصر حافظت، ومنذ الثورة الإسلامية، على تمثيل دبلوماسي في إيران على مستوى القائم بالأعمال، واستمرت بين البلدين خلال العقود الماضي اتصالات متقطعة.
إحياء العلاقات
وعلى الرغم من الصمت الرسمي المصري، يبدو أن القاهرة وطهران على وشك تحقيق اختراق في مسار علاقتهما، إذ كشف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان البرلماني فدا حسين مالكي أن المفاوضات بين طهران والقاهرة مستمرة في العراق، وستُستأنف العلاقات (على مستوى سفراء) بين البلدين في المستقبل القريب”، وفقا لوكالة أنباء “مهر” الأحد الماضي.
ويؤكد هذا التصريح ما أعلنه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في اليوم نفسه، عن “وجود قناة رسمية للاتصال المباشر بين البلدين”، مضيفا أن “دولا تبذل جهودا وتشجع إيران ومصر على ارتقاء مستوى العلاقات بينهما”.
وأردف أن “سياسة حكومة (الرئيس) إبراهيم رئيسي تولي أهمية بالغة لتطوير العلاقات مع دول المنطقة، ومع دولة مصر الشقيقة والصديقة”، مشددا على أن طهران “تأمل أن ترى انفتاحا جديا وتطورا في العلاقات الثنائية”.
تصريحات مالكي وعبد اللهيان جاءت بعد أيام من حديث مسؤولين مصريين وعراقيين عن أن مصر وإيران أجريتا جولتين من المحادثات ببغداد في مارس/ آذار وأبريل/ نيسان الماضيين، بحسب صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية.
تلك المحادثات، وفقا للمصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، ركزت على إمكانية عقد لقاء بين الرئيسين المصري والإيراني، وتطبيع العلاقات بين القوتين الإقليميتين، والحد من التوتر في دول إقليمية ينشط فيها البلدان عبر دعم حكومات حليفة أو جماعات مسلحة.
الدور السعودي
لم يسم عبد اللهيان الدول التي تشجع بلاده ومصر على استئناف علاقتهما، لكن من المرجح أن السعودية، وبجانب العراق، تلعب الدور الأبرز في هذا المسار ضمن تغيرات تشهدها الساحة الإقليمية.
وتنخرط الرياض وطهران في عملية لإعادة علاقتهما الدبلوماسية تنفيذا لاتفاق توصلا إليه بوساطة الصين في 10 مارس/ آذار الماضي لإنهاء قطيعة استمرت 7 سنوات بين بلدين يقول مراقبون إنهما يتصارعان على النفوذ عبر وكلاء في دول عديدة بالمنطقة.
ورحبت الرئاسة المصري، في بيان، بالاتفاق السعودي الإيراني، لكنها أعربت في الوقت نفسه عن تطلع القاهرة إلى أن “يكون لهذا التطور مردود إيجابي إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية”. و”عينت وزارة الخارجية السعودية سفيرها الجديد في طهران، الثلاثاء الماضي، فيما ستعين إيران سفيرها الجديد في الرياض قريبا”، بحسب عبد اللهيان الأحد الماضي.
وبتطبيع العلاقات بين طهران والرياض، تخلصت القاهرة من أحد المعوقات، حيث ظلت حريصة على عدم تفسير أي تقدم منها نحو إيران على أنه موجه ضد السعودية
مكاسب ومعوقات
التطبيع المحتمل للعلاقات بين القاهرة وطهران، ربما يساهم في تدفق السياح الإيرانيين على مصر، التي فقدت جزءا معتبرا من عائدات السياحة الحيوية جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها تدابير مواجهة جائحة كورونا.
وفي وقت يعاني فيه اقتصاد مصر نقصا حادا في العملة الأجنبية، قررت السلطات المصرية في مارس/ آذار الماضي السماح للوافدين الإيرانيين ضمن مجموعات سياحية بالحصول على تأشيرات عند الوصول إلى محافظة جنوب سيناء (شمال شرق)، حيث توجد مدينة شرم الشيخ، تمهيدا لإمكانية السماح لهم بزيادة أماكن أخرى في البلاد.
وكثيرا ما ثارت مخاوف بين المصريين من شعارات شيعية يحملها السياح الإيرانيون، الذين يتطلعون لزيارة المزارات الدينية ومراقد آل البيت في مصر. وفي 2022، استقبلت مصر نحو 11.7 مليون سائح وتستهدف 15 مليون في 2023، وفقا لأرقام رسمية.
وربما تسهم عودة العلاقات المحتملة في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، لكن هذا المسعى قد يواجه عوائق في ظل العقوبات الغربية على طهران على خلفية ملفات أبرزها برنامجها النووي المثير للجدل.
ولا شك أن التقارب المصري الإيراني يثير القلق في تل أبيب، التي ترتبط بمعاهدة سلام مع القاهرة منذ 1979 وتخشى كسر طهران المتزايد لعزلتها، حيث تعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها. وتواصل إسرائيل احتلال أراضٍ عربية في كل من فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967.
وتمتلك تل أبيب ترسانة نووية لم تعلن عنها رسميا وغير خاضعة للرقابة الدولية، وتتهم طهران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول الأخيرة إن برنامجها مصمم للأغرض السلمية، بما فيها توليد الكهرباء.
وعلى الرغم من العداء بين إيران وكل من إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، إلا أن تطبيع العلاقات المحتمل بين القاهرة وطهران قد لا يثير أزمة مع تل أبيب وواشنطن وفقا لمراقبين، حيث يمكن للقاهرة وبالتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل أن تلعب أدوارا إيجابية في معالجة أزمات إقليمية تنشط فيها إيران، وهو ما يخدم أيضا تطلع مصر إلى استعادة جانب من حضورها في المنطقة، والذي شغلته دول الخليج الغنية بالنفط، ولاسيما السعودية والإمارات.
ويعزو جانب من العلاقات المتغيرة في المنطقة مؤخرا إلى تمدّد الدور الصيني وتراجع الاهتمام بالشرق الأوسط على قائمة أولويات الولايات المتحدة، حيث تركز حاليا أكثر على آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة نفوذ الصين المتصاعد وعلى أوكرانيا في ظل حرب متواصلة تشنها روسيا في جارتها منذ 24 فبراير/ شباط 2022.